احتفلت بلادنا الأسبوع المنقضي مع سائر دول وشعوب العالم بالذكرى الثانية والستين لصدور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ، هذا الإعلان الّذي ضمن للإنسان حقوقه الأساسية في الصحة والسكن والتعليم وحريّة التعبير والتمتّع بظروف العيش الكريم دون تمييز للون أو جنس أو معتقد أو دين. إنّها منظومة حقوق الإنسان الشاملة والمُتكاملة التي تُعطي لكلّ البشر فرصة الحياة المتساوية دون غطرسة أو هيمنة أو استعباد أو نظرة استنقاص أو تهميش ، إنّ المقصد الرئيسي لهذه المنظومة هو احترام إنسانية البشر وصيانة أعراضهم وممتلكاتهم ومعطياتهم الشخصيّة ومنحهم كلّ الإمكانيات للحياة في رفاه وسعادة ودون شعور بضيم أو ظلم أو حرمان أو فقر واحتياج. وربّما ونظرا لشموليّة تلك المنظومة الحقوقيّة وتغطيتها لكلّ مناحي حياة الأفراد والمجتمعات والشعوب اقتصاديّا واجتماعيا وسياسيّا فإنّها تتحوّل إلى منظومة أشبه ما تكون بالمثاليّة لصعوبة تحقّقها كاملة دون نُقصان على أرض الواقع وترابط مختلف مكوّناتها ممّا يجعلُ من هدف تحقيقها وتجسيدها جهدا متواصلا دونما انقطاع ، وهكذا كانت الرؤية التونسيّة في تعاطيها مع مشغل حقوق الإنسان منذ أكثر من 23 سنة عندما اختارت أن تقرن بين مختلف مكونات منظومة حقوق الإنسان وتتالت المبادرات والإجراءات في هذا الصدد لتبلغ منجزات متعدّدة ألغت إلى درجة هامّة جدّا الفوارق بين جهات البلاد حينما تعزّزت مظاهر التنمية وقرّبت بين مختلف فئات المجتمع من حيث ظروف العيش الكريم والتمدّن والرفاه ونمّت سلوكات التضامن وفيم الاعتدال والوسطيّة والتسامح بين أفراد المجتمع وعمّقت على أكثر من مستوى ثقافة الاختلاف والتعدّد والإيمان بالرأي والرأي الآخر. إنّ مسار التنمية في الجهات الداخلية والأحياء الشعبية والمناطق النائية والبرامج الموضوعة في هذا المجال للفترة المقبلة من صميم السعي والعزم الصادق لتجسيد جزأ مهمّ من منظومة حقوق الإنسان عبر تثبيت معطى أساسي وجوهري ألا وهو العمل على تحقيق العدالة في تقاسم الثروة الوطنية وإلغاء كلّ مظاهر التفاوت والتمايز في هذا الباب بين مختلف أنحاء البلاد. إنّ التنمية الشاملة بمعناها الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والبيئي والتي من المفروض أن تنعم بها كلّ المدن والقرى والأرياف وتشعّ بين كلّ الأوساط والفئات هي من أبرز الآليات لتحقيق المزيد من مظاهر احترام حقوق الإنسان، لأنّها المدخل للتمكين لظروف عيش ملائمة للانطلاق نحو مجالات الإبداع والخلق والابتكار والمساهمة في رقيّ البلاد الحضاري وإنهاء كلّ مظاهر التمييز والاحتياج والفقر. ومنذ توليه حكم البلاد أبرز الرئيس زين العابدين بن علي أنّ من ألدّ أعدائه هو الفقر لذلك عمل جاهدا منتصرا للفئات الضعيفة والفقيرة وذات الاحتياجات الخصوصيّة فتغيّرت أشياء كثيرة في هذا المجال بفضل الاستمراريّة في المبادرة والانجاز ومتابعة الأوضاع عن كثب والاستماع إلى مشاغل الناس وتطلعات المواطنين. وتلك من أبرز خصال العاملين في ميدان الترسيخ الحقيقي لحقوق الإنسان بعيدا عن الشعارات والمغالطات والتقارير المغشوشة: أن تنتصر للناس وأن تعمل جنبا إلى جنب معهم لمكافحة جميع مظاهر الفقر المادي (الاحتياج والحرمان والخصاصة) والفقر المعنوي أيضا (التعليم والثقافة والتربية وحرية التنظم السياسي والجمعياتي والحق في التعبير) وتعمل على تغيير ذلك الواقع، وبنظرة تقييمية موضوعية وشاملة فقد حقّقت تونس الكثير في هذا الصدد وتتطلّع إلى أن تحقّق المزيد خلال الفترة المقبلة بفضل العزيمة الكبيرة التي تحدو السيّد الرئيس وإرادته الصادقة في مزيد الارتقاء بحقوق الإنسان في البلاد في إطار من التلازم بين جميع الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والسياسيّة.