من العادات الاجتماعية القديمة التي لازالت سائدة في بلدان إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى عادة لم تؤثر فيها ثورة تكنولوجيا الاتصالات وما أفرزته من وسائل التواصل الاجتماعي، عادة يطلق عليها شجرة اللغو، باللغة الفرنسية L'arbre à palabre هي شجرة نرجيل باسقة تسقط منها ثمرة طازجة، من حين لآخر، قد تقع على رأس شخص تفقده وعيه لحين ثم يستفيق فيفتح الثمرة ويرتوي بمائها ويتغذى بشحمها. وبعد عصر كل يوم، حين يطول الظل يجلس تحت تلك الشجرة شيخ ذو لحية بيضاء، على عينيه نظارة سوداء يلبس جلبابا أخضر وعلى رأسه قلنسوة حمراء، يسند ظهره لجذع الشجرة، عليه هيبة ووقار، يخاله الرائي لقمان الحكيم أو غوتاما بوذا في حالة النرفانا. يتوافد عليه أهل القرية، زرافات ووحدانا، شبّان وكهول وشيوخ، ذكور وإناث يتحلّقون حول الشجرة والجالس تحتها القرفصاء ويشرعون في الكلام بصوت عال يلومون ويشتكون ويلتمسون ويعبرون عن مختلف المشاعر والمشاغل والمشاكل في غوغاء وضوضاء مثل ما يحدث في سوق عكاظ أو ديوان الوغلية أو ما شابه ذلك. وكل فرد يفرغ ما في جعبته ينهض ويقفل راجعا إلى بيته مستريحا من حمل ثقيل كان يئن تحت وطأته. ولسائل أن يسأل كيف يتحمّل الشيخ كل ذلك؟ في الواقع هو لا يتحمل شيئا لأنه لا يسمع وهو فاقد السمع ولا يرى إذ هو كفيف البصر ولا ينطق لأنه أبكم المهم أن الناس تنفسوا من الضغوط النفسية الناتجة عن مشاكل الحياة اليومية. شجرة اللّغو لم تعبر الصحراء الكبرى لتنتصب في بلادنا لكن ما نسمعه ونشاهده في هاته الفترة، في قنوات التلفزة ومحطات الاذاعة وعلى ورق الصحف وفي شارع بورقيبة وأمام المسرح البلدي بالعاصمة وفي الساحات العامة والمنتديات وغيرها. كل ذلك يشبه، في رأيي، ما يجري تحت تلك الشجرة. ولعلّ هاته الطفرة من التعبير هي نتيجة ما تحمّل الناس من قمع ومظالم وإسكات تحت وطأة الرقيب الذي يحاسب كل من ينطق عما قاله وعما لم يقله. يكمن الأمل في أن لا تطول هاته الفترة ولا تستقر لدينا عادة شجرة اللغو حتى تستقيم صحتنا النفسية ونتخلص من الرواسب ولا تتجاوز أقوالنا أفعالنا وذلك من علامات نجاح الثورة المباركة.