بن عروس: انتفاع 57 شخصا ببرنامج التمكين الاقتصادي للأسر محدودة الدخل    العاصمة: وقفة احتجاجية لعدد من اصحاب "تاكسي موتور"    وقفة احتجاجية ضد التطبيع الأكاديمي    السعودية على أبواب أول مشاركة في ملكة جمال الكون    الإعداد لتركيز مكتب المجلس العربي للاختصاصات الصحّية بتونس، محور اجتماع بوزارة الصحة    إعلام هامّ من الوكالة الفنّية للنقل البرّي    صدور قرار يتعلق بتنظيم صيد التن الأحمر    600 سائح يزورون تطاوين في ال24 ساعة الأخيرة    حوادث : 13 قتيلا و354 مصابا في الأربع والعشرين ساعة    عاجل/ تحذير من أمطار وفيضانات ستجتاح هذه الدولة..    فريق عربي يحصد جائزة دولية للأمن السيبراني    الحكومة الإسبانية تسن قانونا جديدا باسم مبابي!    لاعب الترجي : صن داونز فريق قوي و مواجهته لن تكون سهلة    هلاك كهل في حادث مرور مروع بسوسة..    فاجعة المهدية: الحصيلة النهائية للضحايا..#خبر_عاجل    تسجيل 13 حالة وفاة و 354 إصابة في حوادث مختلفة خلال 24 ساعة    متابعة/ فاجعة البحارة في المهدية: تفاصيل جديدة وهذا ما كشفه أول الواصلين الى مكان الحادثة..    أخصائي في أمراض الشيخوخة: النساء أكثر عُرضة للإصابة بالزهايمر    أبطال إفريقيا: الترجي الرياضي يواجه صن داونز .. من أجل تحقيق التأهل إلى المونديال    عاجل/ منخفض جديد وعودة للتقلّبات الجويّة بداية من هذا التاريخ..    وزارة المرأة : 1780 إطارا استفادوا من الدّورات التّكوينيّة في الاسعافات الأولية    حريق بشركة لتخزين وتعليب التمور بقبلي..وهذه التفاصيل..    تُحذير من خطورة تفشي هذا المرض في تونس..    جندوبة : اندلاع حريق بمنزل و الحماية المدنية تتدخل    زلزال بقوة 5.5 درجة يضرب هذه المنطقة..    الإعلان عن نتائج بحث علمي حول تيبّس ثمار الدلاع .. التفاصيل    هرقلة: الحرس البحري يقدم النجدة والمساعدة لمركب صيد بحري على متنه 11 شخصا    "ألفابت" تتجه لتجاوز تريليوني دولار بعد أرباح فاقت التوقعات    عاجل : القبض على منحرف خطير محل 8 مناشير تفتيش في أريانة    دورة مدريد : أنس جابر تنتصر على السلوفاكية أنا كارولينا شميدلوفا    أمين قارة: إنتظروني في هذا الموعد...سأكشف كلّ شيء    بطولة انقلترا : مانشستر سيتي يتخطى برايتون برباعية نظيفة    البطولة الايطالية : روما يعزز آماله بالتأهل لرابطة الأبطال الأوروبية    وصفه العلماء بالثوري : أول اختبار لدواء يقاوم عدة أنواع من السرطان    تواصل نقص الأدوية في الصيدليات التونسية    طقس الجمعة: سحب عابرة والحرارة تصل إلى 34 درجة    الرابطة الأولى.. تعيينات حكام مباريات الجولة الأولى إياب لمرحلة "بلاي آوت"    منبر الجمعة .. التراحم أمر رباني... من أجل التضامن الإنساني    خطبة الجمعة .. أخطار التحرش والاغتصاب على الفرد والمجتمع    إثر الضجة التي أثارها توزيع كتيّب «سين وجيم الجنسانية» .. المنظمات الدولية همّها المثلية الجنسية لا القضايا الإنسانية    الاستثمارات المصرح بها في القطاع الصناعي تتراجع بنسبة 3ر17 بالمائة خلال الثلاثي الأول من سنة 2024    أولا وأخيرا...هم أزرق غامق    جندوبة.. المجلس الجهوي للسياحة يقر جملة من الإجراءات    قبلي: السيطرة على حريق نشب بمقر مؤسسة لتكييف وتعليب التمور    الفنان رشيد الرحموني ضيف الملتقى الثاني للكاريكاتير بالقلعة الكبرى    وزيرة التربية : يجب وضع إستراتيجية ناجعة لتأمين الامتحانات الوطنية    تتويج السينما التونسية في 3 مناسبات في مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة    جريمة شنيعة: يختطف طفلة ال10 أشهر ويغتصبها ثم يقتلها..تفاصيل صادمة!!    قبلي : اختتام الدورة الأولى لمهرجان المسرحي الصغير    قرابة مليون خبزة يقع تبذيرها يوميا في تونس!!    سعر "العلّوش" يصل الى 2000 دينار في هذه الولاية!!    خدمة الدين تزيد ب 3.5 مليارات دينار.. موارد القطاع الخارجي تسعف المالية العمومية    بطولة مدريد للماسترز: اليابانية أوساكا تحقق فوزها الأول على الملاعب الترابية منذ 2022    أكثر من نصف سكان العالم معرضون لأمراض ينقلها البعوض    طقس الخميس: سحب عابرة والحرارة بين 18 و26 درجة    في أول مقابلة لها بعد تشخيص إصابتها به: سيلين ديون تتحدث عن مرضها    ألفة يوسف : إن غدا لناظره قريب...والعدل أساس العمران...وقد خاب من حمل ظلما    خالد الرجبي مؤسس tunisie booking في ذمة الله    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حوار مع الشاعر التونسي الهادي العثماني / حاوره خليفة علي حداد
نشر في أوتار يوم 05 - 01 - 2011

الشاعر الهادي العثماني ل"أوتار": أغلب الفاطمات اللواتي عرفتهن جميلات وطيبات ومحبات للشعر
حاوره: خليفة علي حداد
- الشاعر الهادي العثماني اسم دائم الحضور بالساحة الثقافية جهويا ووطنيا ­.فمن هو؟و كيف يقدم نفسه للقارئ العربي؟
- على الدفاتر خلفت الصبا نتفا وفي الفصول تركت القلب أشلاء
على الطباشير بعض من دمي عجبا تبدو الطباشير رغم الجرح بيضاء
بهذين البيتين للشاعر غازي القصيبي أقدم نفسي للقارئ العربي فأقول :
أنا من المشتغلين بقطاع التعليم منذ ما يزيد عن ثلاث وثلاثين سنة قضيتها رفقة النشء أدرسهم، و أتعلّم عنهم، هم الذين وهبتهم ما مضى من حياتي المهنية، فسعدت برفقتهم، و أخلصت لهم و كرست كل الجهد و التفاني في هذا العمل الذي حرصت دوما على تأديته بمواظبة دون تقاعس و لا ملل ما جعلني راضيا عن نفسي مرتاح الضمير ذلك أنني ما عرفت الغش يوما ولا بخلت بما أمكن لي تقديمه في أداء هذه الرسالة النبيلة بكل ما أوتيت من صدق وتفان رغم ما يتصف به هذا العمل من مشقة وإرهاق و لكن رضاء الضمير قد عوّضني عن راحة البدن فأحببت عملي ومارسته بذوق و رغبة وأحببت الأطفال الذين رافقتهم منذ شبابي الأول فاقتربت منهم ....ولا أخجل أن أقول أنني قد تعلّمت منهم أكثر مما علّمتهم.
أحببت الشعر منذ الصغر فتعاطيت كتابته بولع شديد منذ سن مبكرة. كتبت القصيد العمودي والحر وأصدرت مجموعتين شعريتين: الأولى بعنوان "آخر الأغنيات على موانئ الرحيل" سنة 1998- و الثانية بعنوان "دعي الحزن لي" ولي قيد الطبع مجموعة ثالثة بعنوان: "أرتب الفوضى" عدا عدد كبير من المخطوطات الشعرية في انتظار الطبع بالإضافة إلى بعض الكتابات النثرية (رواية بعنوان: امرأة من برج الحب) و مقالات نقدية ودراسات أدبية أذكر منها:" رحلة السندباد المعنى في البحث عن نشوة اليقين" و هي دراسة في رواية الشحاذ لنجيب محفوظ. انشر إنتاجي الشعري في مختلف الصحف والمجلات التونسية المهتمة بذلك وخاصة مجلتي: الإتحاف و مجلة المسار (لسان اتحاد الكتاب التونسيين).
أواكب باستمرار مختلف التظاهرات الشعرية والمنتديات الثقافية بتونس ولي عديد المشاركات في المسابقات الشعرية ضمن الملتقيات الأدبية وقد تحصلت على عديد الجوائز، ولي اهتمام بالمقال النقدي والدراسات الأدبية زرت بغداد سنة 2002 وشاركت في ملتقى المربد الشعري، كما زرت سوريا ومصر والمغرب الأقصى في مناسبتين، /نائب رئيس فرع إتحاد الكتاب التونسيين بالجنوب الشرقي ومؤسس جمعية "الوشم الأدبي"-(نائب رئيس)، وهي جمعية أدبية ثقافية يسعى أعضاؤها إلى تفعيل الحركة الثقافية بالبلاد.
تتمحور جل نصوصي الشعرية حول الهم العربي و القضايا الإنسانية و المرأة (أكتب الشعر القومي و العاطفي الوجداني) .... أحاول إسناد الشعراء الناشئين ودعمهم ومساعدتهم وتوجيههم واعتز بأن بعض الشعراء الشبان الذين أشرفت على مسيرتهم الشعرية يحصدون الجوائز ومنهم من نجح في إصدار أولى مجموعاته الشعرية.
- أرتب الفوضى: هو العنوان الذي مهرت به مجموعتك الشعرية الجديدة (في طريقها إلى المطبعة) يبدو مثيرا ويجمع متناقضين... فهل ترتب الفوضى؟
- " أرتّب الفوضى" هذا هو العنوان الذي اخترته لمجموعتي الشعرية الثالثة والتي هي قيد الطبع ويبدو مثيرا ومتناقضا و لكنه الأقرب إلى المناخات والطقوس الشعرية التي أعايشها. ذلك أن العالم اليوم يعيش فوضى عارمة وتناقضات رهيبة نتجت عنها حروب طاحنة و أفرزت أوضاعا مهزوزة و هذا من شأنه أن يؤثر على الشاعر. و في الحقيقة فإنني اهرب إلى الشعر كلما احسست بغربة لتصالح القصيدة بيني وبين نفسي و بيني وبين الآخرين.
الشعر من شأنه أن يمنحنا فسحة للهروب من الواقع المرير و يهيئ لنا عوالم رائعة وإحساسا لذيذا بالاطمئنان والجمال الذي يعوضنا عن كثير من الحرمان جراء بشاعة هذا العالم المريب الذي بدا الإنسان فيه يفقد إنسانيته... "أرتب الفوضى" هي محاولة لترميم شروخ الذات المتصدعة المتشظية والقصيدة أوفى الأصدقاء على الإطلاق. إنها المنفرج الوحيد حين تضيق بنا الدنيا لذلك أنست إلى هذا العنوان. انه إحالة لغوية على الرحيل من المنبوذ المرفوض إلى المرغوب المطلوب... الشعر أرحب الآفاق على الإطلاق – الشعر سجن، و لكنه أرحب من العالم كله، فما أحوجنا إلى إعادة ترتيب الأمور على خريطتنا النفسية وعلى خريطة العالم وقد غيّرها صلف الإنسان فكان الظلم و كان الطغيان. باسم الدفاع عن حقوق الإنسان ابتز الإنسان حقوق الإنسان، ما اجهل البشر يهدم بيساره ما بناه بيمينه، ومن أحيا الحرب قتلته، وحين يعجز كبار العالم عن إعادة ترتيب الأمور وتقصر السياسة دون إحلال النظام فان الشعر بكل ما فيه من جمال و فضيلة و محبة و صدق وإيمان بان لا شيء يبرر كل هذا الظلم والطغيان، هذا الشعر وحده كفيل بإعادة العالم إلى منابع طهره الأولى وإخراج الحياة من الدنس الذي شوهها جراء طمع الإنسان ونفاقه وفساد الحضارة وخداعها، هذه الحضارة الزائفة التي صفقنا لها طويلا وامتدحناها كثيرا ولكنها راوغتنا فلم نجن منها سوى الدمار ... أشياء كثيرة في هذا الزمن الرذيل تبدو على غير ما يرام ولم يبق لنا حيال ذلك غير الشعر، تفزع إليه عساه يخلق الربيع في ظلمات النفس الخاوية وينير قبسا من الأمل في دهاليز الروح... الشعر غناء جميل نتحدى به أحزاننا و نلملم به ما تناثر من شظايا الروح – من هذا المنطلق أزعم أنني بالشعر أعيد ترتيب بعض الفوضى -على الأقل ما اشعر به منها- دون أن ادعي ترتيب فوضى العالم فتلك وليدة الحقد و النفاق كرسها من باعوا ضمائرهم لأطماعهم وتخلوا عن آدميتهم... في ظل هذا الراهن المعيش يتراءى لي الشعر اقرب السبل إلى التخلص من هذا الكابوس الجاثم لذلك اخترته وسيلة لترتيب الفوضى متنفسا وملاذا، وفي انتظار أن يتضح ذلك الخيط الدقيق الفاصل بين الحقيقة والوهم سيظل الشعر اصدق لغة للتعبير عن هذا القلق المريع الذي ما انفك يبث الفوضى في إحساسنا بما حولنا وفي علاقتنا بالآخرين. فما أجمل أن تغني في لغة رفيعة رائعة شعرا يمهد لعلاقات حميمية بيننا و بين ذواتنا وبيننا و بين الناس و الأشياء من حولنا.
– انطلاقا من مجموعتك الأولى: " آخر الأغنيات على موانئ الرحيل" مرورا بالثانية" دعي الحزن لي" وصولا إلى الثالثة "ارتب الفوضى" هل تطورت تجربة الشاعر؟
- في الحقيقة، يصعب أن أقيم بنفسي تجربتي الشعرية فهذا عمل موكول أساسا للنقاد المتخلين عن مهمتهم وإزاء ذلك فان القراء هم المؤهلون للقيام بهذه المهمة. أما وقد دعيت للإجابة عن هذا السؤال فانه يبدو لي أن بعض التطور قد واكب هذه المسيرة فقد كانت القصائد الأولى وجدانية مغرقة في الغنائية و الرومانسية تحولت في المجموعة الثانية إلى نصوص أكثر نضجا ، على مستوى البناء الفني والمواضيع المطروحة (أحيلكم على سبيل المثال على النصوص التالية: حريق في مدن الصمت:ص39 – قصائد للعشق و الفقراء ص50 – لنا ما لنا، عشقنا والقصيد ص52 – عذراء تنجب طفلا يشبهني ص67)* ... أما في المرحلة الأخيرة فقد تخلصت الكتابة الشعرية من التقوقع داخل الذات إلى الانشغال باهتمامات إنسانية ذات هموم أوسع تفاعلا مع قضايا الإنسان والأمة العربية المستهدفة من طرف قوى غاشمة، أمة مغلوبة على أمرها تخلى حكامها عن قضاياها وتركت شعوبها المقهورة لمصيرها ولكنها كانت بحجم مسؤوليتها في فلسطين، في العراق، في جنوب لبنان... ويشهد التاريخ أن العرب لا ينامون على غيظ... أن الطرح المغلوط الذي وصم به المناوئون العرب بالإرهاب خدعة كبرى، و أكذوبة صدقها الكثير و لكنها لم تنطل إلا على ذوي النفوس الصغيرة و ذوي الأطماع الواسعة والحسابات الضيقة ودفعت ثمنها الشرائح العريضة من هذه الأمة العربية المطعونة غير أن حركة التاريخ كفيلة بتعديل كل المسارات الخاطئة وثمة صحوة قومية تبشر بخير كثير... الشعور بقيمة الذات العربية و الإحساس باللغة و الهوية يبدو مناخا غالبا على النفس الشعري في القصائد الأخيرة (المجموعة الثالثة).
أشير بصفة خاصة إلى النصوص التالية: البلاغ – احتاج فسحة آهة – أنساق – مجد لأعراسنا – على أي لحن اغنيك يا صاحبي *...
* المجموعة الشعرية الثانية : دعي الحزن لي
ثمة احتفاء مخصوص باللغة في هذه المجموعة الشعرية الثالثة لان اللغة عندنا إدراك فإحساس فكينونة ولا استطيع أن أحقق ذاتي خارج هذه اللغة، والشعر أساسا ميدانه اللغة بها يخاطب جمهوره العريض ويتواصل معه بفن راق من الغناء الجميل. وقديما نزل ادم الأرض ومعه لغة وامرأة، فكانت البلاغة والبيان و كان الحب والجمال.
في القصائد الأخيرة صرت أحس بمسؤولية أكبر تجاه ما أقوله شعرا و صار عندي أكثر وعي بالدور الإنساني الذي يقوم به الشعر في مخاطبة وجدان الأمة و ضمير الإنسان . أن أي شعر لا يضع في اعتباره دموع الأطفال المشردين ونواح الثكالى و آلام المقهورين لا يساوي وزن ما كتب عليه من الورق....
– الساحة الشعرية التونسية تشهد مدّا كبيرا على مستوى الكم ولكن الكيف تباينت حوله الآراء. كيف يقيم الشاعر الهادي العثماني المشهد الشعري السائد؟ و ماهي الأسماء العربية التي تراها تكتب النص الشعري الجيد.
في الساحة الشعرية التونسية كثير من الشعراء و قليل من الشعر
كثرة الملتقيات الأدبية و تساهل الجرائد في نشر ما يكتب تحت راية الشعر أفرز مدا هائلا من الكتابات التي يسميها أصحابها شعرا، والشعر منها براء.
هذه الأصوات التي تحشر بنفسها في الساحة وتتطفل على الميدان يعرف أصحابها أن ما يكتبونه هو شيء آخر غير الشعر ولكنهم يلحون بجرأة على تكريس الرداءة ليفرضوا ذاتهم وهم يحاربون الأصوات الجيدة ويفتعلون ضوضاء وضجة مضخمة للتشويش على مجموعة الشعراء القلة الذين ما انفكوا يبدعون بخبرة عالية و ينحتون نصوصا رائعة و متفردة و لكن من مصلحة من لا يكتب شعرا تقزيم دور الشاعر الحقيقي وهذه في الحقيقة حالة سائدة تعود مسؤولية تفشيها إلى النقد الواعي المتبصر المتخلي واللائذ بصمت معيب و قد تواطأت بعض الصحف و الجرائد الرخيصة على النفخ في صورة بعض المتجرئين على القول الشعري ومنهم بعض الأسماء الشهيرة جدا التي عملقها الإعلام الزائف و التي أغرقت الساحة بإصدار مجموعات وكتب كثيرة ومتواترة دون أن تقول فيها كلمة واحدة من الشعر... إنها أزمة حقيقية، ولا بد من الانتباه إلى هذا الوضع غير العادي حتى لا يختلط الغث بالسمين كما هو الحال الآن. فمن جملة ما يزيد عن أربعمائة اسم يدّعون كلهم كتابة الشعر على حد زعمهم، لا يمكنك اصطفاء عشرين اسما تصدق عليهم صفة شاعر ويكتبون ما يمكن أن نسميه شعرا...
نحن لسنا بحاجة إلى تهريج على غرار ما يحدث في هذه السنوات الأخيرة، الشعر يا صاحبي أروع وأبدع وأرفع مما نسمعه ونقرؤه هذه الأيام من اسفافات أساءت كثيرا إلى الشعر الحقيقي مع الأسف الشديد، غير أن هذه الظاهرة لا يجب أن تخيفنا كثيرا، فان الزمن كفيل بكنس الساحة وتطهيرها من كل الغثاءات و الشوائب، فكل زيف زائل ولا يمكن أن يصمد إلا ما كان أصيلا و متينا وإبداعيا، وفي انتظار ذلك يبقى للقارئ العربي أن يميّز بين الشعر و اللاّ شعر في ما يعرض من فائض إنتاج في هذا المجال. وثمة أسماء لا غبار عليها و لا شك في شاعريتها على المستوى الإقليمي و العربي عموما، نذكر منها في تونس، و بلا منازع جمال الصليعي، هذا الصوت المنبثق من أعماق الصحراء و الذي علا على كل الأصوات بأحقية مطلقة وأعاد إلى القصيدة مجدها بشهادة كبار الشعراء. أما على المستوى العربي فنذكر المرحوم محمود درويش- شاعر العصر بلا منازع – وكذلك معين بسيسو، و احمد مطر و مظفر النواب، وغيرهم – شعراء بحجم التسمية-.
اسم آخر بدأ نجمه يسطع أخيرا، هو الشاب الواعد: تميم البرغوثي الذي تبدو انطلاقته ثابتة و مقنعة و تجربته تنضج بنسق حثيث.
هذه الأسماء ليست الوحيدة طبعا ولكنها الأقوى حسب اعتقادي. بالإضافة إلى هؤلاء ثمة أصوات ناشئة تبشر بمستقبل واعد و لكنني لا أجازف بمدحها قبل أن تتأكد قيمتها، و نحن في انتظار إثباتها لذلك.
– عم الهادي يكتب الشعر باللهجة المحكية أيضا (ما يسمى في تونس بالشعر الشعبي). لماذا تكتبه؟ وهل وجدت فيه الإضافة؟ وهل لك أن تطرب قارئ أوتار بمقاطع منه؟
بدءا، لا بد من الإشارة إلى أن الشعر هو الشعر. سواء كان باللغة الفصحى أو باللهجة المحلية المحكية وكلاهما له إبداعاته وله نكهته رغم التقارب بينهما. ولان لهجتنا المحكية و خاصة في الجنوب التونسي قريبة جدا من اللغة العربية الفصحى، فان كتابة الشعر بهذه اللهجة لا يعتبر خيانة للشعر الفصيح، و لا يمثل تنكرا له أو خروجا عليه، لا بل إنه تواصل معه ودعم له وامتداد... إن ما لفت انتباهي في هذا النوع من الشعر منذ البداية، هي بلاغة الصورة الشعرية في هذا الضرب من القول الذي عرف عند البدو خاصة بأنه فن له حضوره و له رواده و له جمهوره العريض. و لقد اسرني فيه ذلك البناء الفني الرائع. و يكفي أن اذكر منه هذا البيت، ليقف القارئ على مدى بلاغته وفتنته وقوة التعبير في قول الشاعر واصفا جمال حسناء مشبها وجهها بالفجر:
جت ماشيه حلفوا عليها تولّي بهر خدها ناض الإمام يصلّي
لطالما كنت منبهرا منذ الصغر بأغاني النسوة في الأعراس لما تحمله أصواتهن من دفء وحنان ورومانسية وما يوظفنه في أهازيجهن من تأثير لوعة الحب ونار الهجر ومرارة الفراق، و ما تثيره تلك الأغاني البدوية البسيطة من وصف صادق و بليغ للواقع اليومي وتشدني تلك الإيقاعات و المواويل في الأغاني الفولكلورية وما استطاع الشعراء الشعبيون أن يضمنوه أشعارهم من المعاني والقضايا الإنسانية في أساليب إبداعية رائعة تخاطب منا العقل والذوق والوجدان أفلحت إلى حد بعيد في الاستحواذ على اهتمامات الشريحة الواسعة من الشعب الكريم وهو ما لم يتوفر لشعر الفصحى الذي يبقى دائما شعر النخبة من المثقفين: لهذه الأسباب وجدتني مولعا بما يسمى الشعر الشعبي فاعتنيت به وكتبت فيه وقد ألفيت به متعة أخرى ونسقا للقول مختلفا يكمل تجربتي في كتابة الشعر الفصيح...
أن الشعر الشعبي عندنا أوسع انتشارا وأسرع ذيوعا وأكثر شيوعا، وألأم للأذن وأسهل استساغة، وأقرب إلى وجدان العوام. كل الناس هنا في جنوب البلاد التونسية يتفاعلون مع هذا النوع من الشعر بدرجة عالية ولهم فيه تقييم صحيح ونقد دقيق...
هكذا كتبت شعر الفصحى لأخاطب به شريحة المثقفين وخاصة منهم طلاب المدارس والجامعات ورجال التعليم وقراء الجرائد والمجلات وكتبت الشعر الشعبي لأتواصل مع الجمهور العريض من الناس في بلدي أشاركهم به أفراحهم وأتراحهم واحتفالاتهم، ثم إني رأيت الكثير من المثقفين يتفاعلون أكثر مع الشعر الشعبي ويفضلونه على الفصحى. وكذلك فان هذا الصنف من الشعر أبلغ تصويرا وخاصة في المواقف الوجدانية وفي التعبير عن الحب، فهو أقدر على حمل أحاسيس البشر وتطلعاتهم وأحذق للترجمة عما يختلج في نفوسهم وما يلون مشاعرهم وعواطفهم، ومع ذلك فان للشعر الفصيح أحقية حضوره والاحتفاء به تقديرا لدوره واحتراما للغتنا الفصحى النبيلة. أقول باختصار أن الشعر الشعبي أكثر حميمية وأكثره قابل للتلحين والغناء. ويبقى الشعر الفصيح رهين ثقافة خاصة ودراية باللغة لا يحذقها أغلب القراء والمستمعين، لهذه الأسباب طغى انتشار الشعر الشعبي عندنا واشتد ولع الناس به فشد اهتمام الكثير منهم وانخرط في خدمتهم في المناسبات والأعراس، ومع كل ذلك فسيبقى للشعر الفصيح رونقه ومجالات تفوقه....
في الشعر الشعبي قلت:
* عيونك بحر وموجه غدت كبدتي ممروجه
تقول حاضره ع الحرب في الفلّوجه
* وحق الوطى وشجرها وحق السّما ونجومها وقمرها
وحق الزمن و الدهر مهما طال
منين فاطمه تشيع كحيل نظرها ويذري النسيم شعرها
يميل الجبل ويضربه الزلزال
– ما قصة فاطمة مع شعراء العربية من الجاهلية إلى اليوم، و مع الهادي العثماني تحديدا، و قد أسالت قلمه بما يزيد عن سبعة ألاف بيت من الشعر
فاطمة اسم لطيف جميل، رقيق خفيف الوقع يتركب من حروف بعدد الحواس، لينة سهلة النطق، تنزلق بسهولة بين الشفتين واللسان دون استعمال الحلق لذلك فهي من الحروف التي تطفو دائما على السطح، وهو الاسم الأكثر ذيوعا في مجتمعنا العربي الإسلامي، انه رمز للمرأة العربية الفاضلة ويستند هذا الاسم المحبوب لدى الجميع إلى خلفية تاريخية تعود إلى فاطمة الزهراء بنت الرسول محمد صلى الله عليه وسلم...
لكل هذه الأسباب انتشر اسم فاطمة في الشعر الفصيح والدارجة كل هذا الانتشار ودرج الشعراء على استعماله تقليدا أو تأييدا لمن سبقهم، أو تعلقا بفاطمة حقيقية أوتسترا عن اسم أنثى أراد الشاعر إخفاءه و لو قمنا بإحصائية لوجدنا أن هذا الاسم هو أكثر الأسماء الأنثوية العربية ذيوعا وانتشارا. فلا تكاد تخلو عائلة منه، ثم انه اسم يوحي بالطهر والصدق والبراءة والأصالة وهو بالإضافة إلى كل ذلك اسم يوافق جل بحور الشعر ويتماشى مع مختلف التفعيلات الشعرية ويسهل استعماله في مختلف التركيبات في بناء الجملة.
أما عن ولعي الشخصي بهذا الاسم فذلك راجع إلى أسباب موضوعية خاصة بي وقد وافق الاسم مزاجي و جرى على لساني مجرى الاستساغة والاستحسان بالإضافة إلى هذا فثمة سببان......
1) أن اغلب الفاطمات اللواتي عرفتهن جميلات وطيبات ومحبات للشعر
2) أن انتشار الاسم وذيوعه يجعل الشاعر المتشبث به في مأمن من انكشاف سر صاحبته واتهام الناس إياه بواحدة معينة احتراما للعادات والأخلاق العربية.
اسم فاطمة من أكثر الأسماء الموحية إلهاما والتي تحيلني بامتياز على القصيد العاطفي الوجداني، دعوني إذن أوجه تحية شكر وحب كبيرين (لفاطمة تلك) ولكل الفاطمات حيثما كن ولهن جميعا هذان المقطعان من الشعر:
عيناك و الأشواق يا فاطمة
لغة تفسر عشقها/لغة جديده
أحتاجها كي استعير قصائدي الخضراء
في درب الرحيل إلى مرافئك البعيده
ويداك سنبلتان تحت الشمس
تهدي الروح رايتها الوحيده
-----
عيناك يا فاطمه
موال أغنية تصلي العشق في همس الوتر
دربان أنت والقصيده
كالنشيد الحلو يوغل في دمي
عيناك أغنية القمر
والليل في الأدغال يا فاطمة
يستنفر العشاق في درب السفر
عيناك بحر للقصيده والهوى
عيناك أغنية المطر...
ويداك عصفوران يختلجان
في برد الشتا
قلبي على شفتيّ؟
أم نسغ الشجر؟
– الشاعر مثقف، والمثقف متفاعل دائما مع قضايا مجتمعه وأمته حتى يستحق صفة المثقف.
ما تقول في ذلك بلسان المثقف الرقيب على السياسي؟
الشاعر كائن متفاعل مع قضايا عصره وهموم مجتمعه وأمته و كل الثورات والتغيرات السياسية والاجتماعية عبر التاريخ، يبشر بها الأدباء وينظّر لها العلماء ويستفيد منها السياسيون، غير أن السياسيين تكون لهم في الغالب حساباتهم الخاصة ومنافعهم الشخصية يطوعون لها كل البرامج ويعدلون على أساسها ما يبنيه المنظرون، ويتصرفون بمقتضى ذلك في ما يخططه مهندسو التحولات الكبرى والتي يضعون في تصوراتهم لها نصب أعينهم الإنسان كغاية ووسيلة وتكون السياسة تطبيقا سيئا وغير بريء لهذه التنظيرات الفاضلة من حيث المبدأ: خذ لك مثلا اختراع الديناميت، وكيف وقع تحويله إلى استغلالات حربية مسيئة للإنسان. الآلة الحربية كلها وجه سيء لتطور التكنولوجيا لأنها لا تنتج غير الموت والدمار، وأهل السياسة، لا العلماء هم المسؤلون عن التوظيف الخاطئ للتقدم العلمي بسبب أطماعهم وصلفهم وحبهم للهيمنة وعبادة الكراسي...
كل الدول و الحكومات في العالم قد أنشأت جيشا للدفاع عن الحاكم الأكبر في البلاد تأمينا لسلامته وتنفيذ قراراته حين يلزم الأمر وكل سلطان إنما يدافع عن الوطن لضمان سلامته شخصيا.
إن الديمقراطية الحقيقية هي أن يكون الحاكم والمحكوم كلاهما على نفس المستوى من حيث الحقوق والنصيب من التمتع بالثروة الوطنية والشعور بالأمن...
اعرف أن هذا الكلام لا يقبله الكثيرون ولكنها الحقيقة ولنا في التاريخ نماذج شتى. أريد أن أقول من وراء كل هذا أن الأصل أن يكون كرسي الحكم وسيلة لخدمة الشعب لا أن يستعمل الشعب بأكمله وسيلة لاعتلاء كرسي الحكم...
من من الحكام في مختلف أنحاء العالم يقبل التنازل عن كرسيه لمصلحة الديمقراطية في بلاده؟.
إلا إذا كان هو نفسه مهددا. إن السلطان لا يتورع عن التضحية بثلثي شعبه من اجل اعتلاء كرسي الحكم وتلك هي لعنة السياسة.
– كمرب و كشاعر تخرجت على يديه أجيال من الطاقات في مختلف الميادين، بماذا تنصح الأجيال الجديدة؟
يقول عبد الرحمان ابن خلدون:" الجوع و العطش أصناف و مراتب، أدناها الجوع إلى الخبز و العطش إلى الماء، واسماها الجوع إلى العلم الذي لا جوع بعده و العطش إلى المعرفة التي ينتفي دونها كل عطش"
بهذه المقولة الرائعة لهذا المفكر العظيم، أبدأ كلامي الموجه أساسا للنشء من الجيل الجديد لنصحه.
أقول للشباب: ما يؤسف حقيقة ويخيف كثيرا ويقرع نواقيس الخطر أن الأجيال الجديدة تكاد تتخلى عن القراءة. فقد هجرت الكتاب تقريبا، وهذا مؤشر سلبي فجل الناشئين والشباب مستقيل عن القراءة والمطالعة، مصاب بالأمية في لغته وثقافته، محدود الاطلاع ضيق الآفاق وان تواصل الحال على ماهو عليه فسيؤول إلى مرحلة التسطيح الفكري لذلك فان أولى نصائحي هي: اقرؤوا – اقرؤوا – اقرؤوا كثيرا قبل أن تكتبوا وحين تكتبون وبعد أن تكتبوا، فان أول آية نزلت من أي الذكر الحكيم هي أمر الله سبحانه و تعالى بالقراءة أمرا واضحا صريحا مؤكدا (سورة العلق).
إن شعبا لا يقرأ، لا يكتب، ولا مجال للإبداع في الشعر والكتابة عموما دون القراءة والاطلاع على تجارب الآخرين في مختلف مجالات الإنتاج الفكري، ولمن يتعاطون فن الكتابة وخاصة الشعراء أقول: تعلموا أن تكتبوا بتأنّ كبير وأن تعيدوا كتابة ما كتبتم حتى يستوي الأمر ويستقيم الحال ولا تظنوا أن الإبداع ينعقد لواؤه بسهولة فالطريق طويلة ومليئة بالمطيات والصعوبات ودعوا تجربتكم تنضج على مهل فلا تستعجلوا النشر ولا تلهثوا وراء البروز السريع فان ما يجيء سريعا يذهب سريعا وتعلّموا أن تقبلوا النقد لما تكتبون بأريحية وتستفيدوا منه فلا تغتروا بالمراحل القليلة التي قطعتموها ولا تخيفكم المراحل الكثيرة التي مازالت أمامكم.
- كلمة أخيرة
ماذا تقول لقراء مجلة " أوتار" (نثرا وشعرا)
وأخيرا:
أقول لقراء "أوتار" عدّلوا أوتاركم على "أوتار" وتواصلوا معها باستمرار كي يستقيم لكم المسار، فان لكم فيها معارف شتى وهي لكم خير منبع للثقافة فليزوّدها من كان منكم قادرا على تأثيثها بما يفيد جمهورها ويؤكد في الساحة حضورها ويهيئ أمورها لتكون خير المنابع جمة المنافع، فاربطوا معها صلتكم واجعلوها إلى الثقافة وسيلتكم و في المعارف غايتكم لتتواصل بها علاقتكم.
-----------
لنا ذكرى
نلملمها إذا انتشرت
نرممها إذا انكسرت
ونسعرها إذا انطفأت، لتشتعل
نجليها...
ونحفظها بما فيها
ونركبها لنرتحل
نراقبها بلا ملل
ونكتبها على مهل
وندخلها لتغتسل
بطهر عند واديها
ونرمي في مراميها
فنسكنها، وتسكننا لنكتمل
* * *
لنا لغة
نعلّمها صراخ اللام والألف
وزيف المين و الصّلف
نصوغ فيها أغنية
ونشدو في معانيها
لليل لا يهادننا...
على وجع نغنيها
ونكتبها،
على صفحات ماضينا
ونحييها
ونحيا في معالمها
ونسعى في بواديها
نمجدها، نعمدها
بلام الرفض صارخة
ونسمو في تساميها
* * *
لنا قمم
من الأمجاد والشرف
سنحفظها... من التلف
ونحميها
لنا ذكرى هويتنا
حروف فوق بردتها
صهيل الضاد يحكيها
لنا لغة إذا نطقت
بيان الحرف رونقها
مضيئا في صحائفها
منيرا في دياجيها
لنا ذكرى
مدى الأيام ننشدها
وننشدها
يناجينا تفردها
فنحدو كي نناجيها
ونشهرها
ونكبرها
ونعلنها
فان لامونا نخفيها
وفي الوجدان نحضنها
وان عطشت
زمان القحط
لو ذبلت
بماء الروح نسقيها
حاوره الكاتب: خليفة علي حداد
هذا البريد محمى من المتطفلين. تحتاج إلى تشغيل الجافا سكريبت لمشاهدته.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.