إلى أين ستمضي الاضرابات بفرنسا؟ أهي تجربة تعيد الى الاذهان تجربة 1968 التي اودت بشارل ديغول؟ الأمور قد تبدو في ظاهرها كذلك، لأن اليسار دائما ما يستند في تحركه الى عنصري الطلاب والعمال ويستقطب المهاجرين. لكن ذلك قد يكون وجه الشبه الوحيد بين الازمتين. حيث ان الاسباب السياسية والسياق العالمي اللذين احاطا باحداث 1968 تختلفان كليا عن احداث اليوم. يومها كانت الصهيونية العالمية تستهدف ديغول لموقفه من حرب 67 واصراره على حظر تصدير الاسلحة الى اسرائيل، ومده جسور التوازن مع العالم العربي. وكان اليسار من جهة ثانية في عز تألقه الدولي وحراكه على جميع الساحات ولا ننسى ان كوهين بنديت جاء من المانيا لقيادة تظاهرات فرنسا. اليوم، الحال مختلف، فالصهيونية راضية على ساركوزي، واليسار العالمي لم يعد موضة العصر. رغم ذلك فان اليسار الفرنسي هو الذي يتحرك ضد الاصلاح الساركوزي. وهنا يتقدم العامل الاقتصادي على كل العوامل الأخرى، فالحكومة لا تجد خيارا غير الاصلاحات لعدم بلوغ النقاط الحمراء التي تهددها. والعامة لاتفهم تحليلات وزراء الاقتصاد عندما تعضها البطالة والتأزم الاقتصادي، اضافة الى التأزمات الاجتماعية لدى الفرنسيين والمهاجرين. ولذلك سمعنا رئيس الاتحاد العمالي يقول ان الظلم لا يتعلق بمشروع التقاعد نفسه وانما بغيره أيضا. واذا كان شيريك قد دعا للحوار، فان ما يمارسه العمال المنخرطون في نقابته ابعد ما يكون عن الحوار، مثله مثل ما تمارسه قوات الشرطة وخطاب وزير الاقتصاد ايريك روث. واضح ان الحراك الاجتماعي هو الذي يقود النقابات اكثر مما تقوده ، وان عملية (شد الكباش) بين السلطة والشارع تزداد حدة بانتظار التصويت في مجلس الشيوخ والجمعية العمومية، مما يترجم فعليا بارتفاع منسوب المشاركة في الاضراب، حيث تدل استطلاعات الرأي على ان 69% من الفرنسيين يؤيدونه، حتى ولو كانت نسبة أقل منهم هي التي تؤيد الحظر الذي يمارسه المضربون على مخازن النفط ومحطات التزود بالوقود. وذلك ما جعل بعض زعماء المعارضة يدعون الى فك الحظر كي لا يؤدي ذلك الى تناقص شعبية التحرك كله. الخطاب السياسي ينتهج عبارات ومصطلحات خطيرة، مثل اتهام الخضر للحكومة بانتهاك حقوق المعارضة، وغيرهم باللعب بالنار ووصف احد النواب لقانون التقاعد بانه القانون الاكثر خطورة منذ الحرب العالمية الثانية، فيما يرد الوزير وورث، لسان حال الرئيس ساركوزي: «القانون هو القانون، ومتى حصل التصويت انتهى الامر !». لكن السؤال يبقى: هل ستكون الامور بهذه البساطة وهل سينتهي كل شيء يوم 6 نوفمبر القادم مع انتهاء التصويت الذي يرجح ان تفوز فيه الحكومة لانها تملك الاغلبية النيابية. الخلفيات السياسية والاجتماعية للحالة كلها تقول ان لا. فالازمة الاقتصادية لن تنتهي بمجرد اصلاح التقاعد. واليسار الذي اطلق حملته الانتخابية الرئاسية منذ الان لاستعادة السلطة بعد ثلاثة ولايات من حكم اليمين بعد ميتران، لن ينكفىء امام التصويت البرلماني. وعليه سيكون امام فرنسا ان تعيش سنتين من الاضطراب وشد الحبال.