من الأشياء الجميلة وما يثلج الصدر حقا.. وفي زمن عمّ فيه التقزيم والاقصاء والتهميش و«الحرقان».. في زمن الاطراء والمديح المليء بالكذب والنفاق.. والضحكات المصطنعة..ان ترى لؤلؤة تشع وسط هذا التكتل المهزوم بالابداع والأكاليل الفواحة حملها الينا الزميل العزيز والمنشط القدير لطفي الفهري الذي عرفناه حريصا على اعطاء الحظوة اللازمة للفنان التونسي. خصوصا أولئك الذين صنعوا ربيع الاغنية التونسية خلال عقود خلت. ولطفي الفهري الذي لمنسا تميزه ولا فخر في مختلف برامجه الاذاعية والمنوعات التي يتولى تنشيطها باقتدار.. ها هو يفتح لنا خزائن الذكريات الجميلة.. وها هو يرسم للأجيال بفكره واجتهاده وحبه للابداع صورة تلفزية رائعة وزهرة فواحة رحيقها تكريم واعتراف «لكبارات» الفن في تونس الخير والنماء.. تونس الجمال.. كانت لمسات وفاء..وكانت سفينة تشق عباب الماضي بما فيه من حلاوة فنية.. ورونق موسيقي.. وعزف على وتر الخلود والبقاء. انها رحلة وأي رحلة تلك التي أهدانا تأشيرتها لطفي الفهري في سهرة مباركة من كل ليلة خميس... صفحات من العمر.. منوعة فنية اختارتها قناة 21 لتكون تفويحة الزمن التونسي الرائق والشائق الذي مازلنا نستنشق عبيره.. وكان لطفي الفهري قائد هذه الجولات ومقلب تلك الصفحات من عمر راح.. وآخر يخطو نحو الرحيل.. فما أحلى الأيام حين تعبق بشذاها.. وما أشهى اللقاء عندما يفتح فيه سجل الحب والوفاء لمن أسهموا في رسم صورة تونس على التحدي والتاريخ. فأبصرنا على ضوئها جمالية الابداع ومحراب حسنه البهي.. والحقيقة انه في استضافة الفنان المتميز «البحبوح» محسن الرايس له أكثر من معنى باعتبار ان سي محسن اجتمعت فيه خصال فنية وأخلاقية عدة قلما تجدها في غيره من الفنانين سواء من جيله او الذي جاء من بعده «يعكّز».. صفحات من العمر. كشف لنا الوجه الآخر لمحسن الرايس «ابن البوزار» وعرفنا كلاوديا كارينال النجمة السينمائية التي درست هي الأخرى الفنون الجميلة، وكانت وقفة مع سيد محمود الثامري الفنان المتكامل.. هي أجزاء صغيرة من ماض رائع وجميل لكنها معبرة وصادقة من فنان صادق ومن منشط أكثر صدقا. فلطفي الفهري كان يحفظ بدوره كما من الأغاني التونسية والشرقية. أسلوب شيق جدا وحتى يخرج بمنوعته التلفزية من النمط الكلاسيكي المعتاد..نعم عرفنا خفية أخرى لسي الفهري الذي أبهرنا بصوته ورشاقة أسئلته.. واهتمام هذا الزميل برواد الاغنية التونسية ليس وليد صدفة فقد عوّدنا بذلك في حصصه الاذاعية.. مازلت أذكر اتصاله الهاتفي ذات صباح بالسيدة نعمة حين علم بمرضها.. وهو ما جعل الفنانة الكبيرة ابنة ازمور تعبّر عن هذه اللفتة الكريمة بحبات من الدمع تساقطت تباعا.. لطفي الفهري منشط نعم لكنه من نوع آخر، من طينة أخرى، ومن معدن لا يعرف وزنه وقيمته سوى المتلقي... ورحلة العمر مع محسن الرايس الذي ظل محافظا على شبابه وروحه المرحة قادتنا الى حقيقة كانت مجهولة في حياة الضيف.. روعة أدائه لأغاني عبد الحليم حافظ. فإلى وقت غير بعيد كان الجمهور في تونس وحتى زملاءنا الاعلاميين منشطون أو صحفيون ان ثامر عبد الجواب هو الوحيد القادر على أداء أغاني حليم بشكل جيد، وهو الحيد الذي يحفظ ابداعات العندليب.. لكن ها هي منوعة لطفي الفهري تحيي لنا مآثر جمة لمطرب الشباب بصوت الشباب بصوت البحبوح محسن الرايس الأسمر.. الاهم من كل هذا ذلك الاعتراف الصريح بجميل كل من قدم خدمة للفنان التونسي في ديار الغربة المتمثل في شخص موريس ميمون..كما لا ينسى محسن أحد رواد الاغنية التونسية سيد البشير جوهر الذي سيبقى أحد رواد الاغنية التونسية، سيد البشير جوهر الذي سيبقى رمزا ومرجعا لتاريخ الاغنية في تونس والعالم العربي.. شخصيا تابعت حفلات محسن الرايس في الداخل والخارج وواكبته عن كثب.. وتأكد لدي أن ما باح به في صفحات لطفي الفهري هو عين الصدق.. فهو مثال للتواضع الكبير والخلق الحسن بخلاف قلة من الفنانين الذين يبحثون عن الفرص السانحة لاستعراض عضلاتهم.. و«تفشليمهم»... ان صفحات لطفي الفهري اضافة متميزة للمشهد التلفزي واثراء لقناة 21 لما تحمله من تجديد وإفادة للأجيال.