بقلم: محمد العربي السنوسي (جامعي) في ما يتعلق بجريدة «الرائد التونسي»، يقول المدير العام للمركز الوطني للتوثيق بأنّ هذا الأخير «يحتفظ بمجمل أعداد سلسلة صدورها (أي جريدة «الرائد») منذ العدد الافتتاحي.» هذه الجملة تستوجب التوضيح. فماذا يعني الأستاذ الصحراوي قمعون بكلمة مجمل أعداد سلسلة الصدور منذ العدد الأول. هل يعني ذلك أنّ المركز يمتلك كلّ مجموعة «الرائد التونسي» غير منقوصة أم أنّه يمتلك أجزاء منها مع نقص في عديد من الأعداد مثلما أشرنا إليه في أحد مقالاتنا حول الموضوع (أنظر «الشروق» ليوم 3 أكتوبر 2010، ص. 31). لقد قلنا آنذاك إنه لا توجد مجموعة كاملة لجريدة «الرائد»، وخاصة في مراحلها الأولية، في كلّ من المكتبة الوطنية، والأرشيف الوطني، ومركز التوثيق الوطني بالذات، خاصة أعداد سنة 1875 باستثناء العدد الأول والعددين الأخيرين، وقد أثبت ذلك أنس الشابي في تحقيق كتاب محمد الصالح المهيدي، وعاينا ذلك بأنفسنا في المؤسسات الثلاث المذكورة. وحتى يطمئن بالنا، اتصلنا بالمطبعة الرسمية، فأفادنا القائمون عليها، مشكورين، بأنهم لا يمتلكون مجموعات إلا من سنة 1956، وليس قبل. فإن كانت مجموعة «الرائد التونسي» في ما بين 1860 و1881 موجودة بأكملها في المركز القومي للتوثيق، فلماذا لا يوفرها المركز للباحثين عندما يطلبونها. أتمنى أن أكون مخطئا في قراءتي لهذه المعلومة، حتى أتمكن من معاينة هذه الأعداد الناقصة والمفقودة من «الرائد التونسي» لأنني فعلا في أمس الحاجة إليها لإتمام دراسة شرعت فيها. ورغم قدرتي على اللجوء إلى مصادر أخرى، ولكن وجود هذه الأعداد الناقصة تجعلني أختصر الطريق وأربح الوقت. نتعرض الآن إلى الأخطاء التاريخية للأستاذ الصحراوي قمعون في عرضه للعدد الأول من «الرائد التونسي»، أولا، لم يقع احتلال الجزائر «منذ سنة 1831»، بل وقع هذا الاحتلال منذ جويلية 1830، في آخر أيام شارل العاشر، وليس في عهد لويس فيليب دورليون. ثانيا، عندما أخذت صحيفة «الحاضرة» المشعل، هذا لا يعني أنّ «الرائد التونسي» قد انتهى أمره بل واصل مسيرته على نفس السياق حتى سنة 1904 حيث واصل نشر الأخبار والمقالات الصحافية والأشعار، ولم يصبح «الرائد» جريدة رسمية إلا منذ ذلك التاريخ. وقد بيّن أنس الشابي ذلك في كتابه المذكور. ثم أنّ جريدة «الحاضرة» لم تصدر سنة 1988، بل سنة 1888، وقد فهمنا من ذلك وجود خطإ مطبعي لم يتفطن إليه المصححون. جمهوريون ! أمّا في ما يتعلق بالأخبار التي كان «الرائد التونسي» يسوقها إلى القراء، وخاصة تلك المتعلقة بإيطاليا، فلم يكن الأمر بسبب كثرة الجالية الإيطالية بتونس، إذ لا يعرف أفرادها القراءة بالعربية، بل يندرج ذلك في إطار الاهتمام بمجريات الأحداث في منطقة لها علاقات اقتصادية وطيدة بالبلاد في تلك الفترة. ثمّ إنّ محرري «الرائد» لم يكونوا من أنصار غاريبلدي، الذي وإن كان في تلك الفترة، أي 1860، يعمل تحت إمرة ملك البييمونت سردينا ووزيره الأكبر كافور، لضمّ مملكة الصقليتين، كان جمهوري المنهج. ولا نظنّ أنّ جماعة «الرائد التونسي» آنذاك، بما فيهم الجنرال حسين أو خير الدين، قد كانوا من المتحمسين إلى النظام الجمهوري حتي يقوموا بنقل «وقائع هذه الحرب بلهجة لا تكاد تخلو من الإعجاب بحركة غاريبلدي وشجاعة جنوده والثوار التابعين له». غريب هذا الاستنتاج الذي أقل ما يقال فيه، في لغة المؤرخين، عملية تحميل النص ما لا يُحتمل، إذ نعرف أنّ أوائل المصلحين من خير الدين، والجنرال حسين، والجنرال رستم وابن أبي الضياف وغيرهم لم تتبادر إلى ذهنهم إطلاقا فكرة إقامة جمهورية، بل كانوا يبتغون على الأقل تحقيق نظام مقيّد بدستور، وهذا ما سعوا إليه حتى يقع الإعلان عن أوّل دستور في العالم العربي الإسلامي سنة 1861. سؤال ومن ناحية أخرى، يقول الأستاذ قمعون بأن غاريبلدي ضمّ صقلية ونابولي «إلى الأراضي المحررة بالشمال مكونا بذلك مملكة إيطاليا عام 1861». لا ننكر أنّ ضمّ مملكة الصقليتين مثل خطوة إيجابية في مسار الوحدة الإيطالية، ولكن هذه الأخيرة لم يقع إنجازها لكي تصبح إيطاليا مملكة موحدة، باستثناء منطقة الفاتيكان، تحت راية عائلة سافوا إلا أن سنة 1870 وبالتحديد في شهر سبتمبر من تلك السنة بعد هزيمة نابليون الثالث أمام الجيوش الألمانية في معركة سودان، فلم تجد مملكة روما البابوية نصيرا لها. وهذا ما يجعلنا نسأل الأستاذ الصحراوي قمعون هل أنّ آل بوربون الذين كانوا يحكمون مملكة الصقليتين بجنوب إيطاليا من الفرنسيين؟ إذ يقول بأن صحيفة «الرائد» كانت «تبدي تعاطفا مع ثورة غاريبلدي (ه) في إيطاليا في هجومه على بقايا آل بوربون الفرنسيين». ثم يضيف من ناحية أخرى بأمر «قوات آل بوربون الفرنسيين القادمة من فرنسا ومرسيليا» لمعاضدة غاريبلدي. عند هذا الحدّ يتوقف فهمنا، لأنّ آل بوربون الذين كانوا يحكمون الصقليتين هم ليسوا من العائلة المالكة الفرنسية، بل هم من بقايا الفرع البربوني للعائلة الملكية الأسبانية التي حكمت جنوب إيطاليا منذ 1734. ثم أنّ بوربون فرنسا قد غادروا الحكم منذ ثورة 1830، وعوضهم الفرع الأورلياني الممثل في لويس فيليب، الذي ترك الحكم لفائدة الجمهورية الثانية برئاسة الشاعر لامارتين، ثم نابليون الثالث (1848-1851)الذي أقرّ الإمبراطورية الثانية من 2 ديسمبر 1851 إلى غاية 3 سبتمبر 1870. وهو الذي تصدى لغاريبلدي في زحفه على روما سنة 1860، لكي ينقذ المملكة الباباوية في روما. ملاحظة أخيرة، وهو انّ الروبورتاج الذي كتبه أمير الأمراء حسين حول زيارة الصادق باي إلى الجزائر ولقائه بنابليون الثالث هو ملخص لتقرير كتبه الجنرال حسين إلى خير الدين وأنّ هذا المقال وقعت ترجمته إلى الفرنسية ونشرت هذه الترجمة جريدة «تونس سوار» في عددها 5754 بتاريخ 27 جويلية 1944. على كلّ، ورغم بعض هذه الأخطاء التاريخية، تظل دراسة الأستاذ الصحراوي قمعون حول نشأة «الرائد التونسي» إسهاما للاحتفاء بمرور 150 سنة عن صدوره وإن كان السبق في ذلك من نصيبنا. مع الملاحظ أنّ الجدارية التي أنتجها المركز القومي للتوثيق لم يقع ترويجها ولا التعريف بها حتى يعلم الناس بأنّ هنالك 150 سنة على صدور هذه الجريدة الرائدة في ميدان الحداثة. ثمّ إن الأستاذ الصحراوي قمعون لم يتعرض إلى مسألة لماذا ما زالت المطبعة الرسمية تحتسب بأن «الرائد» له من العمر 153 سنة وهو تاريخ لا يتفق حتى مع الاحتساب الهجري. وهذا ما يجعلنا نناشد ثانية المطبعة الرسمية أو مصالح الوزارة الأولى المشرفين على حظوظه ان يصوبوا هذا الخطأ أو أن يوفروا لنا تفسيرا مقنعا.