حينما كنّا صغارا كان عيد الشجرة يوم عطلة مدرسية وحينما يسألنا أولياؤنا الذين لا يعرفون من الاعياد الوطنية والدينية الا أكبرها وأصغرها عن نوعية هذه العطلة نقول لهم بلكنة وبراءة الأطفال عيد «السّجرة» هكذا بنطق الشاء ساء تماما كما ننطق الشمس «سمش» وكانوا لأميتهم يصدّقون ان مخارج الحروف تلك سليمة حتى أنهم لم يقوموا اعوجاج هذه المفردات وربما ظلوا ينطقونها بمثل ما ننطقها. كان آباؤنا في الغالب على درجة عالية من الأمية ولكنهم كانوا ايضا على درجة عالية من الحرص على تعليمنا، كانوا صباحا مساءً يغرسون فينا حب شجرة العلم لتمتد عروقها عميقا في الارض وبكلمة كانت كل أيامهم أعياد «سجرة». كم من أم باعت قرطها ليزاول ابنها تعليمه وكم من أم سهرت تراجع الدروس مع أبنائها ولم يكتشف أطفالها ان أمهم أمية الا حينما أخطأت وأمسكت الكتاب مقلوبا، وكم من أب هدّ الجبال والتحف السماء ليدرّس أبناءه؟ كان جيلا أميا ومع ذلك غرس «سجرة». مضت العقود وكبر ذلك الجيل وتم تقويم نطق الشجرة وصار من باب النشاز ان يقبل الجهاز اللغوي للناس اعوجاجا في مفردات تلك الكلمة، بل هناك من ينطقها بالفرنسية ويضرب بها الامثال من «L›arbre qui cache la forêt» الى غيرها من استعمالات الكلمة. وعموما شفي ذلك الجيل من عقدة الشجرة ولعنة نطقها، شفي الى الحد الذي تعاظم معه مستوى ثرثرته، وحفظ الشجرة بكل اللغات وبجميع المعاني والمقاصد، حفظ ولم يعد يمسك الكتاب مقلوبا ومع ذلك يبقى السؤال الأهم... هل غرس شجرة؟ لننظر الى أشجارنا وسنعرف الجواب.