احتفلت بلادنا أمس مع المجموعة الدولية باليوم العالمي للقضاء على الفقر، وهي المناسبة التي تتنادى فيها الحكومات والمنظمات الأمميّة والإقليميّة من أجل تقييم المنجز في مكافحة ألدّ المظاهر وأسوئها على وجه الأرض لمساسها بكرامة البشر وحقّهم في العيش الكريم. إنّ مظاهر الخصاصة والحرمان والاحتياج والتي تضربُ اليوم الملايين من البشر في العالم تبقى في خُلاصتها بصمة العار والفضيحة التي تُلاحق الساسة والزعماء وصناع القرار الدولي والتي يؤكّد استمرارها خواء العديد من المقاربات والاختيارات أساسا لدى القوى العظمى والدول الغنية التي ما فتئت تُشعلُ نيران الحروب والتسلّح والصراعات الدامية عوضا عن توجيه المقدرات والإمكانات الاقتصادية والمالية المتوفّرة لإسعاد كلّ الناس في العالم وتحقيق القدر المطلوب من توزيع خيرات العالم بعدالة على كلّ الشعوب والمجتمعات بما يُساهمُ في خفض نسب الفقر والاحتياج وتعزيز واقع الكرامة البشرية ودعم حقوق الإنسان في مختلف المجالات ومنها بالخصوص الحق في الحياة والصحة والتعليم والسكن اللائق والبيئة السليمة وضمان فرص متكافئة للاندماج الاقتصادي والاجتماعي لكافة فئات المجتمع. إنّ العديد من الدول والحكومات التي تتباهي اليوم بالدفاع عن حقوق الإنسان والحريات وتقول أنّها تُدافع عن الديمقراطيّة وتفعل الكثير من الشوشرة والضوضاء حول هذه المجالات، على أهمّيتها، تتناسى دورها الإنساني في مُكافحة حقيقيّة وميدانيّة وليست شعارتيّة للفقر واحتياج ملايين البشر، لأنّ توجّهها للحروب والتسابق في التسلّح وعسكرة العالم ليست إلاّ بابا للخراب والهدم ويعد مدخلا لتفاقم مظاهر الفقر والاحتياج والخصاصة. ولقد صعد في بلادنا منذ التغيير السياسي سنة 1987 توجّه سياسي انساني في غاية النبل انتقل إلى مناطق الظل وطارد مظاهر الفقر في جميع الأنحاء والقرى والأرياف والأحياء وعمّق مفاهيم نادرة منها على وجه الخصوص التضامن والتكافل الاجتماعي والتعاون وتنمية الحس المدني والاجتماعي في مجالات التطوّع والتبرّع والدعم والمؤازرة لضعاف الحال والفئات الهشة وفاقدة السند. إنّه توجّه ارتأى أن يذهب بصدق إلى الواقع كما هو بخصائصه ومميزاته وتجلياته حتّى تلك السيئة والرديئة والمظلمة وعمل جاهدا على مدار أزيد من عشرين سنة على مُكافحتها ووضع الخطط والبرامج للحدّ من توسّعها وإقرار فلسفة شاملة ودقيقة تجاه الفئات الفقيرة والمحتاجة ، فلسفة تشكّلت في إطار مقاربة حقوقية وتنموية شاملة أولت العناية الضرورية بكلّ تلك الفئات بهدف تمكينها من مقومات التنمية والعيش الكريم. وتدلّل كلّ المؤشرات على النجاح الّذي حقّقته التجربة التونسيّة في مجال مقاومة الفقر والنهوض بالفئات والمناطق الضعيفة، وهي التجربة التي أوجدت لبلادنا تقديرا كبيرا من قبل عديد الدول الشقيقة والصديقة والهيئات الإقليمية والدولية المختصة من ذلك بالخصوص تجاوب المجتمع الدولي سنة 2002 مع مبادرة الرئيس زين العابدين بن علي 2002 المتعلقة ببعث صندوق عالمي للتضامن من اجل مكافحة ظاهرة الفقر في العالم وخدمة السلم والتنمية. لمّا سُئل الرئيس بن علي خلال السنوات الأولى لتوليه الحكم عن أبرز أعدائه، عبّر سيادته حينها عن عُمق المعاني الإنسانية النبيلة التي تسكنُهُ والتي أصبحت في ما بعد أحد الأسس والمرتكزات لتسيير الدولة وصرف اعتمادات الميزانية وتوزيع استثمارات التنمية، العدو الحقيقي والأبرز لدى الرئيس بن علي ليس أشخاصا ولا دولا ولا حكومات ولا تجمعات إقليمية أو دوليّة إنّه الفقر. وربّما كانت تلك الإجابة خير معبّر على ما تمّ فعلهُ في تونس خلال العقدين الماضيين من تعزيز للمعاني والقيم الإنسانية ومن نشر للتضامن والحق في الحياة الكريمة لكلّ الفئات والشرائح والجهات ومن مكافحة ميدانية لمظاهر الفقر المختلفة. لقد اختار الرئيس بن علي أن ينحاز إلى الفئات الضعيفة وأن يوجّه جهد الدولة لخدمة الناس ومحاربة المظاهر السيئة والمخلّة بكرامة البشر..وفعل الكثير في هذا المجال وما زالت البلاد تنتظر منه المزيد خلال الفترة القادمة.