بقلم: عبد الرحمان مجيد الربيعي ابتلي العراق بين ما ابتلي فيه بكمّ لا يحصى من المتنطعين للسلطة، ولعل مردّ هذا إلى خلل في شخصيات هؤلاء المتنطعين وظنا منهم أن المنصب يجعلهم مثار الاحترام وتجعل الآخرين يخشون جانبهم ويطيعون أوامرهم. وعلى رأس القائمة الزعامة العشائرية الكردية التي كان يمثلها الملا مصطفى البارزاني الذي هرب إلى الاتحاد السوفياتي بعد سقوط ما سمي بجمهورية «مهاباد» التي أقيمت لفترة قصيرة فوق الأراضي الايرانية، وكان الملا مصطفى وزيرا لدفاعها. وظل هناك إلى أن أعاده إلى العراق الزعيم عبد الكريم قاسم رحمه اللّه الذي قاد الثورة التي أطاحت بالنظام الملكي، وسمح له بالعودة مع عشرات المنفيين والمسقطة عنهم الجنسية العراقية. وقد استقبل هو وجماعته باحتفاء كبير وأقاموا في فندق سمير أميس المطل على دجلةمن جهة الرصافة. وقد أزيل ذلك الفندق إذ أن تخطيط جسور بغداد جعلت جسر الباب الشرقي يمرّ عليه. كنت وقتها طالبا بمعهد الفنون الجميلة وحضرت مع آلاف الحاضرين الذين جاؤوا للترحيب بالملا العائد إلى وطنه بعد نفي دام عدة سنوات. لكن الملا مصطفى لم يحفظ الودّ وسرعان ما عادت حليمة إلى عادتها القديمة وجمع أنصاره وأبناء عشيرته وهيأ لهم السلاح ليعلنوا تمردهم على السلطة المركزية وكانت إيران الشاه تدعمهم إضافة إلىأجهزة استخبارات أجنبية ثبت ان بعض الزعماء الأكراد تعاملوا معها وسخرتهم لأغراضها بما في ذلك مساعدة قوات الاحتلال الأمريكي التي دمرت البلاد. لقد كان العراق استثناء بين البلدان التي يتواجد فيها الأكراد رغم ان عددهم أقل بكثير من المتواجدين في تركيا وإيران قلت العراق استثناء لأنه منح الأكراد حقوقهم بما في ذلك التعلم بلغتهم وكانت المدن الكردية تزخر مكتباتها بالكتب الكردية ومعظمها من انجاز المديرية العامة للثقافة الكردية احدى مؤسسات وزارة الثقافة. وكما نقرأ ونسمع فإن رئيس الوزراء التركي أردوغان في سبيله الآن إلى حل مشاكل أكراد تركيا أما ايران فلم تمنحهم أي حق ومازالت تقصف قراهم حتى اليوم، ولكن الزعيمين الكرديين العشائريين الحاليين الطالباني والبرزاني مذعنان للمشيئة الايرانية لا يحيدان عنها. ومازلنا نتذكر أن الطالباني لم يذهب إلى القمة العربية في سرت وتوجه إلى طهران ليحصل على دعمها بإعادة ترشيحه لما يظنه رئاسة جمهورية. بعد كل الدوران والتصريحات واكتظاظ شاشات التلفزة بوجوه الساسة الذين جاء بهم الاحتلال يبدو ان المالكي سيكون رئيسا لوزراء العراق المحتل لأربع سنوات أخرى. وهذا بفضل العصا الايرانية التي أجبرت عددا من أتباعها لأن يوافقوا على المالكي. وليس غريبا ان توافق منظمة بدر ولا التيار الصدري مادام زعيمه موجودا في قم الايرانية. لأن المطلوب أن لا تسلم رئاسة الوزارة إلا لمن كان هواه الكامل ايرانيا، وما دام المالكي يتوفر فيه هذا الشرط فإن أمريكا التي تحتل العراق لا تستطيع أن تقف على الضد مع ما تراه إيران، رغم ان الأنسب لمثل هذا المنصب وفي مثل ظروف العراق حيث التشتت الطائفي والعرقي هو إياد علاوي، وهذا ليس تزكية له فهو أيضا من ركاب القاطرة الأمريكية التي غزت العراق ولكنه جاء بقائمة سميت «علمانية» حازت بأصوات الأكثرية. نأتي إلى الزعيمين الكرديين فهما لديهما مطالب وعددها كما ذكر تتمثل في (19) نقطة حملها موفد منهم إلى بغداد، وهم غير معنيين بمن يكون رئيسا للوزراء فهم لديهم كيانهم الذي لا يحتاج إلا إلى بعض اللمسات لكي يعلنوه. مطالب تعتدي على الوطن، على الأرض، وتعتمد التزوير للحقائق مستغلة ضعف الكيان المركزي المنشغل بالمناصب وبالأمن والتفجيرات (من وراءها؟). ويعتمد الزعيمان الكرديان على تأييد أمريكا لهم بعد أن أثبتا لها، انهما راضخان وطيّعان مستجيبان لكل ما تريده منهما. وبين أهم مطالب الأكراد مدينة الاخاء الوطني كركوك التي عملوا طيلة سنوات الاحتلال على تكريدها وذلك باسكان ألوف العائلات الكردية فيها وتهجير العرب والتركمان منها. وليس كركوك فقط بل ومدن وقرى هي ووفقا للتقسيم الجغرافي ضمن محافظات أخرى مثل نينوى وصلاح الدين وواسط وديالى. تقول الأخبار ان المالكي وافق لهم على مطالبهم وبقي أن يضع توقيعه على وثيقة خطية بهذا وهذا أمر مؤسف ومؤلم أن يجري التفريط بكيان دولة موحدة وتوزيعه وفقا لأهواء زعماء شرهين نهمين، همّهم الأول والأخير أن يحكموا وأن ينادى عليهم «دولة الرئيس» وما شابه، ولو كانت «دولة» هذا الرئيس كومة أحجار. قاتلهم الله جميعا، لقد ذبحوا تاريخ العراق وذبحوا شعب العراق مقابل مناصب زائلة هم فيها أتباع أذلاء لا كلمة لهم أبدا رغم مناصبهم الرنانة.