بقلم: فاطمة بن عبد الله الكرّاي ما لا يذكره المنتقدون أو الموافقون على «اتفاقيات كامب دايفد» على حد سواء، هو ان هذه الاتفاقيات كانت خالية من «المفاوضات» ولم تأت ب «سلام» وعصفت ب «الثورة»... السادات وحين قرّر زيارة القدسالمحتلة، بان عبر شاشات التلفزيون وكأنه يختبر ردّ فعل «اسرائيل» والولاياتالمتحدةالامريكية، حين أعلن في افتتاح الدورة العادية لمجلس الشعب المصري (البرلمان) سنة 1977، عن استعداده لزيارة «الاسرائيليين» في «عقر دارهم» ولو أن فلسطين لم تكن يوما دارهم. قال السادات بالحرف أمام النواب المصريين يومها: «ستدهش اسرائيل عندما تسمعني أقول الآن أمامكم، أنني مستعدّ أن أذهب الى بيتهم... الى الكنيست ذاته ومناقشتهم»... وما إن وصل السادات في خطابه عند هذه الجملة، حتى دوّت قاعة «البرلمان» بالتصفيق، فيما، ونحن نستعرض الصورة اليوم من الأرشيف، نلاحظ «وجوم» بعض الوجوه ممّن لم يصدّقوا ما كانوا يسمعون... ولكن السادات كان يعني ما يقول...بل ونفّذ ما كان أعلنه أمام مجلس الشعب المصري، لذلك نجد النظام الرسمي العربي، حتى وإن كان شقّ منه موافقا على مسألة التفاوض مع العدوّ الصهيوني، ودرء مبدإ السلاح جانبا، لتحرير الارض، غير أنه (هذا الشق) وجد نفسه أمام عاملي ضغط الواحد منهما أقوى من الآخر: 1 سخط الجماهير العربية وغليان الشارع، وانضمام المثقّفين العرب والعسكريين المصريين الى هذه الموجة الرافضة لأي تفاوض أو صلح مع العدوّ، لأن العرب سنة 1977، وبعد حظر النفط وحرب أكتوبر، لم يكن وضعهم أسوأ أو أضعف من سنوات الستينات أو الخمسينات... ولا حتى الثمانينات والتسعينات... بعد أن «سبق السيف العذل»... 2 انفراد مصر النظام بموضوع الصّلح مع «اسرائيل»، فقد كان انخراط نصف الانظمة العربية على الاقل واردا لو أن السادات شاورهم وتشاور معهم في الأمر. في هذه النقطة الثانية وبالرغم من أن هناك أصوات مصرية من التي تبنّت فسوّقت ما أقدم عليه السادات عملا بقولة: «و«باغتهم بالأمر» وأقصد الصهاينة، حيث بيّن أصحاب هذا الرأي أن «اسرائيل» ما كانت لتقدم على «السلام» لو ضمّ وفد الزائرين للقدس المحتلّة أكثر من رئيس عربي! والحقيقة التي لم تذكر ضمن ما أمكن استخلاصه من هذه العملية، عملية اقدام السادات على الصلح منفردا هي أن الشروط الخفية التي بالتأكيد كانت وضعتها الصهيونية والامبريالية الامريكية أمام السادات قبيل زيارته الى القدسالمحتلة، وهي أن تأتي مصر منفردة، لأن غاية اسرائيل والولاياتالمتحدة،لم تكن ارساء السلام في المنطقة، بقدر ما كانت اتفاقيات «كامب دايفد» بداية لمرحلة جديدة في الصراع عنوانها «قضم» الوحدة العربية التي كانت ستسير أشواطا، لو أن نتائج حرب أكتوبر مكّنت النظام الرسمي العربي من مفاتيح الحل الشامل في حدّه الأدنى على الأقل، وأقصد دولة فلسطينية كاملة الشروط، في حين أفرزت «كامب دايفد» مقترحا يقف عند «حل» الحكم الذاتي للشعب الفلسطيني، مقابل مواصلة اسرائيل لحركة الاستيطان. ولنا في هذا النهج الاسرائيلي مثال، إذ طالعنا بعد 13 سنة، وحين تنادت مجموعة من الدول الكبرى «الراعية» لاسرائيل وليس للسلام العادل وتقرّر مؤتمر مدريد سنة 1992، الذي يضمّ الدول العربية المعنية مباشرة بالقضية الفلسطينية، للتفاوض مع اسرائيل، فجعلت هذه الأخيرة مسار المفاوضات يتعثر وانفردت بالقيادة الفلسطينية التي كانت على أهبة لإعادة سيناريو «كامب دايفد»... وكان «أوسلو» الذي عوّض المسارات المجتمعة في التفاوض، من ناحية العرب! العرب الرسميون وهم يجتمعون في بغداد سنة 1978 ثم بعد وعلى مستوى القمة دائما في تونس، جاءت قراراتهم في شكل رد فعل، تقوده فكرة أساسية ان مصر انفردت بالحل... وانها لم تتشاور معهم في الأمر... وهذا ما جعل قمتي بغداد (78) وتونس (79) تعطيان انطباعا ظاهريا بأن هناك توافقا عربيا على كل بنود البيانين الختاميين... كما بان النظام الرسمي العربي بعد القمّتين في أفضل حالات التجانس أو القرب من آمال الجماهير العربية..! اتفاقيات «كامب دايفد» مكّنت الصهاينة من «مكاسب استراتيجية» لعل أهمها: انهاء حالة الحرب» و«اقامة علاقات عادية» بين مصر و«اسرائيل» مع «انسحاب اسرائيل من سيناء»المحتلة سنة 1967 على إثر عدوان 5 جوان 1997 الذي نفّذته اسرائيل واحتلت وفقه أراضي عربية من لبنان وسوريا ومصر اضافة الى الضفة الغربية وقطاع غزة... ثم القدس... كما حوت اتفاقيات «كامب دايفد» التي أمضتها مصر مع الطرف الاسرائيلي برعاية أمريكية فترة ما بين القمتين العربيتين بغداد 1978 وتونس 1979... وهما قمتان، كما سنرى بأكثر تفاصيل لاحقا تدخلان ضمن خانة رد الفعل وليس التأسيس لفعل..! حوت الاتفاقيات اذن ضمان عبور السفن الاسرائيلية لقناة السويس و«اعتبار مضيق تيران وخليج العقبة» ممرات مائية دولية وذلك من خلال ما تضمنته نصوص الوثائق بالخارجية المصرية... وفي هذا إلزام لمصر بالتنفيذ، فيما لم تنفّذ اسرائيل انسحابها من سيناء الا بعد جولات وتعقيدات في المفاوضات طالت اكثر من عشر سنوات.. وكلنا يتذكر متى وكيف عادت «طابا» لمصر مثلا... وفي ملف القضية الفلسطينية نجد ان اتفاقيات «كامب دايفد» نصت على البدء في مفاوضات دولية وليست أممية لانشاء منطقة حكم ذاتي فلسطيني في الضفة والقطاع مع تطبيق القرار 242 الذي ترفضه الى حد ذاك التاريخ منظمة التحرير الفلسطينية وكذلك النظام الرسمي العربي... ثلاث سنوات حكمت مصير الصراع العربي الاسرائيلي، بدأت من سنة 1977 تاريخ أداء السادات للزيارة المشهورة الى القدسالمحتلة و«الكنيست» الاسرائيلي وسنة 1979 تاريخ امضاء اتفاقيات كامب دايفد.. كما ان اسرائيل تمكنت من اكثر من عصفور بواسطة حجر واحد لعل أهمها: اخراج مصر من الصف العربي وتحييد أكبر جبهة عربية على الاطلاق، كانت تؤرّق الكيان الصهيوني، وتشرف حسب مجريات الأمور على الميدان في حرب أكتوبر 1973 على تأمين توازن الردع... ثانيا : رسالة من «اسرائيل» الى الأممالمتحدة، انها قادرة على حل الصراع مع العرب خارج رحاب الاممالمتحدة وقراراتها التي أرّقت اسرائيل وتحديدا قرار التقسيم 181 (صدر سنة 1947) الذي ينص على ضرورة انشاء دولتين واحدة اسرائيلية وأخرى فلسطينية. ثالثا وليس آخرا : اشارة الى العرب الرسميين ان طريق الثورة والكفاح ضد اسرائيل لا يمكن ان يضمن لهم ك«عروش» ما يمكن ان تضمنه لهم صداقة اسرائيل والتطبيع معها، وأقصد رضاء الولاياتالمتحدةالامريكية عليهم...