بنزرت: حجز اكثر من 12 طنّا من الفرينة بمخبزة في رفراف من معتمديّة رأس الجبل من أجل الاخلال بتراتيب الدعم    وزارة التربية: توجيه 2683 تلميذا وتلميذة إلى المدارس الإعدادية النموذجية ( نتائج السيزيام)    الإمام في بلاد المهجر: ناصر بن عمارة... صوت تونسي معتدل في قلب فرنسا    دراسة تكشف وجود علاقة بين تناول الجبن ورؤية الكوابيس!!    عاجل/ تعيين مدير عام جديد للبنك الوطني للجينات    البنك الأوروبي لإعادة الإعمار يجدد الالتزام بمواصلة دعم تونس في جهودها الإصلاحية    عاجل/ السيسي: لا سلام في المنطقة دون دولة فلسطينية    وزير المالية الإسرائيلي: سوريا التي حلمت بإزالة إسرائيل أرسلت لنا مبعوثين للحديث عن التطبيع والسلام    غوارديولا يخشى "تدمير" مانشستر سيتي بسبب كأس العالم للأندية    بطولة فرنسا: الأمريكية كانغ تتولى رئاسة أولمبيك ليون بعد سقوطه إلى الدرجة الثانية    لجنة إسناد الإمتيازات بوكالة النهوض بالاستثمارات الفلاحية تصادق على عمليات استثمار بقيمة 3ر3 مليون دينار    التوقيت الصيفي.. مكاتب وقباضات الصوناد مفتوحة بداية من السابعة صباحا    المنستير: فوز أسماء الصيد بالجائزة الأولى للمسة العصامية في اختتام الدورة 21 للملتقى الوطني للمبدعات العصاميات في التعبير التشكيلي    المجمع المهني المشترك للغلال يمدد شهرا في آجال الترشح لمسابقة "كاكتيس " للتجديد المتعلقة بتثمين التين الشوكي    رئيسة الحكومة تتحادث مع رئيس الوزراء الفلسطيني    أوروبا تواجه موجة حر مبكّرة خلال هذا الأسبوع.. #خبر_عاجل    نفاد تذاكر عرض الفنان الشامي في مهرجان الحمامات الدولي    مكملات غذائية مضادة للشيخوخة قد تكون سبب وفاة نجمة بوليوود شيفالي جاريوالا    بطولة ويمبلدون للتنس: سبالينكا تهزم برانستاين في مستهل مشوارها بالمسابقة    صفاقس: خلال حملة رقابية مشتركة بشاطئ الشفار..رفع 10 مخالفات اقتصادية    اعتداء عنيف على مستشفى القصرين: 4 إيقافات وخسائر فادحة ب500 مليون في قسم الاستعجالي    معز تريعة: عملية البحث عن الطفلة المفقودة في شاطئ قليبية مستمرة    غار الدماء: إمرأة تُخفي أكثر من 3 آلاف ''حربوشة'' مخدّرة داخل ملابسها    عاجل/ البكالوريا: تسجيل 5 حالات غش بهذا المعهد في أول يوم من دورة المراقبة    تسجيل اضطراب وانقطاع في توزيع الماء الصالح للشراب بالمناطق العليا من منطقة وادي الخياط (ولاية اريانة)    تأجيل محاكمة العياشي زمال ومساعدته في الحملة الانتخابية إلى 27 أكتوبر    بايرن ميونيخ يتصدر قائمة أقوى هجوم بين أندية المونديال    إختتام فعاليات المهرجان الوطني الثقافي والرياضي لشباب التكوين المهني    بطولة افريقيا للمبارزة بنيجيريا: تونس تختتم مشاركتها برصيد فضيتين وبرونزيتين    بشرى سارة للتونسيين بخصوص الزيت المدعم..    عاجل/ انفجار ناقلة نفط قبالة هذه السواحل..    يوسف سنانة يودع النادي الإفريقي برسالة مؤثرة    في فضاء ريدار بمنزل تميم.. تقديم المجموعة القصصية " بأجنحة الحرف أحلق"    سامسونج تفتتح متجرها الجديد في حدائق قرطاج لتعزيز تجربة التكنولوجيا اليومية    النجم الساحلي: تأجيل تربص حمام بورقيبة .. وهذا موعد إمضاء العقد مع "إتصالات تونس"    تحذير من الأطعمة المغلّفة بالبلاستيك !    مفزع: 1380 نُقطة بيع عشوائي للدجاج بهذه الولاية..!    ترامب: لم أقدم أي عرض لإيران ولم نتواصل منذ دمرنا منشآتها النووية    كأس العالم للأندية : بايرن ميونيخ الألماني يتأهل لربع النهائي بفوزه على فلامنغو البرازيلي    26 سنة سجنا لأفارقة تخصصوا في الاتجار بالبشر وتبييض الأموال..#خبر_عاجل    الحماية المدنية: 543 تدخلا منها 133 لإطفاء حرائق خلال ال24 ساعة الماضية    منظمة إرشاد المستهلك تدعو لقانون يضمن للتونسي حقّه في السياحة داخل بلاده بأسعار عادلة    التونسي يستهلك 170 كلغ من القمح ومشتقاته سنويّا...غيره في دولة أخرى ما يفوتش 70 كلغ!    باكالوريا 2025: اليوم انطلاق دورة المراقبة    عاجل/ حادثة غرق الطفلة مريم بشاطئ قليبية: تفاصيل جديدة تقلب الموازين..    ستشهد مشاركة منتخبنا..البرنامج الكامل لمباريات كأس أمم إفريقيا للسيدات 2025    شهداء وجرحى في قصف إسرائيلي استهدف مدارس ونقطة طبية ومراكز إيواء بغزة    اليوم: طقس صاف والحرارة تتراوح بين 29 و40 درجة    فرنسا: منع التدخين في الحدائق ومحطات الحافلات والشواطئ يدخل حيز التنفيذ    اية دغنوج تفتتح مهرجان دقة الدولي بسهرة "فى حضرة الطرب التونسي" .    الكشف عن العروض المبرمجة في الدورة 59 لمهرجان الحمامات ومفاجآت في انتظار الجماهير..    فرنسا تفرض حظرا على التدخين في الشواطئ والحدائق العامة    أخصائية أغذية للتونسين : الحوت المربّى في تونس ما يخوّفش.. والسردينة من أنفع الأسماك    استبدال كسوة الكعبة مع بداية العام الهجري    خطبة الجمعة... الهجرة النبوية... دروس وعبر    ملف الأسبوع... كَرِهَ عِبَادَةَ الْأَوْثَانِ، وَطَلَبَ الدِّينَ فِي الْآفَاقِ.. وَرَقَةُ بْنُ نَوْفَلٍ... أوّل المؤمنين بعد خديجة    ما هي الأشهر الهجريَّة؟...وهذا ترتيبها    مطرزا بالذهب والفضة والحرير.. السعودية تكسي الكعبة ثوبها السنوي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لم تلبسون الحق بالباطل؟... من ينكر من؟؟ 1/2
نشر في الحوار نت يوم 15 - 03 - 2010


لمَ تلبسون الحق بالباطل؟... من ينكر من؟؟1/2
... لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن ليبلوكم في ما آتاكم فاستبقوا الخيرات إلى الله مرجعكم جميعا فينبؤكم بما كنتم فيه تختلفون آية من القرآن الحكيم أنزلت منذ ما يزيد عن أربعة عشر قرنا... سن الله فيها حق الاختلاف في المناهج باختلاف الشرائع والثقافات والحضارات, فالناس سعيهم شتى إنّ سعيكم لشتى خلقهم الله شعوبا وقبائل ليتعارفوا ويتعايشوا... في مقابل هذا التشريع العادل الذي سنّ منذ قرون, المعترف بحق الآخر في العيش وسط المجتمع المسلم رغم عدم اعتناقه لهذا الدين، يقابل كل ذلك, هذا التهديد المبطن للمتحدث باسم حلف الناتو في التسعينات من القرن الماضي, بالأمس القريب.. جياني ديميكس, تهديدا لمن لا يقبل المنهج الغربي بكل ميادينه, قال: أن يصبح النموذج الغربي أكثر جاذبية وقبولا من جانب الآخرين في مختلف أنحاء العالم, وإذا فشلنا في تعميم ذلك النموذج الغربي فإنّ العالم يصبح مكانا في منتهى الخطورة فالرجل يريد أن يقول: إمّا نحن وشريعتنا وحضارتنا وإمّا الحرب والإبادة... الرجل يتكلم باسم حلف عسكري, وهو يعني ما يقول: إمّا على دربنا ونهجنا وإمّا أن نوجه إليكم آلتنا الحربية....
فأيّ من هذين التشريعين أعدل وأرحم ببني البشر, أكثر من غيره...؟؟ أي من هذين التشريعين ينكر الآخر, بل ويهدده إن لم ينزع جلده ويلبس ما يفصلونه على مقاساتهم ومقاسات مصالحهم من قوانين وتشريعات... تهمة إنكار الآخر والسعي لاستئصاله والتنكيل به والتضييق عليه وعلى حرية معتقده داخل المجتمع الإسلامي, تعد من التهم الجاهزة التي يسعى الغرب لاتهام الإسلام بها, في كل المناسبات, بسبب وبدون سبب... وفي كل زمان ومكان: في عصرنا اليوم أو عبر التاريخ الإسلامي.
نسأل السؤال التالي: من ينكر من, من لا يعترف بمن؟؟؟ هذا ما سأحاول تبيانه في هذه المقالة لإجلاء الحقيقة ولو بنسبة ضئيلة, قدر استطاعتي, لإبراز أنّ الإسلام, سواء على المستوى النظري أو على مستوى التطبيق والممارسة, لم ينكر الآخر ولم يعزله بل أعطاه حقه الذي فرضه الله سبحانه... وما عاشته الطوائف والعرقيات والديانات المختلفة من رخاء وأمن واستقرار وحيازة حقوقهم في ظل الدولة الإسلامية, لم يكن منة ولا خوفا أو خضوعا لهم... بل تشريعا أنزله رب العزة لما رأى فيه من خير للبشرية جمعاء في حال التعايش السلمي والاحترام المتبادل... إنه الإسلام الذي بعثه الله رحمة للعالمين...

الإسلام هو أول من نادى بالإخوة العقائدية والإنسانية (أخ لك في الدين وأخ لك في الخلق) فالمؤمنون إخوة.. والإنسان هو أخو الإنسان بقطع النظر عن عرقه ودينه وطائفته... شئنا أم أبينا. هو أول من آخى بين أشرس القبائل في المدينة وأكثرها خصومات وحروب متبادلة, إنهما قبيلتي الأوس والخزرج, لكن يوم دخولهما الإسلام تقاسما البيوت والأموال..

لا يرفض الإسلام فكر الآخر ومعارفه بل يدعو إلى دراستها والاستفادة منها لأنّه يرى انّها إرث إنساني مشترك بين الأمم ولا يجوز احتكاره... كل ذلك جعل المسلم الباحث لا يتحرج من الاقتباس من حضارات وعلوم وفلسفات الأمم الأخرى السابقة للاسلام أو التي عاصرته. وعى المسلمون الأوائل أهمية الإبداعات البشرية وسعوا إلى النهل من الآخر خاصة في مجال الآليات والمؤسسات والتراتيب لتكون بمثابة أوعية لمقاصد الشرع ومرجعيته, أخذوا عن الروم مثلا تدوين الدواوين ثم أخذوا وضائع كسرى كآلية تنظيمية لتحقيق العدل الإسلامي في الاقتصاد والضرائب والخراج... وكان مقياسهم في كل ما يأخذونه من الآخر يتمثل في قدرته على تحقيق المقاصد الإسلامية...

لقد كان للإسلام مع الآخر قصص يرويها التاريخ بإعجاب وتقدير, إعجاب بهذا الدين الذي أرسى أسس العدالة في التعامل مع غير المسلمين, خاصة زمن الحروب, حيث يقع الاحتكاك فعليا بالآخر وتشريعاته وعاداته.... لم يكن بين الإسلام والديانات الأخرى أو الأعراف والطوائف ولاء محتوم ولا طاعة مفروضة بل كان بينه وبينهم احترام متبادل ووفاء عظيم ولا تجادلوا أهل الكتاب إلّا بالتي هي أحسن لم يحدث في التاريخ الإسلامي أن قتل نصرانيّ أو مجوسيّ أو يهوديّ لأنّه رفض الدخول في الإسلام أو عذب أو سجن أو منع من التعبد وإقامة شعائره... لم ينقل عن المسلمين أنّهم قاموا بهدم معبد أو كنيسة. في هذا السياق, أوضح الدكتور محمد حمدي زقزوق في كتاب حقائق الإسلام عند تناوله للشبهة 139: هل الإسلام كفل حرية المعتقد؟ التي وردت في الصفحات 630 إلى 632 من الكتاب, أوضح أنّ الحرية الدينية أقرّها سيد الخلق صلّى الله عليه وسلّم في أول دستور للمدينة.. وهذا ما ورد بالفعل في الصحيفة, فبعد هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، وتوسع المجتمع الإسلامي وإقامته علاقات مختلفة مع عدة قبائل وكيانات مختلفة رأى الرسول صلى الله عليه وسلم أنّه أصبح من الملح إرساء قواعد المجتمع الإسلامي، لتنظيم العلاقة بين المسلمين وغيرهم من أهل المدينة، من أجل توفير الأمن والسلام للناس جميعا، فتأسست صحيفة المدينة التي هي عبارة عن وثيقة أو عقد يشمل جملة من البنود لتنظيم العلاقة بين المسلمين من جهة، وتنظيمها كذلك مع من جاورهم من القبائل من جهة أخرى، وبنودا عامة تشمل الجميع, وبما أنّ قبائل اليهود كانت أكثر القبائل حضورًا في المدينة فقد جاءت أغلب بنود تلك الوثيقة متعلقة بتنظيم العلاقة معهم. لقد وصفت الصحيفة هذا التجمّع بأنّه أمة واحدة وهي لم تقتصر على من سكن المدينة بل شملت كل من قبل ببنودها والتزم بها بغض النظر عن سكنه أو مذهبه أو عقيدته أو لونه أو عرقه أو قبيلته... فمن ارتضاها فقد دخل في هذه الأمّة ومن لم يرض ببنودها فقد خرج منها. لكم نص الصحيفة:
هذا كتاب من محمّد (صلى الله عليه وآله) بين المؤمنين والمسلمين من قريش ويثرب ومن تبعهم، فلحق بهم، وجاهد معهم، إنّهم اُمّة واحدة من دون الناس
(أي أسيرهم) المهاجرون من قريش على ربعتهم (أي على حالهم)، يتعاقلون بينهم، وهم يفدون عانيهم بالمعروف والقسط بين المؤمنين... وبنو عوف على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى، كلّ طائفة تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين... وبنو ساعدة على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى، وكلّ طائفة منهم تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين....
وبنو جُشَم على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى، وكلّ طائفة منهم تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين.... وبنو النجّار على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى، وكلّ طائفة منهم تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين.... وبنو عمرو بن عوف على رِبعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى، وكلّ طائفة تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين... وبنو الأوس على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى، وكلّ طائفة منهم تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين...
وإنّ المؤمنين لا يتركون مُفْرَحًا بينهم أن يعطوه بالمعروف في فداء أو عَقْل وأن لا يحالف مؤمنٌ مولى مؤمن دونه، وأنّ المؤمنين المتّقين على من بغى منهم، أو ابتغى دسيعة (تعني الظلم)، أو إثما أو عدوانا، أو فسادا بين المؤمنين، وإنّ أيديهم عليه جميعًا، ولو كان وَلَد أحدهم، ولا يقتل مؤمن مؤمنًا في كافر، ولا ينصر كافرًا على مؤمن، وإنّ ذمّة الله واحدة، يجير عليهم أدناهم، وإنّ المؤمنين بعضهم موالي بعض دون الناس.
وإنّ من تَبِعنا من يهود، فإنّ له النصر والأسوة، غير مظلومين ولا متناصرين عليهم وإنّ سِلْم المؤمنين واحدة، لا يسالم مؤمن دون مؤمن في قتال في سبيل الله، إلاّ على سواء وعدل بينهم، وأنّ كلّ غازية غزت معنا يُعقب بعضها بعضًا، وأنّ المؤمنين يبيء (11) بعضهم على بعض بما نال دماءهم في سبيل الله، وأنّ المؤمنين المتّقين على أحسن هدى وأقومه، وأنّه لا يجير مشرك مالاً لقريش ولا نفسًا، ولا يحول دونه على مؤمن، وأنّه من اعتبط (12) مؤمنًا قتلا عن بيّنة فإنّه قود به إلاّ أن يرضى وليّ المقتول، وأنّ المؤمنين عليه كافّة، ولا يحلّ لهم إلاّ قيام عليه، وأنّه لا يحلّ لمؤمن أقرّ بما في هذه الصحيفة، وآمن بالله واليوم الآخر، أن ينصر مُحدثًا ولا يؤويه، وأنّه من نصره أو آواه، فإنّ عليه لعنة الله وغضبه يوم القيامة، ولا يؤخذ منه صرف ولا عدل، وانّكم مهما اختلفتم فيه من شيء، فإنّ مردّه إلى الله عزّوجلّ، وإلى محمّد (صلى الله عليه وسلم )
وأنّ اليهود ينفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين، وأنّ يهود بني عوف أُمّة مع المؤمنين، لليهود دينهم، وللمسلمين دينهم، مواليهم وأنفسهم، إلاّ من ظلم وأثم، فإنّه لا يُوتِغ (13) إلاّ نفسه، وأهل بيته، وأنّ ليهود بني النجّار مثل ما ليهود بني عوف، وأنّ ليهود بني الحارث مثل ما ليهود بني عوف، وأنّ ليهود بني ساعدة مثل ما ليهود بني عوف، وأنّ ليهود بني جُشم مثل ما ليهود بني عوف، وأنّ ليهود بني الأوس مثل ما ليهود بني عوف، وأنّ ليهود بني ثعلبة مثل ما ليهود بني عوف، إلاّ من ظلم وأثم، فإنّه لايُوتغ إلاّ نفسه وأهل بيته، وأنّ جفنة بطن من ثعلبة كأنفسهم، وأنّ لبني الشطيبة مثل ما ليهود بني عوف، وأنّ البرّ دون الإثم، وأنّ موالي ثعلبة كأنفسهم، وأنّ بطانة يهود كأنفسهم، وأنّه لا يخرج منهم أحد إلاّ بإذن محمّد (صلى الله عليه وآله)، وأنّه لا ينحجز على ثأر جُرح، وأنّه من فتك فبنفسه فتك وأهل بيته، إلاّ من ظلم، وأنّ الله على أبرّ هذا، وأنّ على اليهود نفقتهم، وعلى المسلمين نفقتهم، وأنّ بينهم النصر على من حارب أهل هذه الصحيفة، وأنّ بينهم النصح والنصيحة، والبرّ دون الإثم، وأنّه لم يأثم امرؤ بحليفه، وأنّ النصر للمظلوم، وأنّ اليهود ينفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين، وأنّ يثرب حرام جوفها لأهل هذه الصحيفة، وأنّ الجار كالنفس غير مُضارّ ولا آثم، وأنّه لا تُجار حُرمة إلاّ بإذن أهلها، وأنّه ما كان بين أهل هذه الصحيفة من حَدث أو اشتجار يُخاف فسادُه، فإنَّ مردّه إلى الله عزّوجلّ، وإلى محمّد رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وأنّ الله على أتقى ما في هذه الصحيفة وأبرّه، وأنّه لا تُجار قريش ولا من نصرها، وأنّ بينهم النصر على من دَهم يثرب، وإذا دُعوا إلى صلح يصالحونه ويلبسونه، فإنّهم يصالحونه ويلبسونه، وأنّهم إذا دُعوا إلى مثل ذلك، فإنّه لهم على المؤمنين، إلاّ من حارب في الدِّين على كلّ اُناس حصّتهم من جانبهم الذي قِبَلهم، وأنّ يهود الأوس، مواليهم وأنفسهم على مثل ما لأهل هذه الصحيفة مع البرّ المحض من أهل هذه الصحيفة

وبنود هذه الصحيفة مبنية على نصوص ثابتة، وقواعد شرعية، ومصالح معتبرة، منها قوله تعالى: {لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إنّ الله يحب المقسطين} (الممتحنة:8). وقوله صلى الله عليه وسلم: (المؤمنون تتكافأ دماؤهم، ويسعى بذمتهم أدناهم، وهم يد على من سواهم، لا يقتل مؤمن بكافر، ولا ذو عهد في عهده) رواه الإمام أحمد وأبو داود وصححه الألباني. يا أيّها الناس إنّا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إنّ أكرمكم عند الله أتقاكم بهذا النداء أو الصيحة الثائرة واجه الإسلام الطوائف والأعراق والأنساب والتفاضل القبلي ثم مضى الإسلام زاحفا نحو تطبيق ذلك تطبيقا عمليا...

هل هناك ما هو أشمل وأوضح من هذه العدالة التي اتسمت بها معاملة النبي صلى الله عليه وسلم لليهود؟!.. وترسيخ المبادئ الإسلامية، كما أنها اشتملت جميع ما تحتاجه الدولة، من مقوماتها الدستورية والإدارية، وعلاقة الأفراد بالدولة، وعلاقة بعضهم ببعض. أليست هذه هي أسس المواطنة والمجتمع المدني التي يتشدق بها الغرب اليوم ويتهم الإسلام بإنكارها, ويدعي أنّه لا وجود لحرية الآخر في ظل دولة الإسلام... وهو الذي أسس مجتمع المؤسسات قبل الغرب بقرون..

أوضح الدكتور في نفس الفصل من الكتاب المذكور أعلاه, أنّ الإسلام كفل أيضا حرية التعبير والنقاش على أساس موضوعي للمسلم وغير المسلم... وفي ذلك يقول القرآن :ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن النحل 125 وقد وجه القرآن هذه الدعوة إلى الحوار إلى أهل الكتاب قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا أربابا من دون الله, فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنّا مسلمون هذا يعني أنّه إذا لم يصل الحوار إلى نتيجة فالحل هو الآية لكم دينكم وليَ دين فالاقتناع هنا هو أساس الإيمان... قد يقول قائل إنّ بعض العصور الإسلامية فرضت على غير المسلمين في بعض البلاد قيودا تحد من حرية المعتقد, فالسبب لم يكن سياسة منهجية بل أغلبها أحداث معزولة وتصرفات شخصية والبعض مرتبط بالفعل ببعض مقتضيات السياسة الرعناء لبعض الحكام... لقد كان مصدرها الأهواء والغرور والجهل أو الدس الأجنبي, الذي كان بدوره يقوم بتضخيمها وتسليط الأضواء عليها لتشويه الإسلام... وهو نفس الأسلوب الذي ينتهجه في التعامل مع الإسلام وأهله في عصرنا, والذي نعاني ويلاته ونتائجه... ثم إنّ النظام الإسلامي كغيره من النظم له حق المحافظة على أسسه واستقراره وهويته... ففي أرقى المجتمعات الحديثة اليوم وأشدها تغنيا بالحريات تصادر حرية من يعمل لتحطيم حريات الآخرين أو تصادر الآراء عندما تهدد المصالح العامة. ألَمْ تقمع الحركات الشيوعية في أروبا لأنهم كانوا يرونها تهديدا للسلم واستقرار أوطانهم... فلماذا يؤخذ على المجتمعات الإسلامية عبر التاريخ أنّها قمعت بعض الآراء المدمرة, من أجل أو في سبيل السلامة العامة... فهذا القمع لا يعد خرقا لمبدأ حرية الرأي... ذهب في نفس السياق, الدكتور حمدي زقزوق في نفس الموضع من الكتاب المذكور سابقا, أنّه لكل فرد حرية اختيار ما يشاء من الأفكار والمذاهب حتى وإن كان الإلحاد ولا أحد يمنعه في الإسلام من ذلك, إذا ما التزم حدوده ولا يؤذي بأفكاره مصلحة المجتمع. لأنّ في ذلك اعتداء على النظام العام للدولة وقد يصل إلى تهمة الخيانة العظمى التي تعاقب عليها معظم الدول بالقتل... فقتل المرتد حسب الدكتور يكون إذا أثار الفتنة والبلبلة وهدد السلم الاجتماعي ودون ذلك ليس لأحد التعرض له...


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.