ناقش المؤتمر الثالث لمنظمة المرأة العربية على امتداد الثلاثة أيام الماضية جميع أبعاد التنمية المستدامة للمرأة بدءا بالبعد التربوي والثقافي مرورا بالبعد الاقتصادي للتنمية وصولا الى البعد البيئي. وتعرّض الدكتور عبد الباقي الهرماسي رئيس الفريق العلمي للمؤتمر الى اشكالية المرأة والتنمية بالقول «تعرّف التنمية المستدامة بأنها التنمية الاقتصادية والاجتماعية التي تأخذ بعين الاعتبار التوازنات البيئية ومن هنا يمكن اعتبار أنها تقوم على أربعة أركان وهي تحقيق النموّ الاقتصادي والتوزيع العادل للثروات والحفاظ على المحيط الطبيعي من الاتلاف. أما الركن الرابع فيتمثل حسب رأيه في تطور المؤسسات الملائمة للحفاظ على الفوارق بين الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والايكولوجية في ظل حكم رشيد بين مختلف فئات المجتمع. وأضاف أنه إذا ما نظرنا الى الواقع العربي اليوم وما يواجهه من تحديات خاصة في ظل العولمة وتداعيات التغيير المناخي بات العمل على تحقيق التنمية المستدامة أمرا حتميا بوصفها رهانا أساسيا للنهوض بالمجتمعات والاقتصاديات العربية لضمان تحقيق الاستقرار والأمن والرفاه. وقال: «إن من أبرز الاستجابات والتحديات التي تواجه الوطن العربي على المستوى الاقتصادي هي الرفع من نسق النمو للحد من البطالة وتحقيق الزيادة في مستوى الدخل الفردي وعلى المستوى الاجتماعي يبرز القضاء على الفقر وتحقيق المساواة بين الرجل والمرأة وتعميم الخدمات الصحية المتطوّرة وضمان حقوق الشغالين والفئات الضعيفة، أما على المستوى البيئي فتتميّز المنطقة العربية بندرة المياه واكتساح التصحّر والنموّ العمراني المتزايد وانتشار التلوّث علاوة على التداعيات السلبية للتغيّرات المناخية وأبرزها الجفاف وارتفاع مستوى البحر. وفي هذا السياق صنّف الخبراء المنطقة العربية بأنها أكثر المناطق المهدّدة بالتغيّر المناخي على وجه الأرض وتتمثّل التحديات على المستوى المؤسساتي في ارساء دعائم الحكم الرشيد والديمقراطية وتنشيط دور المجتمع المدني وسنّ الشغل الملائمة. ولما كانت المرأة العربية نصف المجتمع فلا سبيل لتحقيق التنمية المستدامة إلا بإشراكها الفاعل كطرف أساسي في مسار البناء لمستقبل أفضل من هنا وجب النظر الى موقع المرأة العربية اليوم من خلال الأركان الاربعة للتنمية المستدام أي المكانة الاقتصادية للمرأة ومكانتها الاجتماعية ودورها في الحفاظ على موقعها المؤسساتي. وأفاد بأنه على المستوى الاقتصادي تؤدي المرأة العربية دورا مميّزا في عملية الانتاج خاصة في الاقتصاد الاسري والريفي الا أن هذا الدور يتقلّص كثيرا على المستوى الاقتصادي المنظّم بالرغم من التطوّر المحتشم في اقتحام المرأة العربية مجالات الاقتصاد والأعمال إذ لا يمثّل معدّل الإناث في النشاط الاقتصادي الا 26.7٪ في الدول العربية. وعلى المستوى الاجتماعي لا تزال المرأة العربية الطرف الأضعف والأقل حظّا من ذلك أن نسبة تمكّن المرأة من القراءة والكتابة لا تتجاوز 59.4٪ سنة 2005 مقابل معدّل عالمي قدره 72.7٪ كما أن إلتحاق الاناث بالتعليم الابتدائي لا تتجاوز 77٪ في الدول العربية مقارنة ب 25٪ كمعدل عالمي. أما بخصوص البطالة فإن معدلها في أوساط الشباب يقارب 25% من القوى العاملة من الذكور بينما يصل المعدل بالنسبة الى الشابات الى 31.2% من القوى العاملة من الاناث ومن جهة أخرى تبلغ نسبة النساء اللواتي تزوجن دون سن الثامنة عشرة 45% في بعض المجتمعات العربية وتصل الى أكثر من 20% في ست دول عربية كما يضاف الى هذا تفاقم ظاهرة العنف الجسدي ضد المرأة حيث تتراوح نسبته في الدول العربية بين 20 و50%. طرف أساسي وعلى المستوى البيئي تعتبر المرأة العربية طرفا أساسيا بصفتها المتصرف الأول في شؤون الأسرة من ناحية لما تضطلع به من دور نشيط في الاقتصاد الريفي والتصاقها بالموارد الطبيعية كالمياه والغابات والماشية من ناحية ثانية فالمرأة العربية غالبا ما تقوم بجلب الماء والحطب لتلبية حاجيات الأسرة مما يسبب لها عناء بالاضافة الى ما تتحمله من مشقة في القيام بشؤون البيت وتربية الأطفال. وعلى المستوى المؤسساتي تكاد المرأة العربية تكون مغيّبة تماما اذ تشير الأرقام المتوفرة في مجال مقياس تمكين المرأة الى أن جلّ الدول العربية تحتل مرتبات متخلفة بين 86 و100. كما يتراوح معدل نسبة النساء في المقاعد البرلمانية بالدول العربية بين 0% و27% أما نسبة تولي المرأة لمناصب صنع القرار والمسؤولية الكبرى فتتراوح بين 4% و31% بمعدل 11.5٪ وتتراوح نسبة النساء بالمناصب الوزارية بالحكومات العربية بين 0% و18% في أحسن الحالات. رحم وتأنيث استهل الدكتور أمين الزاوي من الجزائر تناوله للبعد التربوي والثقافي للتنمية المستدامة بالقول بأن المرأة هي رحم كل المخيالات. واعتبر أنه لا وجود لتنمية مستدامة وصحيّة في أيّ بلد سواء كان من الشمال أو من الجنوب في غياب استراتيجية دقيقة لبرامج التعليم والتربية والثقافة باعتبارها الاسمنت الخلاق للحمة المجتمعات وصمّام أمانها وأمنها الاقتصادي والبشري. وقال: إنه حين الحديث عن المرأة العربية والتنمية المستدامة لابد لنا من تسجيل ملاحظة أساسية متمثلة في أن مهنة التعليم والتربية في البلدان العربية تكاد تكون أشرفت على التأنيث. وأشار الى أن المتتبع لبعض برامج التعليم في البلدان العربية يقف عند ظاهرة الإيديولوجيا المكرسة لاحتقار المرأة وتهميشها باسم الدين والاخلاق والاعراف والشرف واعتبارها كائنا من الدرجة الدنيا. وذكر أن انفصال المدرسة عن التنمية الشاملة قلّل من القيمة الرموزية للعلم والتحصيل في العالم العربي. وأصبحت الاسر العربية الفقيرة أو متوسطة الحال لا تثق في مستقبل أبنائها المتخرجين من الجامعات أو المدارس العليا والبطالة التي يعيشها أصحاب الشهائد الجامعية خلقت نوعا من اليأس وبالتالي تدهورت وتراجعت صورة المتعلم والمثقف أيضا وهو الذي أنتج ظاهرة أساسية وخطيرة على التنمية المستدامة وعرّج على ظاهرة التسرّب المدرسي في صفوف الفتيات. وأفاد أن محاربة الأمّية النسوية في العالم العربي هي المعركة الأولى للتنمية البشرية المستدامة. المناخ الاقتصادي وبخصوص البعد الاقتصادي للتنمية المستدامة ذكر الاستاذ العربي الجعيدي (المغرب) أنه على الرغم من التقدم المسجل في مضمار السياسات العمومية والعمل الذي يبذله المجتمع المدني واعتبارا لدرجة التسامح التي تميز المحيط المؤسسي الخاص بكل بلد تبقى وضعية النساء بصفة عامة أقل من أوضاع الرجال خاصة في ميدان الحصول على الموارد والنفاذ إليها. وأشار الى أن لظواهر الفقر النسائي والاقصاء الاجتماعي نتائج وخيمة على هشاشة النساء والأشخاص الذين يدخلون في كنفهن أضف الى ذلك أن تجاهل بعد النوع الاجتماعي والتي تأخذ في الحسبان الحاجيات الخاصة بالنساء وتسهر على اشراكهن في الاختيارات الحاسمة لنموذج واستراتيجيات التنمية في المنطقة العربية وقصد تحسين التنمية البشرية المستدامة لساكنيها وخاصة النساء منهم يتعين على المنطقة العربية أن تحرز تقدما ملموسا في ثمانية ميادين للعمل وهي ميادين متكاملة وذات أولوية وتتمثل في محاربة الفقر والتربية والتكوين والمعرفة وخدمات الصحة والتدبير العقلاني للموارد الطبيعية والادماج في سوق الشغل والمبادرة النسائية ومحاربة العنف ومواقع سلطة القرار.