ماذا يعني أن تعلو أصوات باسم «الأغلبية الصامتة» وهل يبقى لمعنى الصمت معنى؟ سؤال طفحت به يوميات الثورة التونسية، وغيرها من ثورات العالم العربي التي تحركت في ما يشبه الأرض الخلاسية من المحيط الى الخليج. وللإجابة عن هذا السؤال المحوري، قفزت بنا الذاكرة الى شيخ المستشرفين العرب«أدونيس» لنقتبس منه عبارته الشهيرة«طرب العصر» لم لا ونحن في جو الثورة وراياتها السود نمزج العويل بالأهازيج وزغاريد الثكالى والأرامل انتصارا للشهادة والشهداء. في البدء كان الصمت... من الكهوف والمغاور والصحارى كان الصمت عنوانا للإنسان المتحفز لقراءة رسم الرمال وتجاويف الصخور ونتوءاتها. ولامتداد الآفاق واتساعها، من هناك من أقاصي الذاكرة تجسد الصمت في صوره الأكثر إرشراقا وإبداعا. الصمت عنوان العفوية والبساطة، صرخة في وجه الظلام والهاجرة، وفي دوي الرعود، وفي ومض البروق، وعتو الرياح، صرخة في وحشة القفار وذكرى السعالى والغيلان. هذه قراءة أولى في الطبقات العميقة للصمت وتباريحه كما تنّم عنها كتب الأساطير الأولى والأديان والأنتروبولوجيا. أما اليوم كيف نتعامل مع«الصمت» ومع«الأغلبية الصامتة»؟ وكيف نقرأ في سرهما أحوالنا؟ ومن أولئك الذين رفعوا شعار الدفاع عنهما، وهما اللذان، طالما، لاذا بأعماقنا وخفايانا؟ «الأغلبية الصامتة» لغة جديدة، نبر جديد لأبجدية جديدة في السياسة والانتظام، وفي تفعيل التحركات المطلبية ورفع المظلومية، وفي طرح الأفكار والبدائل الممكنة للولوج الى منظومة الحريات وحقوق الانسان. «الأغلبية الصامتة» منتهى الطرق والتعبيرات التي يرسمها الأفراد والجماعات في همسهم وبراءتهم وفي ترحالهم الشعاراتي، إنها إيقاعات تؤلف في مجموعات «طرب العصر». إيقاع أول :«الأغلبية الصامتة» تبقى صامتة قدرها أنها كذلك لارتباطها بأصول اللغة وعرف الجماعة. إيقاع ثان: «الأغلبية الصامتة» تخرج عن صمتها، طالما، أعلنت عن نفسها في تجمعات ومظاهرات ، لا فرق إن كانت سلمية نخبوية أو شعبية منفلتة. إيقاع ثالث: «الأغلبية الصامتة» قوى تغتذى بالحركات الفاعلة جميعها، لأنها رجع لصداها واختمار لذهنيتها التي تتوق للانعتاق والحرية. إيقاع رابع:« الأغلبية الصامتة» تبقى صامتة في انتظار صناديق الاقتراع لتقول كلمتها ، بعد أن تمسح عنها عفن السنين وأدرانه. ومن جملة هذه الإيقاعات يطرب العصر احتفاء بأصوات الفرد والجماعة،ونعلن الرفض لكل من يمس بأغلبيتنا الصامتة وبفعاليتنا الصاخبة، ونعلن عرس الحرية والسيادة والعدالة الاجتماعية والكرامة الانسانية، وعندما يكتمل المشهد السياسي ستتضح الرؤية، ونسقط كل الذين مسوا بمقدراتنا العقيدية والفكرية، والسياسية، ونرفع علم التحدي، لأن الحق واحد والمطلب واحد، وهذا الشعب الكريم واحد في اختلافه نعمة، وفي تعدده رحمة. ختاما، نقول: لا خوف على «الأغلبية الصامتة» لأنها الفضاء الحاضن لآلامنا وأحلامنا، ولأنها الفضاء الضامن لديمقراطيتنا المنشودة بعيدا عن كل المسكنات والحلول الجزئية التي تحجب عنا الحقيقة أكثر مما تقربنا منها. من أجل ذلك خرجت عن صمتي طربا، لذا وجب التوضيح. حقا إنه طرب العصر.... طرب العصر : عبارة استعملها أدونيس في مطلع فاصلة استباق ص 255 من كتابه،«الكتابI» الصادر عن دار الساقي بيروت 1995. متحصل على ديبلوم دراسات عليا في اللغة والأدب العربية.