٭ دمشق «الشروق»: من مبعوثنا الخاص كمال الشارني على بعد حوالي 35 كلم جنوب شرق مدينة دمشق، نكتشف أن «باب الحارة» المسلسل السوري الذي شغل الناس منذ خمسة أعوام ليس أستوديو تصوير تتزاحم فيه فوانيس الإضاءة وأسلاك الكهرباء والصورة، بل مشروعا سياحيا ضخما، مدينة يؤمها يوميا عشرات الآلاف من الرواد وفيها مطاعم وملاهي تتسع للآلاف من الزوار. المكان يحمل اسم «القرية الشامية»، وهو مثل الكثير من المنتزهات السياحية التي تتناثر على طريق المطار شرق دمشق، يمتد على عدة هكتارات ويوفر كل ما يحلم به الزائر لقضاء يوم خارج المدينة. والسوريون مغرمون كثيرا بقضاء العطل خارج المدن، لذلك يرى الزائر عشرات العائلات التي تجلس تحت الأشجار غير بعيد عن الطريق، فيما يختار آخرون وخصوصا من السياح العرب مثل هذه المنتزهات التي حققت تطورا مذهلا على مستوى نوعية ما تقدمه حتى أن الزائر لا يجد مبررا للخروج منها. بين المسلسل والقرية لا وجود في «القرية الشامية» لأي أثر من أبطال المسلسل أو المخرجين والفنيين، فقط مجرد منتجع سياحي يعج بالزوار من كل الجنسيات العربية الذين عليهم أن يدفعوا مائتي ليرة (حوالي 6 دينارات تونسية) عند كل واحدة من البوابات الكثيرة ثمنا للزيارة. عمليا، لا توجد أية علاقة بين المسلسل وهذا الجزء من القرية الشامية سوى الديكور الطبيعي وذكرى تصوير المسلسل. أما في دمشق فقد خفت الحديث عن الجزء السادس من الدراما، بعد أن تضاربت الأخبار حوله، وراج بعد بث الجزء الخامس أن العمل سوف يتوقف، فيما رفض المخرج بسام الملا أن يعطي أي تصريح صحفي واكتفى ببلاغ لتكذيب ما تم نشره عن إعداد الجزء القادم أو عن خلافه مع بعض الممثلين. في المقابل، تجذب القرية الشامية عشرات الآلاف من الزوار يوميا، وفيها تقليد مصغر لأشهر معالم دمشق مثل ساحة المرجة وقصر العظم بالإضافة إلى حدائق الحيوان والملاهي والمسارح التي استضافت فنانين ذوي شهرة مثل كاظم الساهر ونجوى كرم. بيد أن أشهر مكوناتها على الإطلاق هي الحارة الشامية، حارة المساطيل أو الضبع وهي مجرد تسميات فنية لاستعادة الحياة الدمشقية بسحرها التاريخي ومعمارها المتميز. في سجن أبي جودت في واقع مدينة دمشق، يجب أن يكون «باب الحارة» في قلب المدينة العتيقة، أما في المنتزه، فهو قبالة «ساحة المرجة»، وهي تقليد مصغر لأحد أشهر ساحات دمشق الحديثة. ومنذ الباب يتضح أن مهندسين على درجة كبيرة من الحرفية قد صمموا هذا الحي الذي جعلته الدراما السورية أحد أشهر الأحياء العربية ثم حولته التجارة إلى «دجاجة تبيض ذهبا كل يوم» كما قال أحد الزملاء السوريين. جدران الحارة طبيعية والكثير من البيوت ذات سقوف خشبية، فيما اجتهد المصممون في «تلويث» الجدران بالكتابات والشعارات ومخلفات الحياة اليومية الطويلة لمنح المكان عراقة اصطناعية مثل دخان أفران الرغيف، أو «تحطيم» زوايا بعض الأزقة. تحتوي الحارة على العديد من المتاجر المفتوحة فعلا، وهي مختصة في بيع أشياء لها علاقة مباشرة بحياة الحارة وتقاليدها مثل «المناخلية»، أي باعة الغرابيل أو محلات الحلويات الشامية الشهيرة، بالإضافة إلى المهن التي تنتعش في هذه الأماكن مثل الذين يرسمون وجوه الزوار في نصف ساعة مقابل 500 ليرة سورية (حوالي 15 دينارا). كما تتضمن مطاعم ومساجد ومتاحف مصغرة لمختلف أوجه الحياة، وهي تعج بالزوار، حتى أن أحد المسؤولين عن الحارة همس لنا بأن عدد زوارها يتجاوز عشرة آلاف شخص في نهايات الأسابيع والعطل. وبالفعل، فقد كان علينا أن ننتظر طويلا دورنا وراء أربع أو خمس مجموعات من الزوار عند مدرج «مخفر الدرك» في الحي لكي نقف في مكان «أبو جودت» رئيس المخفر، ثم في السجن، الذي سبب البكاء للكثير من المشاهدين عند سجن الفنان عباس النوري الذي أدى دور «أبو عصام». عشرات من الزوار الذين يمكن أن نعرف من ملابسهم ولهجتهم أنهم خليجيون يلتقطون صورا لكل شيء في المخفر ويستذكرون أحداث المسلسل حيث بدا أن ما ينقص متعتهن هو غياب أبطال المسلسل عن هذا المكان الذي رفعته الدراما السورية إلى مرتبة الحي العربي الأول.