تابع الناس في العالم كله قصة الطرود المفخخة المرسلة من اليمن إلى معبد يهودي في الولاياتالمتحدة ولكن عناية الله ويقظة المسؤولين أبطلت المفعول. في نفس اللحظة كانت عملية منسوبة للقاعدة ضد إحدى الكنائس في بغداد تجري ثم يتكهرب الجو ضد المسيحيين في الشرق، وتصدر تحذيرات من زعماء القاعدة للأب شنودة في مصر وإنذار يعكس مطالب بعض الجماعات الأصولية في مصر ضد تصرفات الكنيسة، في سياق جدل حول تصريحات أحد المقربين من البابا ضد مسلمي مصر. السياق نفسه يحمل رائحة الفتنة الطائفية في مصر، كما يرافق انتهاء مؤتمر مسيحيي الشرق في الفاتيكان، وتصدي جماعات أصولية لحماس وحزب الله، وتصريحات منشورة في الصحف المصرية صباح يوم 2/11/2010 لرئيس جهاز الموساد الإسرائيلي وسفير إسرائيل السابق في مصر حول نشاط الموساد في الفتنة الطائفية في مصر وفي جنوب السودان. قراءة هذه الأحداث الصادرة كلها من الغرب يضاف إليها حالة الفزع المصطنع في الولاياتالمتحدة وفرنسا وبريطانيا وتصريحات زعماء هذه الدول حول استهداف القاعدة لبلادهم وللعالم، يجب قراءتها في العالم العربي بحذر، لأنها تقدم عددا من الرسائل المزعجة لهذه المنطقة. الرسالة الأولى هي أن الولاياتالمتحدة تستهدف من جديد وأن مكافحة الإرهاب في أمريكا والعالم تتصدر أولويات السياسة الأمريكية الداخلية والخارجية. وقد قام الرئيس أوباما بدوره في المسرحية الجديدة ربما لاعتبارات انتخابية ولكنه ذكرنا بالرئيس بوش والهجمة الأمريكية عام 2001 على العالم العربي والإسلامى دفع العرب والمسلمون ثمناً غاليا فيها سواء على مستوى الأقليات في الغرب أو على مستوى موازين القوة في الصراع العربي الإسرائيلي، وكالعادة كانت إسرائيل هي التي قطفت الثمار وأهمها اعتبار المقاومة منظمات إرهابية تحصلت على ترخيص رسمي بمناهضتها وحصارها وقطع خطوط الإمداد السياسى والعسكري والمادي لها، كما أصبحت رسمياً وكيل الغرب لمقاومة هذا الإرهاب خاصة وأن كل العرب والمسلمين أصبحوا إرهابيين إلى أن يثبت العكس. وكلما خبت آثار أحداث سبتمبر جددها الغرب بحوادث في لندن وباريس ومدريد وفي الولاياتالمتحدة طوال العقد المنصرم منذ أحداث سبتمبر التي تحوم شكوك قوية حول دور شارون وبوش فيها. الرسالة الثانية، هي أن الفوضى الطائفية التي تربك العالم العربي وتسعى إلى تفتيت قواه هي صناعة إسرائيلية مما يعطي إسرائيل عند الغرب مصداقية الدور، بل وامتداد الدور الإسرائيلي إلى تفتيت الأوطان العربية بدءاً بفلسطين قبيل الالتهام، والعراق والسودان ولبنان واليمن. الرسالة الثالثة هي أن المتفجرات صدرت من اليمن إلى معبد يهودي معناه أن اليمن أصبح مؤهلاً كموطن للقاعدة بديلاً عن أفغانستان لأنها هذه المرة تستهدف معبداً يهودياً وهي مرحلة جديدة من الخطورة توحي بأن الموساد طرف في حبكها. ورغم أن الرئيس اليمني سارع بالتأكيد على أن اليمن قادر على مواجهة القاعدة دون مساعدة من أحد وأنه لن يسمح بالتدخل في الشؤون الداخلية، إلا أن الأمر المثير للقلق هو أن المسرحية لم تكترث بأقوال اليمن، وإنما سارعت واشنطنولندن وباريس إلى التأكيد على أن التدخل العسكري في اليمن أصبح لا بديل عنه. معنى ذلك أن هناك مخططاً لاحتلال اليمن، فتكون الهيمنة على اليمن ختام سلسلة طويلة من المتاعب التي أثيرت في اليمن كان أحدثها نشاط القاعدة. ومعلوم موقع اليمن الملاصق للسعودية وما تنطوي عليه من أهمية وما تتعرض له هي الأخرى من مخاطر إرهابية مدبرة في معظم الأحيان بحيث خصصت لها القاعدة فرعاً في جزيرة العرب، وموقع اليمن الاستراتيجي على البحر العربي والمحيط الهندى والبحر الأحمر، وعلاقة ذلك بمخطط تدويل البحر الأحمر عبر مسلسل جديد هو القرصنة في الصومال وتكالب الأساطيل البحرية من كل دول العالم قاصيها ودانيها بما في ذلك المناورات البحرية الإسرائيلية، ومع ذلك لم نلمح وجودا عربياً واحدا في البحر الأحمر الذي يعتبر بكامله بحراً عربياً على الاقل في الجزء الذي تطل عليه شرقاً وغرباً الدول العربية بدءا بمصر والسعودية واليمن والسودان والصومال وجيبوتى. ورغم أن الرسالة واضحة وهي تفتيت اليمن والهيمنة على موقعه الاستراتيجي لخنق مصر والدول العربية واستخدامه قاعدة ضد السعودية تمهيداً للمرحلة الجديدة من مسلسل تفتيت الأوطان العربية، أقول رغم وضوح المخطط الذي يجري منذ سنوات في علانية كاملة، لم نسمع تعليقاً واحداً على ذلك من الأوساط العربية أو من الأمين العام للجامعة العربية الذي انشغل بمتابعة الحالة الصحية لوهم كبير اسمه عملية السلام. هذه الأحداث يضاف إليها تصريحات المسؤولين في الخارجية المصرية تعليقاً على الوجود الإسرائيلي في افريقيا والتي تقطع بأنها لا تؤثر في الأمن القومي المصري توحي بأحد أمرين، إما أن مفهوم الأمن القومي قد اكتسب معنى جديدا لم ندركه بعد، أو أن كل هذا المخطط الذي يلعب الموساد فيه باعترافه الدور المركزي لم يقو على إدراكه سوى من وهب قدرات خاصة.