قال أحد المتهمين، من المتورطين في قضية مخدرات أثناء استنطاقه من قبل المحكمة إنها المرة الثالثة التي يحاكم فيها من أجل مسك واستهلاك مادة مخدرة مدرجة بالجدول «ب». تصريحات المتهم، كانت توحي بأنه مدمن، إذ أن تورّطه للمرة الثالثة في نفس الجريمة، لا يخفي عدد المرّات التي استهلك فيها مادة مخدّرة، مما يعني أنه لا ينظر الى المسألة فقط من جانبها الأمني والقضائي فقط بل ينظر إليها من زاوية اندماجه في عوالم قد تغنيه عن العالم الذي يعيشه يوميا لينقطع عنه ولو للحظات. من هنا، تصبح المسألة أعمق من مجرد محاكمة المتهم في قضية المخدرات، لتلامس واقعا اجتماعيا واقتصاديا ونفسيا.. يتصدّر فيه المدمن قائمة المرضى، فالادمان يعرّف على أنه حالة تسمّم تجعل المصاب بها غير قادر على التخلص من المادة السامة، وبهذا المعنى فالمدمن مريض وحسب كل المختصين والخبراء فإن المريض يستحق العلاج وليس العقاب، فالتشريعات والفلسفات القانونية تطوّرت بالتوازي مع ما يشهده الفكر الانساني من تحرّر أكثر، إذ كان المريض والمصاب بداء البرص والعلل والأوبئة المعدية، يرمى خارج المدينة ولا يبقى داخلها إلا الأصحاء الأقوياء والعقلاء والحكماء. وهذا ما يفسّر أحيانا هندسية بعض المدن التي تلقي بالمقابر حيث الأجسام العليلة الى خارج المدينة فيما يتوسط المسجد أو الكنيسة قلبها.. لرمزية المكان روحيا وتجريديا. هذه الرؤى تبدّلت وأصبح الجسد هو الأصل أو في أسوإ الحالات يتساوى مع العقل أو النفس أو الروح كل حسب تسميته وبالتالي لم يعد الجسد العليل مقصيا أو مطرودا بل أصبح موضوع عناية واشتغال وصار حقلا اختباريا راقيا، بل هناك من يذهب الى أن العقل النفس الروح ما هي إلا تفاعلات كهرومغناطيسية وكيميائية لحركة الجسد. كل ذلك يمكن أن يقدّم مبرّرا لعدم إلغاء الجسد أو إقصائه انه أحيانا يحتاج الى العلاج والتهذيب. مدمن المخدرات يحتاج من هذا المنطلق الى العلاج والتهذيب والتثقيف بمعنى التقويم إذ يمكن أن نقول ان أولئك الذين يستغلون مرض المدمن، مثل المروجين والوسطاء ومن تكرّشوا حتى صاروا بلا رقبة فقط يستحقون العقاب.. ألا يحيل هذا الى حتمية إعادة النظر في قانون المخدّرات؟ لماذا لا نتساءل: هل حقّق قانون المخدرات ما وجد من أجله وهو التصدّي لهذه الآفة؟ إن الجميع ينتظر الإجابة منذ سنة 1992 تاريخ سنّ القانون المتعلق بالمخدّرات.