تكذيبا للادعاءات : وزارة الدّاخلية تقول..لم نتسبب في العنف والتهشيم بدار المحامي..وأعمالنا موثّقة    بنزرت: هدم مشارب وأكشاك فوضوية بهذه الشواطئ    تونس تصنع أكثر من 3 آلاف دواء جنيس و46 دواء من البدائل الحيوية    هل الوزن الزائد لدى الأطفال مرتبط بالهاتف و التلفزيون ؟    الكاف: إخماد حريق بمعمل الطماطم    عاجل/ فرنسا: قتلى وجرحى في كمين مسلّح لتحرير سجين    كميات الأمطار المسجلة بعدة ولايات خلال ال24 ساعة الماضية    سليانة: القبض على عنصر تكفيري    حملة لمقاطعة المشاهير و هؤلاء أبرز المتضررين    جلسة عمل بمقر هيئة الانتخابات حول مراقبة التمويل الأجنبي والمجهول المصدر للمترشحين والأحزاب والجمعيات ووسائل الإعلام    تعرّف على أكبر حاجّة تونسية لهذا الموسم    قابس : اختتام الدورة الثانية لمهرجان ريم الحمروني    بن عروس: جلسة عمل بالولاية لمعالجة التداعيات الناتجة عن توقف أشغال إحداث المركب الثقافي برادس    العجز التجاري يتقلص بنسبة 23,5 بالمائة    نبيل عمار يشارك في الاجتماع التحضيري للقمة العربية بالبحرين    صفاقس: وزير الفلاحة يفتتح غدا صالون الفلاحة والصناعات الغذائية    تأجيل النظر في قضية ''انستالينغو''    الكاف: يوم تحسيسي حول التغيرات المناخية ودعوة إلى تغيير الأنماط الزراعية    سوسة: تفكيك شبكة مختصّة في ترويج المخدّرات والاحتفاظ ب 03 أشخاص    الخميس القادم.. اضراب عام للمحامين ووقفة احتجاجية امام قصر العدالة    كل التفاصيل عن تذاكر الترجي و الاهلي المصري في مباراة السبت القادم    بعد تغيير موعد دربي العاصمة.. الكشف عن التعيينات الكاملة للجولة الثالثة إياب من مرحلة التتويج    ستشمل هذه المنطقة: تركيز نقاط بيع للمواد الاستهلاكية المدعمة    وادا تدعو إلى ''الإفراج الفوري'' عن مدير الوكالة التونسية لمكافحة المنشطات    كأس تونس: تحديد عدد تذاكر مواجهة نادي محيط قرقنة ومستقبل المرسى    الرابطة الأولى: الكشف عن الموعد الجديد لدربي العاصمة    فتح تحقيق ضد خلية تنشط في تهريب المخدرات على الحدود الغربية مالقصة ؟    أول امرأة تقاضي ''أسترازينيكا''...لقاحها جعلني معاقة    باجة: خلال مشادة كلامية يطعنه بسكين ويرديه قتيلا    عقوبة التُهم التي تُواجهها سنية الدهماني    تونس: 570 مليون دينار قيمة الطعام الذي يتم اهداره سنويّا    في إطار تظاهرة ثقافية كبيرة ..«عاد الفينيقيون» فعادت الحياة للموقع الأثري بأوتيك    المعهد النموذحي بنابل ...افتتاح الأيام الثقافية التونسية الصينية بالمعاهد الثانوية لسنة 2024    عاجل/ مستجدات الكشف عن شبكة دولية لترويج المخدرات بسوسة..رجلي اعمال بحالة فرار..    تحذير من الديوانة بخصوص المبالغ المالية بالعُملة الصعبة .. التفاصيل    مدنين: انقطاع في توزيع الماء الصالح للشرب بهذه المناطق    الاحتفاظ بنفرين من أجل مساعدة في «الحرقة»    برشلونة يهزم ريال سوسيداد ويصعد للمركز الثاني في البطولة الإسبانية    هام/هذه نسبة امتلاء السدود والوضعية المائية أفضل من العام الفارط..    منها زيت الزيتون...وزير الفلاحة يؤكد الاهتمام بالغراسات الاستراتيجية لتحقيق الأمن الغذائي ودعم التصدير    عاجل : أكبر مهربي البشر لأوروبا في قبضة الأمن    بادرة فريدة من نوعها في الإعدادية النموذجية علي طراد ... 15 تلميذا يكتبون رواية جماعية تصدرها دار خريّف    ارتفاع حصيلة ضحايا العدوان الصهيوني على غزة الى أكثر من 35 ألف شهيد وأكثر من 79 ألف جريح..    بقيمة 25 مليون أورو اسبانيا تجدد خط التمويل لفائدة المؤسسات التونسية    مبابي يحرز جائزة أفضل لاعب في البطولة الفرنسية    التوقعات الجوية لهذا اليوم..    الطواقم الطبية تنتشل 20 شهيداً جراء قصف للاحتلال الصهيوني على منازل جنوب قطاع غزة    الهند: مقتل 14 شخصاً بعد سقوط لوحة إعلانية ضخمة جرّاء عاصفة رعدية    نابل..تردي الوضعية البيئية بالبرج الأثري بقليبية ودعوات إلى تدخل السلط لتنظيفه وحمايته من الاعتداءات المتكرّرة    القصرين : عروض الفروسية والرماية بمهرجان الحصان البربري وأيام الإستثمار والتنمية بتالة تستقطب جمهورا غفيرا    سليانة: تقدم عملية مسح المسالك الفلاحية بنسبة 16 بالمائة    جراحة التجميل في تونس تستقطب سنويا أكثر من 30 ألف زائر أجنبي    نور شيبة يهاجم برنامج عبد الرزاق الشابي: ''برنامج فاشل لن أحضر كضيف''    مفتي الجمهورية... «الأضحية هي شعيرة يجب احترامها، لكنّها مرتبطة بشرط الاستطاعة»    أولا وأخيرا: نطق بلسان الحذاء    مفتي الجمهورية : "أضحية العيد سنة مؤكدة لكنها مرتبطة بشرط الاستطاعة"    عاجل: سليم الرياحي على موعد مع التونسيين    لتعديل الأخطاء الشائعة في اللغة العربية على لسان العامة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الهمس الصاخب: لمحة إشهارية شعرية أخرى
نشر في الشروق يوم 30 - 10 - 2010

أشرنا في حديث سابق إلى العملية الإشهارية التي أنقذت ذلك التاجر العراقي الذي أقبلت على براقعه السوداء نساء المدينة ولم تُعِر اهتماما لبراقعه السوداء حتى شكا أمره إلى الشاعر المغني سعيد الدارمي فقام بأقدم عملية إشهارية حين غنى أبياته التي روّج بها تلك البراقع السوداء:
قلْ للمليحةِ في الخِمار الأسودِ: ماذا صنعتِ براهبٍ متعبِّدِ؟
إلى آخر الأبيات التي غناها وكانت سببا في تهافُتِ حَسناوات المدينة عليها فباعها جميعا.
لقد أردت أن أثبت بهذا الخبر الطريف أن العرب كانوا سبّاقين في ميدان الإشهار التجاري الذي (ملأ الدنيا وشغل الناس) كما قال ابن رشيق عن شعر المتنبي، ولكن أحد قراء تلك الكلمة، قال لي: «رغم طرافة هذا الخبر وبراعة الاستنتاج، فإن هذا الإشهار لا نجد له نظائر أخرى تدعمه، ويُعتبر مثل بيضة الديك، إذ يزعم العرب أن الديك يبيض مرة واحدة في حياته». فقلت له: «إن هذه العملية الإشهارية ليست الوحيدة في تاريخ الأدب العربي، والجهلُ بوجود أمثالها لا يدل على انعدامها، وهي بالتالي ليست كبيضة الديك التي لا يقر العلم بوجودها أصلا».
ولكي أثبت له ولأمثاله صحة ما ذهبت إليه أقدم هذا النموذج الثاني من الإشهار في الشعر القديم، ففي كتاب الأغاني نفسه خبر آخر كثير الشبه بالخبر السابق، يتعلق بعملية إشهارية أخرى لها صلة بميدان النُّزُل أو الفنادق العصرية الفخمة، التي نعرف أن أصحابها يقدِّمون عنها ومضات إشهارية تغري محبي الأسفار بالحجز فيها وقضاء أجمل الليالي لديها ويدفعون فيها الأموال الطائلة، فهي أنواع، بعضها من فئة خمسة نجوم، وبعضها الآخر يصل إلى سبعة نجوم، وتبلغ أدوار بعضها إلى أرقام خيالية يبدو إزاءها «برج بابل» - الذي كان يُعد إحدى عجائب الدنيا السبع - كوخا صغيرا، ولا شك أن بعضها يفوق قصري: الخورنق والسدير اللذين قال فيهما المنخّل اليشكري:
فإذا شربتُ فإنني ربُّ الخورنق والسديرِ
وإذا صحوتُ فإنني ربُّ الشُّوَيْهة والبعيرِ
وبعضها يعلو على الصرح الذي طلب «فرعونُ» من وزيره «هامان» أن يبنيه له كما جاء في الآيتين 36/37 من سورة غافر: (وقال فرعون يا هامانُ ابن لي صرحا لعلي أبلغ الأسباب أسباب السموات فأطَّلِع إلى إله موسى وإني لأظنه كاذبا).
إن أصحاب هذه النزُلِ الفخمة، في عصرنا الحاضر، يقومون بعمليات إشهارية يَدفعون فيها الملايين مقابل الدقيقة الواحدة لوسائل الإشهار العصرية المتنوعة وأشهرها التلفزيون، لأنهم يعلمون أنها ستجلب لهم من يدفع لهم ملايين الملايين.
هذا الخبر الذي يدل على قيمة الإشهار في الشعر القديم، أورده أبو الفرج الأصفهاني: (قال أيوب: وكانت ب(مَلَل) إمرأة ينزل بها الناس، فنزل بها أبو عبيدة بن عبد الله ابن زمعة وعِمران بن عبد الله بن مطيع ونُصيْب (الشاعر المعروف) فلما رحلوا وَهَبَ لها القُرَشيّانِ، ولم يكن مع نُصَيْبٍ شيء، فقال لها: اختاري، إن شئتِ، أن أضمِنَ لكِ مثل ما أعطياكِ إذا قَدِمْتُ، وإن شئتِ قلتُ فيكِ أبياتا تنفعكِ، قالت: بل الشعر أحبُّ إليَّ، فقال:
ألا حَيِّ، قبْل البيْنِ، «أمَّ حبيبِ» وإنْ لم تَكنْ مِنّا غَدا بقريبِ
لئن لم يكنْ حُِبّيكِ حُبًّا صدَقْتُهُ فما أحَدٌ، عندي إذنْ، بِحبيبِِ
سِهامٌ، أصابتْ قلبَه، «مَلَلِيَّةٌ» غريبُ الهوى، ياويح كلِّ غريبِ!
فشَهَرَها بذلك، فأصابتْ بقوله ذلك فيها خيْرا.) الأغاني ج 1 ص 326.
ولتوضيح الخبر أقول: هذه المرأة التي كنّاها الشاعر نُصَيب في البيت الأول «أمَّ حبيب» كان لها مَنْزِلٌ أو مُنْزَلٌ، أي مكان للنزول، (وهو، في هذا الخبر، يساوي «اللوكاندة أو البونصيون» بلغة العصر.) يوجد في مكان اسمه مَلَل» على وزن كلمة (مَلَل) من المَلال» ونسبها إليه فهي امرأة مَلَلِيّة، ويقع هذا النزل على طريق المدينة إلى مكة على ثمانية وعشرين ميلا من المدينة» كما قال ياقوت في معجم البلدان، حدد الشاعر مكانه ووصف جمال صاحبته وشبه عيونها بالسهام تصيد بها قلوب المعجبين، وأشاد بحسن معاملتها لحرفائها، ومن هذا الخبر نفهم أن هؤلاء الحرفاء الثلاثة تعودوا على النزول عند صاحبته، إلى درجة أنها صارت تتعامل مع بعضهم بتأجيل الدفع، كما نفهم أنها صاحبة ذوق تحب الشعر وتفضله على المال وتعرف قيمة الشعراء وتدرك دوْر الإشهار في ترويج البضاعة، لذلك راقها قولُ نُصيْب فيها: «إن سهام عينيْها قد أصابت قلبه، (فشهرها بذلك، فأصابت، بقوله ذلك، خيرا)،. وقد وقع التعبير عن كل ذلك بكامل الاختصار المطلوب في عمليات الإشهار والدعاية في كتاب الأغاني. وإذا صح أن الديك لا يبيض إلا مرة واحدة فإن الأخبار في هذا الموضوع كثيرة كبيض الدجاج، إذ لدي أخبار شعرية وأدبية أخرى تؤكد ما ذهبت إليه من سبق العرب إلى القيام بعمليات إشهارية شعرية قبل أن يعرف المُحدَثون الإشهار ووسائله المتنوعة التي تُدفع فيها الملايين وتُروّج فيها البضائع بِقَضِّها وقَضيضها وغَثِّها وسمينها ورخيصها وثمينها، وتبقى المسؤولية، في الأخير، على المستهلك في التمييز بين الجيِّد والرديء.
وأخيرا فإن لديّ أخبارا طريفة أخرى تتعلق بما جاء في الأخبار والأشعار من عمليات أخرى في ميدان الإشهار، نرجو أن نعود إليها لتأكيد ما قلناه آنفا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.