كنتُ تلميذًا في الابتدائيّة سنة 1967 حين خرجوا علينا من الخرطوم بتلك «اللاءات» الشهيرة: لا صُلح! لا اعتراف! لا مفاوضات! وها أنا بعد أكثر من أربعين سنة أرى تلك «اللاءات المدوّية» تتحوّل إلى «نعم» زاحفة من جميع الطرق وبكلّ اللهجات: نعم للصلح! نعم للاعتراف! نعم للتفاوض! لهذا السبب حيّرتني عبارة «لا» التي أطلقها السيّد ياسر عبد ربّه نافيًا أنّه قال «نعم» ليهوديّة الدولة الإسرائيليّة، حسب صحيفة هآرتس! لكأنّ عبارة «لا» في عربيّتنا الراهنة «نعم» قبل التحميض! أو هي «نعم» بالتقسيط لتسويغ التفريط! أو هي «لَعَمْ»، أي «نعم» مسبوقة بعكّاز متنكّر في شكل «لا»! لقد ظللنا نسقط من سلالم «اللاءات العربيّة»، حتى بات شكُّنا في أنّ الطرُقَ كلّها تؤدّي إلى روما، أسهل من شكّنا في أنّ «اللاءات» العربيّة كلّها تؤدّي إلى «نعم»! فمن أدراني بأنّ أمين سرّ اللجنة التنفيذيّة الموقّرة، لا يكشف عن «سرّ» لم يعد يجهله أحد، ويتظاهر بجهله الجميع؟! ومن أدراني بأنّي لستُ أمام نسخة جديدة من ممدوح شاعرنا القديم الفرزدق، ذاك الذي قال فيه: «ما قالَ لا قَطُّ إِلّا في تَشَهُّدِه، لَولا التَشَهُّدُ كانَت لاءهُ نَعَمُ... »؟!