الموت حق علينا في حكمة الباري حيث يقول: «كل نفس ذائقة الموت» وقال تبارك وتعالى: {وخلق الانسان ضعيفا} فضعفي شخصيا جعلني أتألم لفراق سي عبد القادر الغربي أخي العزيز، صديقي الحبيب، رفيقي المخلص، جليسي الوفي. إنه رجل أصيل ذو أخلاق فاضلة وخصال حميدة وطبع رصين معتدل في تواضع وحياء. كان مربيا مخلصا (أستاذ عربية) وكان محبّا بقوة لوطننا تونس ولموطنه طبرقة كثيرا وللوطن العربي كذلك وللاسلام بإيمان صادق ويقين ثابت. كان شاعرا فذّا لا عصاميا بل عظاميا لانه كان يدرّس العربية بما فيها العروض فهو متمسك بكتابة الشعر العمودي وقلّما كتب قصيدة الحر. بدأ الكتابة شعرا ونثرا منذ شبابه في الصحف والمجلات ولم يكن مكثرا لخوضه في رسالة التدريس ولاخلاصه فيها الى حد القداسة. وشغلته التنقلات العديدة ومسؤولية الاسرة والنضال الوطني النقابي فلم يتفرغ للكتابة. لم أره ولو مرة قبل تقاعده رغم أننا نسكن بنفس الحي بينما أسمع عنه وعن قيمته كأستاذ عربية بمعهد بن عروس التقيته لما نال التقاعد المبكر مع زوجه فضيلة فلفول الفنانة التشكيلية المعروفة في معرض لها برواق الفنون ببن عروس ثم أصبحت عضوا معنا في الهيئة المديرة لجمعية أحباء رواق الفنون. منذ تلك المحطة صرت ألتقي سي عبد القادر رحمه الله بانتظام بعد أن اطلعت على إنتاجه الشعري الجيد. ولمته كيف تنام هذه القصائد القيمة فاجتهدنا في مشروع نشرها واتصلنا بسي عبد القادر الهاني مدير «الاتحاف» ومؤسسها حيث بعث دارا للنشر بسليانة فرحب بنا وتبيّن أن سي عبد القادر الغربي كان يدرّس ببنزرت مع ابن عم سي عبد القادر الهادي وكتب فيه قصيدة رثاء لما وافاه الاجل المحتوم منها هذا البيت: فتوارى أخ عزيز علينا عشنا بالقرب منه أحلى الليالي كان سي عبد القادر يتنقل بين بن عروس وطبرقة. لم يكن يرغب في الشهرة يتحاشى الملتقيات ويتحرج من الجلسات العامة بينما تفرّغ للكتابة في داره بطبرقة أو بشقته ببن عروس حيث يشاهد يوميا من الشرفة كل صباح مطلع الشمس من خلال قرني جبل بوڤرنين. اختار لكتابة الاولى عنوان: «لماذا» واختار لصورة غلافيه الامامي والخلفي صورة شاملة لمدينة طبرقة وكتبت له المقدمة وأصدره له سي عبد القادر الهاني عن دار الاتحاف للنشر سنة 2003 فيه قصائد تماثل قصائد المتنبي وطنية واجتماعية وانسانية وقومية خاصة عن العراق لانه درس بها تعليمه العالي بجامعة بغداد في كلية التربية فتخرج منها بالاجازة في اللغة والآداب العربية. درّس بعدة معاهد بالوطن وبالجزائر وعمل بليبيا ملحقا اجتماعيا بالقنصلية التونسية في طرابلس مدة أربع سنوات. كنت على اتصال منتظم به وألح عليه أن يحضر في التظاهرات فيلبّي دعوتي. اصطحبته في الاول الى النادي الثقافي «أبو القاسم الشابي» بالوردية فابتهج بلقاء الاحبة خاصة منهم رفيقه في بغداد ا لميداني بن صالح حيث أسمعهم قصيدة عن العراق. وأصدر كتابه الثاني بعنوان: مدائن في الذاكرة عن دار سنابل للنشر (ابنة الاتحاف) بسليانة سنة 2007 وألححت عليه في تقديم مطلب للانضمام الى اتحاد الكتاب التونسيين فلم يرفض حيث أصبح عضوا به. كما تألم لمحنة العراق فأنشد: حلمنا يا عراقنا أن تعود لصفوف العروبة الشامخات فإليك محبتي واشتياقي وإليك السلام والمكرمات ويغرّد يهزه الحنين الى الموطن فيتغنّى بروعته: كفاك طبرقة فخرا كفاك إطار يروم سناء علاك شواطئ تلثم ثغر بهاك وغاب يعطّر عذب هواك وكم ابتهج الغربي بالتحوّل فبارك التغيير الى حد الانتشاء فتغنّى بالمكاسب: حريّ أن تشاركني القوافي نجاحات التحول كل عام فذا عهد جديد قد أقام مشاريع السعادة للأنام ثم أصدر الغربي كتابا ثالثا يتضمن مقالات عن دار سنابل بسليانة أيضا وله كتاب لمجموعة شعرية رابعا بصدد الطبع أو نشر أخيرا. وكم يستحق الغربي لفتة من النقاد نحو إنتاجه الشعري الملتزم لانه عالج قضايا إنسانية هامة. ولد سي عبد القادر بطبرقة في 3 سبتمبر 1936 وتوفي ببن عروس يوم 27 سبتمبر 2010 عن سن 74 سنة. رحمه الله رحمة واسعة ورزق أسرته وأقاربه وأصدقاءه جميل الصبر والسلوان.