٭ محمد الهادي الزعيم (رئيس اللجنة الوطنية لتقييم التعليم العالي) من البديهي أن هنالك ارتباطا كبيرا بين التصنيف والجودة. بمعنى أن الجامعات ذات المراتب الأولى هي بالضرورة جامعات ذات جودة على مستوى التكوين والبحث غير ان العكس غير صحيح، بمعنى أن الحصول على مراتب متأخرة او الغياب لا يعني ان التكوين والبحث غير جيّد بتلك الجامعات. ما يجب إذن ان نعيه هو ان هذه التصنيفات ليست تصنيفا للجودة بالمعنى المطلق بل لمفهوم ما من الجودة. وفي ما يخص ترتيب ويبومتريكس، يبرز أن هذا التصنيف ليس تصنيفا يعتمد على الجودة بل يرمي كما بيّنه اصحابه «الى النهوض بالنشر العلمي على شبكة الانترنات. إن هدفه الأساسي هو توسيع مجال الوصول الى الوثائق العلمية والأكاديمية عن طريق شبكة الأنترنات... لأن النشر عن طريق الواب يمثل طريقة أقل كلفة وقادرة على بلوغ جمهور أوسع من ذلك الذي تبلغه النشريات العلمية التقليدية كما يوفّر امكانية الوصول الى المعارف العلمية للباحثين والمؤسسات المتواجدة في البلدان السائرة في طريق النمو وكل الأطراف غير الأكاديمية مثل المؤسسات الاقتصادية والثقافية». وبالرغم من نواقص هذه التصنيفات ونسبيتها، فإن الوزارة توليها عناية خاصة وتعتبر انها تشكل مرجعا جديرا بالاعتبار لتحفيز جامعاتنا على البروز والتألق دون المساس بأولوياتنا المتمثلة أساسا في ضمان جودة التكوين وتشغيلية الخريجين. وقد يكون من الممكن أن نقوم كبعض البلدان بإيلاء الأولوية للبحث ونتائجه المنشورة على حساب التكوين وعلى حساب البحث التطويري ذي المردود المباشر على الاقتصاد. مما دفع بعض الجامعات التي تملك موارد مالية كبيرة الى «شراء» البحوث ولنا في ذلك أمثلة حتى بتونس في محاولة شراء البحوث من بعض الباحثين التونسيين. وقد وضعت لذلك خطة تتمحور حول: دعم منظورية الجامعات دعم حضور الجامعات والباحثين على الواب وضع خطة لتحفيز المتميزين من الطلبة لممارسة مهنة التدريس والبحث. في ما يخص منظورية الجامعات، فإننا نلاحظ مثلا انها منفصلة عن مراكز البحوث (على سبيل المثال تشمل صفاقس المعهد العالي للبيوتكنولوجيا الذي يتمتع بإشعاع دولي، غير انه ليس مرتبطا بالجامعة). لذلك فإنه سيتم إلحاق مراكز البحوث بالجامعات المنتمية اليها جغرافيا وسيكون ذلك على المستوى العلمي دون المساس باستقلالها مما يساهم في تحسين التصنيف الدولي لجامعاتنا. كما يدعى من هنا فصاعدا الباحثون المنتمون الى هذه المراكز وإلى سائر المؤسسات الجامعية الى النشر تحت راية الجامعة (مع ذكر المؤسسة). لأجل النهوض بالتعليم العالي والبحث العلمي من الضروري ان يستقطب القطاع المتميزين من الطلبة والملاحظ ان البعض منهم يعزفون عن الالتحاق بمهنة البحث والتدريس لما قد يلاقونه من صعوبات لإيجاد إطار ملائم لإنجاز أطروحات الدكتوراه اللازمة لانتدابهم وترقيتهم اضافة الى المنافسة الحادة التي يقوم بها قطاع الأعمال لما قد يوفّره من أجور تنافسية وإمكانيات الترقية. لذلك تعمل الوزارة على استجلاب المرموقين من طلبة الماجستير وتوفير الظروف الملائمة لكي ينجزوا أطروحاتهم في الآجال وذلك بإعادة هيكلة مدارس الدكتوراه التي ستكون هيكلا حاضنا للباحثين الشبان يتولى متابعتهم وتأطيرهم وتقييمهم لضمان انتاج علمي جيد في آجال معقولة. ولغاية دعم حضور الجامعات والباحثين على شبكة الأنترنات سيتم وضع مواقع كل مؤسسات التعليم العالي والبحث تحت راية الجامعات المنتمية اليها وحث الباحثين على نشر انتاجهم على الشبكة وتكوينهم للغاية. ان العديد من الجامعات في العديد من الدول تحسن وجودها على مستوى البحث بتشريك الكفاءات الوطنية بالخارج التي نجحت في بلوغ مراتب متقدمة في جامعات عريقة ومخابر علمية ومؤسسات اقتصادية ريادية. ويعزى في رأينا الترتيب الجيد للجامعات الاسرائيلية لذلك. وصحيح ان مشاركة الكفاءات التونسية بالخارج في تعزيز منظومة التعليم العالي والبحث العلمي لم ترتق الى المستوى الكمّي والنوعي المرجو. وقد تضمّن البرنامج الرئاسي بعث آليات تحفيزية لاستقطاب الكفاءات التونسية بالخارج وتشريكها في عدد من الهيئات الاستشارية العليا. وقد تم ضمّ نخبة من هذه الكفاءات الى اللجنة رفيعة المستوى في العلوم والتكنولوجيا. وستسعى الوزارة الى إيجاد صيغ جديدة للاستفادة من خبرات الكفاءات التونسية بالخارج في عملية التدريس والبحث. وخلاصة القول انه لا يجب الخلط بين تردي موقعنا في التصنيفات الدولية ومسألة تدني جودة التكوين بجامعاتنا إن كانت. ويتفق الاخصائيون ان الجودة بالنسبة الى التعليم العالي كما بالنسبة الى أي قطاع آخر تكمن في قدرة منظومة التعليم العالي على الاستجابة الى حاجيات «حرفائها» ويأتي في مقدمتها الطالب الذي يقضي بعض السنوات من عمره على مدارج الجامعة بغية الحصول على شهادة تمكنه من الاندماج في سوق الشغل والحصول على مردود مقابل التضحيات التي قدمها وعائلته طيلة سنوات الدراسة. أما بالنسبة الى المجتمع، الذي يخصص جزءا هاما من موارده الى التعليم العالي، فهو ينتظر منها بالمقابل أن تساهم في النهوض به. لذلك، فإن من أهم مقاييس الجودة قابلية التشغيل للخريجين لأنها تختزل في نفس الوقت طموحات الفرد وانتظارات المجتمع، وهي في الحقيقة أولويتنا، ولنا في هذا الموضوع إن شاء الله عودة.