كيف ساهم الدكاترة محمد التلاتلي... محمود الماطري... عبد الرحمان مامي في مقاومة الأمراض زمن الاستعمار؟ منوبة الصباح: الكثير من الاطباء تركوا بصمات ناصعة في تاريخ الحركة الوطنية وكثير منهم عرضوا حياتهم إلى الاخطار من أجل تحقيق منية الشعب التونسي وهي الاستقلال.. بعض من هؤلاء كانوا محور دراسات أكاديمية قدمها عدد من الجامعيين خلال اليوم الدراسي المنتظم ببادرة من المعهد الاعلى لتاريخ الحركة الوطنية بمنوبة حول "دور قطاع الصحة في النضال الوطني" وكانت "الصباح" قد نشرت في عدد أمس تغطية لجزء أول من أشغال هذا اللقاء العلمي الذي حضره عدد هام من المؤرخين والمناضلين والطلبة وتوافيكم في ما يلي بالحلقة الثانية: الدكتور محمود الماطري تحدثت الاستاذة إسمهان اليوسفي عن نضال الدكتور محمود الماطري وعن دوره في الجمعيات الطبية.. وذكرت أن الدكتور الماطري اعتبر دوما المقولات الايديولوجية والدعاية السياسية ليست المنهج الملائم للوصول إلى الحقائق البشرية.. وهو بعد أن أنهى مهمته على رأس الحزب في صلب وزارة محمد شنيق الاولى عاد ليتقمص دوره الاساسي وخير المشاركة في العمل الوطني عبر العودة الى دوره الطبي. وقد اكتفى في البداية بالعمل التطوعي وفتح عيادة خاصة وربط علاقة مع شارل نيكول وأرنست كونساي.. وبينت أنه تم منع الاطباء التونسيين من ممارسة مهنة الطب في المستشفيات العمومية فانخرط الكثير منهم في العمل الجمعياتي حيث تكونت نقابة أطباء تونسيين في الثلاثينات وطالبت بتمكين الاطباء التونسيين من العمل في مستشفيات عمومية وساهم الدكتور الماطري في تأسيس عمادة الاطباء بتونس وكانت هذه العمادة تتألف من 12 طبيبا أوروبيا إذ تم في البداية إقصاء الاطباء التونسيين.. ولكن في الاربعينيات وتحديدا سنة 1945 ترشح الماطري للعمادة وأصبح عضوا ومنذ ذلك التاريخ خاصة بعد استقالته من رئاسة الحزب اهتم بالانشطة الطبية.. وعاد سنة 1948 إلى العمادة بمنصب نائب رئيس العمادة إلى عام 1951 ومنصب رئيسها الاول سنة 1952 وكان يرأس العمادة هنري بوكوي وبذلك فهو أول طبيب تونسي يرتقي إلى هذا المنصب. وسحب الدكتور الماطري سنة 1953 ترشحه من انتخابات مجلس العمادة احتجاجا على سياسة الحماية ولم يعد للعمادة إلا سنة 1957 وتفرغ للانشطة الطبية وانتخب أول رئيس عمادة أطباء تونسي. وكانت نشاطاته الطبية تتكثف في الوقت الذي تفتر فيه نشاطاته السياسية.. وتحدثت المؤرخة بإطناب كبير عن تاريخ الجمعية التونسية للعلوم الطبية التي ترأسها الدكتور الماطري سنة 1947 وهو بذلك أول طبيب تونسي يترأس هذه الجمعية وعكست مهامه فيها مواقفه من الوضع الصحي العام بالبلاد التونسية عبر المساهمة في تحرير مقالات طبية بنشرية الجمعية وذلك في 24 جويلية سنة 1930 في حين لم تصدر أولى مقالاته بالصحف الوطنية إلا في سبتمبر 1930 ويؤكد ذلك حسب وجه نظر المؤرخة اهتمامه بالمسائل الطبية قبل السياسية وعبر من خلال تلك المقالات ذات الاهتمام الصحي عن مواقفه من سياسة الادارة الفرنسية في معالجة الوضع الصحي وقدم خلالها مقترحاته لتخليص البلاد والعباد من الافات والاوبئة.. الدكتور عبد الرحمان مامي تحدث المؤرخ عبد الرحمان لونيسي عن الدكتور عبد الرحمان مامي المولود في المرسى من عائلة تركية وكان والده مقربا من البايات.. ودرس عبد الرحمان مامي في الصادقية وامتهن بعد الحصول على الدبلوم مهنة التمريض بالمستشفى الصادقي.. كما درس في فرنسا وبحث مسألة حمى المستنقعات التي تفشت بصفة كبيرة في الثلاثينات وتضرر منها نصف السكان في تونس وتوفي بسببها 10 آلاف شخص. واستعمل مامي مع طبيب فرنسي دواء جديدا في علاج هذا الوباء. ولما عاد إلى تونس سنة 1936 فتح عيادة خاصة في أحد الاحياء الشعبية بالعاصمة وكان يعالج فيها المرضى الفقراء دون مقابل مرة في الاسبوع ويزور مرضاه في منازلهم لان العديد منهم لا يجدون مكانا يرقدون فيه في المستشفيات وخاصة مرضى السل والرمد والحمى والزهري وعرف الدكتور مامي بنشاطه الخيري والتطوعي وساهم في إسعاف جرحى أحداث 9 أفريل وفي أعمال الجبهة الوطنية كما عرف بمساعيه التوفيقية عند حصول خلافات بين عناصر الحزبين القديم والجديد. وأضاف المؤرخ أن الدكتور مامي أظهر دقة في تشخيص الامراض جعلته يكسب ثقة الناس وثقة محمد الامين باي الذي عينه طبيبه الخاص سنة 1943 وذكر أن مامي انضم إلى الحزب الدستوري القديم وناضل في صفوفه لتحقيق المطالب الوطنية.. ونظرا لموقفه من محاولة تسميم محمد الامين الباي التي تورط فيها المقيم العام وعناصر من الحماية وبسبب مواقفه الوطنية تعرض الدكتور عبد الرحمان مامي إلى الاغتيال من قبل اليد الحمراء في 13 جويلية 1954.. الدكتور محمد التلاتلي تحدث الدكتور منصف زيتونة عن الدكتور محمد التلاتلي الذي ولد في نابل في وسط فلاحي وكانت عائلته تنحدر من جربة وبعد دراسته في المرحلة الابتدائية ونجاحه في امتحان البكالوريا درس في جامعة تولوز في فرنسا ثم عاد إلى تونس عام 1921 واشتغل في غار الدماء ثم انتقل إلى مستشفى نابل.. وتطرق المحاضر بإطناب إلى مساهمات التلاتلي في الحركة الوطنية وصموده في وجه المستعمر وتحدث عن اهتمامات الدكتور العلمية الطبية إذ أنه أجرى بحوثا تتعلق بالعذرية وهي مسألة شائكة في تلك الفترة.. وكان مختصا في الامراض الباطنية وأمراض النساء والتوليد.. وقدم المحاضر مستخدما شاشة كبيرة صورا تحيل على الكثير من الاحداث التي عاشها الدكتور محمد التلاتلي أو التي تعطي صورة واضحة عن وضعية القطاع الصحي خلال النصف الاول من القرن العشرين ومن بين هذه الصور نجد واحدة لمستشفى نابل خلال سنة 1901 وأخرى للدكتور شارل نيكول وعائلته وصورا عديدة للدكاترة البشير بن قزي وحسين بوحاجب وأحمد الشريف ومحمد بن سقا ورشيد منشاري ومحمد العجيمي وصورة لاطروحة الدكتوراه للدكتور التلاتلي وصورة جماعية للزعيم الحبيب بورقيبة مع الدكاترة أحمد بن ميلاد وسليمان بن سليمان وغيرهم وصورا أخرى للدكتورين الحبيب ثامر والصادق المقدم. وقدمت السيدة روضة بن بشير مداخلة عنوانها الارشفة والتقنيات الجديدة حول مائوية جمعية الطب التونسية أكدت فيها على جدوى استعمال التقنيات الحديثة في جمع المعلومات وتبويبها وأرشفتها. وتحدث الدكتور حمزة صدام عن الحوار بين العلوم الطبية خلال الفترة الاستعمارية وقارن بين مستشفيين وهما المستشفى الصادقي (عزيزة عثمانة) الذي كان يوجد داخل سور المدينة والمستشفى المدني الفرنسي (شارل نيكول) الذي كان يوجد خارج السور وعلى مقربة من السجن لانه يأوي المصابين بالامراض المعدية. وبين أن الاطباء الفرنسيين كانوا يقرون بأن الوضع الصحي في تونس أفضل مما هو عليه في الجزائر وأن ذلك لا يقتصر على العاصمة فحسب بل ينسحب على عدة جهات أخرى. وتحدث عن السبق الذي حققته تونس في المجال الطبي من خلال ما سنته من تشريعات قانونية كما أن جائزة نوبل خرجت من مستشفى شارل نيكول.. نقاش خلال النقاش بين السيد عبد الحق الاسود أنه تم حرق صيدلية الهاشمي الجعايبي وكان هذا الصيدلي رمزا من رموز المشاركة في الحركة الوطنية. وتحدث عن دور الهلال الاحمر خلال الحرب وذكر أنه قام بجمع شمل كل القوى الوطنية وكانت فروعه تضم جميع فئات الشعب. واقترح على معهد الحركة الوطنية دراسة "إعلان الجمهورية" فأجابه الدكتور نبيل قريسة مدير المعهد أنه تقرر فعلا تنظيم يوم دراسي حول إعلان الجمهورية. وقال الاستاذ عميرة علية الصغير إن مسألة تسميم الباي إشاعة كما لا توجد علاقة بين اغتيال الدكتور مامي وتسميم الباي وذكر أن الباي وقتها لم تكن له علاقة وطيدة بالحركة الوطنية ودعا لتوخي الدقة. وقال الاستاذ أحمد الجدي إنه يجب تطوير العمل الاكاديمي المتعلق بكتابة تاريخ المجتمع.. وتحدث عن غياب أدوات البحث وخاصة المعاجم على غرار معجم للاطباء ومعجم للممرضين.. وبين أن "الولاّدة" أي القابلة التقليدية كانت تعد عنصرا فاعلا في المجتمع التونسي لكن بقي مسكوتا عنه. واقترح الاستاذ بمعهد الصحافة وعلوم الاخبار المولدي بشير تخصيص يوم دراسي لدور الصيادلة في الكفاح الوطني ولعلاقة الاطباء بالصحافة خاصة في فترة بين الحربين. وذكر أن الدكتور الماطري كان حاضرا في الرسوم الكاريكاتيرية في الصحف. ودعا الدكتور مصطفى الحمروني إلى الاحتفاء المشترك بين المؤرخين والاطباء بخمسينية تونسة عمادة الاطباء. وذكر الاستاذ حسين بوجرة أنه يتخوف من التركيز على الجوانب السلبية فقط عند نقد الفترة الاستعمارية.. وفي المقابل قال السيد بن عبد الجليل إن هناك في تونس طبقة مؤثرة في المجتمع وهي لا تظهر من الاستعمار إلا الجانب الايجابي وهذا خطير.. وتساءل الاستاذ محمد صالح فليس عن مدى انتشار ظاهرة المرض النفسي في السجون زمن الاستعمار نتيجة سياسة العزل والتعنيف والضرب. كما ذكر أنه لا يمكن وضع عمليتي اغتيال فرحات حشاد والهادي شاكر في نفس الموضع من قبل اليد الحمراء مع عملية اغتيال الدكتور مامي لا لشيء إلا لانه تحدث عن محاولة تسميم الباي. وذكر الاستاذ البشير العريبي أن الدكتور الماطري كان وطنيا وقال" إنني أعرف عيادة الدكتور الماطري فقد كانت توجد في واجهتها صورة للشهيد عمر المختار وهو ما يدل على أن المختار كان مثالا للماطري. كما كان الماطري يجري عيادات مجانية في باب منارة وباب الجديد وباب سويقة". واقترح إصدار قائمة تضم جميع المناضلين في القطاع الصحي. وذكرت الاستاذة قمر بن دانة أن اختيار الاطباء لمواضيع أطروحاتهم كان مدروسا فقد انشغلوا بمشاكل المجتمع الصحية وبالامراض التي كانت تهدد التونسيين. وذكر السيد محمد قريمان أن هناك وثيقة تبين أن شارل دان جون حاكم صقلية وهو أخ لويس التاسع الذي قاد الحملة الصلبية على تونس طلب من الحاكم الحفصي في تونس أن يعيره كتاب الحاوي في الطب. وحصل ذلك خلال القرن الثالث عشر ميلادي وهو ما يدل على أن تونس كانت تشع على أوروبا. وذكر السيد المنذر بن عبد الرحمان مامي نجل الدكتور مامي أنه لا توجد معلومات دقيقة حول شخصية الدكتور مامي باستثناء بعض الشهادات الشفوية. وبين أن محاولة اغتيال الباي حدثت فعلا وأنه يذكر البلبلة التي حصلت في منزلهم لما كان صغيرا بسبب تلك المحاولة. وذكر أن فرنسا أهدت قطعة حلويات للباي ولما ساوره الشك فيها قالت له إمرأة بالقصر إنها ستأكل منها قليلا قبل أن يتناولها الباي ولما فعلت سقطت مغشيا عليها فتم نقلها إلى المستشفى. وكان والده شاهدا على تلك الحادثة فالدكتور مامي كان الطبيب الاول للباي. وذكر أن والده تعرض إلى عملية الاغتيال عدة مرات.. وبين المؤرخ عبد الرحمان الونيسي أن قضية تسميم الباي ليست إشاعة. وذكر الاستاذ عبد اللطيف الحناشي أن السكة الحديدية التي أقامتها فرنسا في تونس ليست حبا في التونسيين بل خدمة لمصلحتها. لكن هذا القطار الذي أوجدته لتنهب خيرات البلاد استعمله الوطنيون في أعمالهم النضالية. وذكر أن الفرنسيين رفضوا مطلب الدكتور الماطري لكي يعالج المبعدين.