سيدي بوزيد: انتفاع اكثر من 1000 شخص بخدمات قافلة صحية بالمزونة    تراجع القروض البنيكة غير المهنية من 851 م د الى 3ر569 م د بين 2023 و2024    961 ألف حاج يصلون المملكة السعودية    انطلاق سفرة "قطار الوعي" في مجال التنمية المستدامة من محطة برشلونة في إتجاه الجم    تونس تحتفل بمرور 30 سنة على اعتماد سياسة النهوض بالاستثمار الخارجي: من الأقطاب التكنولوجية إلى ريادة صناعية قارية    ملتقيات الدوري الماسي بالرباط : مشاركة منتظرة اليوم الاحد للثنائي التونسي محمد امين الجهيناوي واحمد الجزيري في سباق 3000م موانع    مع اقتراب الصيف.. 6أطعمة صيفية تضمن لك هضمًا صحيًا    زراعات كبرى: بوادر صابة وفيرة واستعدادات حثيثة لتأمين موسم حصاد 2025 وإنجاحه    نسبة امتلاء السدود تتجاوز اربعين بالمائة وقريبا استكمال انجاز جملة من السدود الكبرى    تونس: ارتفاع كبير في السيولة النقدية ...وقانون الشيكات من بين الأسباب    الإطار القانوني والتنظيمي في تونس لا يزال عاجزا عن مواكبة العصر الرقمي (دراسة)    وزير الداخلية يشرف على إحياء الذكرى 67 لمعركة رمادة    ريال مدريد يعلن رسميًا تعيين تشابي ألونسو مدربًا جديدًا بعد رحيل أنشيلوتي    عاجل/ آخر مستجدات مفاوضات الزيادة في أجور القطاع الخاص..    قد تبدو بسيطة.. أخطاء عند غسل الأواني قد تسبب أضرارًا صحية كبيرة    تراجع غراسات كروم التحويل.. لقطاع كان يدرّ عائدات جبائية ب 50 مليون دينار لخزينة الدولة    الستاغ تُشغّل خطًا كهربائيًا جديدًا بهذه المنطقة لتعزيز الربط مع المحطة الفولطاضوئية    بطولة هامبورغ للتنس: الإيطالي فلافيو كوبولي يتوج باللقب على حساب الروسي روبليف    كاس العالم لسلاح السابر.. المنتخب التونسي يخرج من الدور ثمن النهائي بخسارته امام نظيره الفرنسي 38-45    جندوبة: حجز كمية كبيرة من سماعات الغشّ في عملية أمنية    السعفة الذهبية ل"حادث بسيط".. حين تتكلم السياسة بلغة السينما    لماذا يحتفل اليوم بعيد الأمهات في تونس؟    مايا تواصل دعم قضايا المرأة بأغنية اجتماعية تنال تفاعلًا واسعًا    تونس : أبرز الأحداث السياسية بين 19 و24 ماي 2025    لحظات من الرعب.. راكب مجنون يحاول قتل ركاب طائرة يابانية متجهة إلى أمريكا!    يوم مفتوح لفحص مرض الكحلي يوم السبت المقبل بمعهد الهادي الرايس لامراض العيون بباب سعدون    جوائز مهرجان كان السينمائي 2025.. تألق عالمي وبصمة عربية    "كتائب القسام" تعلن عن تنفيذ عملية مركبة استهدفت قوات إسرائيلية في غزة    قبلي: المدرسة الابتدائية بجمنة تتحصل على جائزتين من منظمة الصحة العالمية ومنظمة الامم المتحدة للطفولة    وكالة حماية وتهيئة الشريط الساحلي تنفذ عمليات تتنظيف لشاطئ سيدي محرز بجربة وشاطئ أوماريت بجرجيس    قافلة طبية للهوارية: 600 مستفيد من فحوصات قلب دقيقة و8 عمليات ناجحة لفائدة مرضى الكلى    باريس سان جيرمان يتوج بكأس فرنسا استعدادا لنهائي رابطة الأبطال    إضراب في ''دحدح''....وهذه التفاصيل    أمطار متفرقة بالمناطق الساحلية الشمالية صباح الاحد وارتفاع طفيف للحرارة    طقس الأحد: سُحب وأمطار خفيفة بهذه المناطق... والحرارة تواصل الارتفاع!    بعد تأهّل البقلاوة: الترجي واتحاد بن قردان في صراع ناري على تذكرة النهائي!    جماهير ميلان تحتج ضد الملاك والإدارة بعد موسم مخيب للآمال    سرقة حمولة 23 شاحنة مساعدات إماراتية في غزة.. واتهامات لإسرائيل باختفائها    الفيلم الإيراني "مجرد حادث" يحصد السعفة الذهبية بمهرجان كان السينمائي    جندوبة: الاحتفاظ بشخص وإحالة 3 آخرين بحالة تقديم من أجل تحوّز أجهزة الكترونية معدة للغش في الامتحانات    بعد أن أمهله المتظاهرون 24 ساعة... المنفي يعد بالتفاعل الايجابي مع الليبيّين    حريق بميناء الصيد البحري بجرزونة    أولا وأخيرا: «يطول ليلها وتعلف»    النادي الإفريقي يتوّج ببطولة كرة السلّة    أسرار النجمة الزهراء: مؤلف جديد لمركز الموسيقى العربية والمتوسطية    القيروان: اختيار 15 طالب دكتوراه للتنافس على تصفيات نهائي مسابقة "أطروحتي في 180 ثانية"    طقس الليلة    عاجل : النيابة العمومية تفتح تحقيقاً بعد وفاة شابة بطلق ناري في الكاف    عاجل/ حادثة مقتل فتاة بطلق ناري في الكاف: المساعد الأول لوكيل الجمهورية يكشف تفاصيل جديدة..    زلزال بقوة 6ر4 درجات يضرب هذه المنطقة..#خبر_عاجل    عاجل: إيطاليا تحرم أحفاد الأجداد من فرصة الحصول على الجنسية    جندوبة: تفكيك شبكة مختصة في ترويج سماعات الغش في الامتحانات    رحيل أسطورة السينما الجزائرية محمد لخضر حمينة    الفكر المستقيل    أمراض تهدد حياتك عند ضعف حاستي السمع والشم.. ما هي؟!    موعد بدء إجازة عيد الأضحى في السعودية    29 يوم فقط تفصلنا على بداية فصل الصيف    دعاء يوم الجمعة 23 ماي 2025    









صدر حديثا «أنكيدو» و«مطر لقبّرة البراري» للشاعر صالح الطرابلسي: القصائد وهي تلهو ببراءة الاطفال وشجن الكائن في هذه الازمنة...
نشر في الشروق يوم 01 - 10 - 2009

ماذا يفعل الكائن حين يأخذه الشعر من زحمة أحلام الناس وصخبهم وإيقاعاتهم المألوفة الى عوالم أخرى تحتشد فيها الكلمات والمعاني والصور ويظل الحلم بهجة أخرى يلذّ البحث عنها... وهكذا...
هذا ما حصل مع الشاعر صالح الطرابلسي الذي رغم شؤونه اليومية والاجتماعية حرص على اقتراف وداعة الشعراء الكبار ديدنه الكتابة الشعرية في هذا العالم المعطوب الذي كثرت فجائعه وتداعت علاماته وصار أقرب الى متحف مهجور...
الشعر لدى صالح الطرابلسي ضرب من المحبة الشاسعة بعيدا عن ضيق الافق ولذلك كبرت لديه هذه الفكرة الباذخة مع مرور الايام.
خلال أكثر من ربع قرن... أصدر الشاعر صالح الطرابلسي ديوانين هما «للفرح الظامئ» و«قصائد من جمر وماء» وها هو الآن يصدر مجموعتين شعريتين دفعة واحدة ونعني «أنكيدو» و«مطر لقبّرة البراري» عن دار سنابل للنشر بسليانة وعلى نفقته الخاصة وكأن حرائق الشعر غير كافية لتتبعها أو تنضاف اليها متاهة النشر وأثقالها خصوصا في ظروف مثل التي نعرفها للشاعر صالح الطرابلسي الذي ترهقه العائلة الموسعة والمسؤوليات الثقافية التي يعرفها مواطنو مرناق وبن عروس والجمهورية التونسية ونعني أيضا العائلة الثقافية...
وإنها حرقة للشعر وقيمه الصافية حيث يرى الشاعر صالح الطرابلسي الأدب عموما والشعر بالخصوص ضربا من ضروب المحبة والسمو المنوطة بعهدة الكاتب في مجتمعه وأمته...
نقول هذا من باب محبة هذا الرجل الشاعر الذي أعطى للثقافة والشعر الكثير ولكنه ظل على تواضعه وصمته الانيق في زمن كثر فيه الادعياء والمسرعون وعديمو أخلاق الآداب والفنون... ونعرف كم تعب هذا الشاعر لنشر قصائده وكتبه في ثلاثة عقود من جراح الشعر... في هذين العملين الشعريين «أنكيدو» و«مطر لقبّرة البراري» يواصل الشاعر صالح الطرابلسي لذة الاحتفاء بالانسان في تجليات جراحه وخاصة هذا الانسان العربي الذي تتنازعه هموم شتى وفي لغة اجترعها الشاعر من دواخله تأتي القصائد منسجمة مع أشجانه التي يختلط فيها الحب بالحزن المعتّق فتغدو المعاني ضربا من الغناء الخافت...
«قد كبرنا يا حبيبتي
وما اكتمل الزمان بنا
انظري
كبر همّنا!
تعب هو الياسمين الذي
كم قد سقيناه من أحلامنا
عطرا شذيا!
لست أدري ما الذي
أرداه على
قلبي حزينا!...»
مجموعة مطر لقبّرة البراري يفتتحها الشاعر بنص هو بمثابة البيان الذي يكشف شيئا من ألوان الكتابة لدى صالح الطرابلسي وعنوانه كلمات في الشعر ومما جاء فيه:
«الشعر كتلة من هواجس ورؤى تتدفق من أعمق أعماق الاحساس خفقات شعور... الشعر كيمياء الذات في تفاعلها بالحياة... للشعر في تغيير العالم دور... ولكن ليس بالشعر فقط يتغير العالم»...
وفي ديوانه «أنكيدو» يبدأ الشاعر صالح الطرابلسي قصائده بنص آخر بعنوان «الكتابة جسد للواقع يتضوّع روح الحياة» ونقرأ فيه ما يلي: «أن تكتب يعني أن تعرف لمَ كنت وما معنى أن تكون وكيف يجب أن تكون؟ أن تكتب يعني أن تختار لك ما بين الاقدار قدرين لا ثالث لهما، أن تموت موت العاجزين الخاملين المقعدين، أو أن تموت موت الفاعلين في الحياة، لكي تبقى الحياة»...
الكتابةبهذه المعاني لدى الشاعر صالح الطرابلسي فعل حياة وموقف ولذلك كانت القصائد حمّالة هموم ووجد وأشجان هي موسيقى هذا الانسان في رحلته الملونة بالصبر والتضحية والوقوف بوجه المآسي...
والشاعر عاد هنا في ديوانه «أنكيدو» الى الاسطورة تقصّدا لمرايا الملحمة حيث البحث عن النبتة في الدروب هي الرحلة وقد خبر الشاعر تفاصيلها فمضى باتجاه الوردة العابقة بالخلود.
أعلم جيدا أن الطريق اليها
معبّدة بأشواك من جراح
وخزها يدمي
(أنكيدو) أنا، وشغلي
طلاّع الثنايا...
نحو تخوم المستحيل.
سوف أسعى
كي أعيد تفاحة الوصل الى
فردوسها في الجنان!...
(أنكيدو) أنا
سأخترق الدروب،
كلها كي أغرس
في ثرى الارض وردة
ضوعها يعبق بالخلود...
قصائد أخرى فيها همس التواصل والوشائج مع الشابي شاعر أغاني الحياة ومع الفنان المبدع محسن الجليطي والشاعر محجوب العياري الذي أهداه الشاعر قصيدة سنة 1990 حيث قرأها بمناسبة حصول العياري على جائزة عربية في الشعر كما نقرأ قصيدة أحالتنا على قصيدة المتنبي وهو يبدع في وصف الحمّى الانثى... وذلك في قصيدة الطب والشعر وقد كتبها الطرابلسي فترة ألمّ به مرض حيث يقول:
«ناديته الشعر طبيبا، عساني به
أشفي
علتي
ما استجاب
فاستزاد مشقتي وعذابي!
قلت من لي بعد شعري إن جفاني؟!
هكذا هي القصيدة لدى الشاعر صالح الطرابلسي، لحظة بوح في تجليها المفعم بالشجن والآه ولكننا في ثنايا الاشعار نلمس اكتواء الشعر بالحب والحميمية تجاه التفاصيل والعناصر والاشياء والطفولة من هذه العناوين البارزة التي تزين القصائد حيث نقرأ في قصيدة هذا الحب إذ يستبدّ:
«عندما كنا صغارا
عمرنا...
كناا دفقا من ضياء الفجر
في ابتسامات الزهو...
كنا نهرا سلسبيلا
يلج كل البراري لا تلويه الشعاب!...
كنا نبعا زلالا
من نشوة الحب في أغاريد
الطيور...»
والحنين في قصائد صالح الطرابلسي حاضر ففي قصيدة مطر لنوّارة الصبا ضمن مجموعة مطر لقبّرة البراري يقول الشاعر:
«شجر الصبا
يا الشجر المتربع بالصبابة
لكم
تعتعتك رياح السنين بالاعاصير
شحر الصبا...
يا شجر التوت والتين والزيتون!
لكم آخيت بيننا
يوم كنا في عمر الزهور!
عصافير نطير منك، إليك
.......
أذكر الطفل الذي هو أنا
بين جوانحه
كانت تخفق أحزان...
وشجون»...
«أنكيدو» و«مطر لقبّرة البراري» قصائد أخرى توغل في حياة الشاعر صالح الطرابلسي فتأتي منسابة لأنها تشبهه فهي خارج أسراب الانفعال والافتعال... هي اللغة في معانيها المتشظية تسكب شيئا من أوجاع الشاعر... وهو ينظر باتجاه طفولته في هذا العقد السادس من الحياة... هذه الحياة التي أجمل ما فيها أن الكائن (وهنا الشاعر) يمضي فيها ببراءة الاطفال وأصوات الطيور في السماء الصافية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.