بقلم : عبد الرحمان مجيد الربيعي من أكبر المشاكل التي عانى منها ويعاني العراق وجود قسم من الأكراد في مناطقه الشمالية، والأكراد قومية مستقلة لها لغتان أو أكثر تكتبان بالحروف العربية كما هو شأن اللغة الفارسية والتركية قبل أن يحولها أتاتورك للحروف اللاتينية (فخسرت تركيا جزءا كبيرا من تراثها الحضاري الذي بكاه كبار المبدعين الأتراك). ورغم أن أكراد العرق قلّة اذا ما قيسوا بأكراد تركيا وإيران، إلا أنهم قد نالوا من الحقوق ما لم ينالوه في البلدين المذكورين. لكنهم كانوا دائما ضد الحكومة المركزية في كل عهودها، الملكي والجمهوري، لا بل ان الزعيم القبلي ملاّ مصطفى البرزاني الذي عيّن وزيرا لدفاع كيان كردي صغير على الأراضي الايرانية سمّي «جمهورية مهاباد» وليس في تاريخهم أي كيان عداه فرّ هاربا مع أربعمائة من أتباعه بعد أن زحف عليهم الجيش الايراني، وأقام في الاتحاد السوفياتي وافتتح مطعما أو مقهى هناك ليعيش (المعلومات التي وصلتني لم أعد أتذكرها جيدا وبينها أنه عمل جزارا.. الخ) ولكن ليس هذا المهم، بل المهم أنه أعيد للعراق بعد نجاح ثورة جويلية 1958 بقرار من زعيمها المغفور له عبد الكريم قاسم. ومع هذا لم يحفظ الودّ ولم يرع عهد الوفاء لمن أعاده بعد غربة عشرات السنين وسرعان ما رفع السلاح ضدّه.وستأتي وقائع لاحقة بعلاقاته الوثيقة بإسرائيل واستعانته بخبراء عسكريين منها، وهي حالة ورثها أبناؤه بعد أن قضى عليه السرطان. بعد حرب بوش الأب انتعش الوضع الكردي وأصبحوا تحت الحماية الأمريكية المباشرة خاصة بعد فرض خطّي العرض الشمالي (المتعلق بهم) والجنوبي.وشكّلوا ما يشبه الكيانين، أحدهما عاصمته السليمانية وزعيمه جلال الطالباني والثاني عاصمته أربيل وزعيمه مسعود البرزاني، وشكلا مجالس وزراء وبرلمانات ومحافظين وتوهّما أن الأمور قد استتبّت لهما رغم صراعهما الدامي من أجل عائدات التهريب والمرور إذ ليست لديهما أية موارد، حتى الزراعة صعبة اذ هناك مئات الألوف من الألغام التي لم يبطل مفعولها بفعل تحول مناطق تواجدهم الى ساحات حرب. ولذا كانت عينا هذين الزعيمين الطالباني والبارزاني على كركوك، وعلى ما فيها من نقط إذا أردنا السبب المباشر، ولذا ما ان احتلّ العراق حتى هرعت قواتهما اليها، وتنافسا على تكريدها وهي المدينة المؤتلفة التي تضم كل القوميات والأديان وتشكل حالة خاصة حتى في الثقافة (ظهور جماعة كركوك الثقافية في ستينات القرن الماضي وبينهم أسماء معروفة جلهم غادروا العراق ولم يعد أحد منهم اليه مع الاحتلال، أذكر هنا سركون بولص، فاضل العزاوي، مؤيد الراوي، أنور الغساني وغيرهم). ورغم أن قوات الاحتلال عملت على ابقاء أحداث كركوك الساخنة واليومية في الظلّ إلا انها ولكثرتها عجزت عن ابقائها في هذا الظل، وقد رأينا مسعود البرزاني أحد زعيمي الأكراد يؤكد أخيرا في لقاء تلفزي أن كركوك ضمن كردستان، هكذا، ولا ندري على ماذا يستند؟وهل كان هناك في التاريخ أي كيان كردي ذي حدود معلومة، عدا الكيان القصير العمر في مهاباد الايرانية؟ كما أن هناك معلومات تاريخية تثبت أن أكراد العراق هم قادمون إليه،وقطنوا الجبال الشمالية منه لأنها تناسب طبيعتهم، ومع هذا فهم عراقيون مائة بالمائة ماداموا يقيمون منذ عشرات السنين. لقد ظهر ممثلان لكل من عرب وتركمان كركوك في برنامج من احدى الفضائيات وعبرا عن امتعاضهما من الهيمنة الكردية على كركوك والسيطرة على المواقع الوظيفية الرئيسية فيها، وذكرا أن التعيينات تأتي من (عاصمتيهما) (السليمانية) و(أربيل) لا من بغداد باعتبار أنهما جزء من حكومة الاحتلال التي تشكلت أخيرا. كل هذا يثير فتنة أخرى في بلد يحترق ومحتل ورضا بريمر وقبله غارنر الذي أرقصوا له شبابهم وشاباتهم بدلا من احتقاره لن يجعل كركوك ضمن كيان وهمي اسمه كردستان العراق، لأننا لا نعرف إلا إسما واحدا هو العراق بكل من فيه. وبعد رحيل نوري السعيد الذي كان (كوندكتور) السياسة العراقية طيلة الفترة الملكية علمنا أنه كان كرديا وكذا أقوى وزير داخلية هو (سعيد قزاز) ولم يهتم الناس لكرديتهما، بل لجرائمهما بحق الشعب. إن العراقيين قلوبهم كبيرة، وأكبر مما يمكن تصوره، ولكن عندما تتعلق الأمور بالأرض والعرض يصبح للأمور منطقها الآخر (انظروا ما يحصل بعد الاحتلال). إن تواصل عمليات قتل المسؤولين الأكراد في كركوك والمعينين من قبل الطالباني والبارزاني هي الدليل على أن العراق ليس إرثا لأحد بل هو لأهله، وأن أبناء العراق لا أبناء كركوك فقط لا يقبلون بسيطرة العصابات الجبلية على مدينتهم العزيزة. أما من يراهن على الاحتلال فهو أحمق وغبي وقصير النظر. فالاحتلال الى زوال، وكل من تعاملوا معه كانوا مثل ورق (الكلينكس) الذي يستعمل مرة واحدة.