سي الصادق حدثني وهو يجمع بقية أوراق خريف عمره من درج مكتبه الاداري وهو يودع الساعة الأخيرة من الوظيفة ويهم باستقبال أول دقيقة من التقاعد قال: ما أكثر المسؤولين الكبار الذين عملت تحت إمرتهم طيلة ثلاثة عقود ونصف العقد. كنت كلما دخلت على أحدهم إلا وحدثته واقفا كنت أحس أن بعضهم يستكثر في عظامي الاستراحة على الكراسي الناعمة وأن بعضهم ربما ملّ النظر في الملفات المفتوحة على مكتبه فاستحسن النظر الى فوق بالنظر اليّ حتى وإن كانت قامتي قزمتها السنون في حدود المتر و72 صنتمترا، وكنت أزعم أن بعضهم يتركني واقفا عن حسن نية، ولكن في كل الحالات كنت أكذب على نفسي بأن أعمال الجماعة كبيرة وشواغلهم أكبر وبأن الجلوس على الآرائك الناعمة قد تجعل الحديث أفقيا وأن وقت الأعراف من ذهب لا يمكن صرفه في الحديث مع العون أعانهم ا& عليه زيادة على إعانة القانون الأساسي العام للوظيفة العمومية لهم عليه. يتدارك سي الصادق معتذرا عن طرح هذه المسألة الخاصة حتى وإن كانت مسحوبة على عشرات الألوف من أمثاله، ويتوجه بالشكر النبيل الى جميعهم ردا لجميلهم الذي أغدقوا به عليه طيلة 35 سنة وكيف لا؟ يقول سي الصادق وهم من علمني أتحدث واقفا وأكتب واقفا وأستوعب النصائح واقفا وأتلقى التعليمات واقفا وأحلم برضا العرف واقفا، وليس لي ما أتّكئ عليه سوى قلم جاف كقلب بعض الأعراف. وهذه مسألة أخرى خاصة لا تهم أحدا غيري يقول سي الصادق حتى وإن عاشها ويعيشها عشرات الآلاف. سي الصادق بعدما نظف مدرج مكتبه من أي أثر له فيه نظر اليّ وهو يقول بعدما جلس على كرسيه الخشبي القديم: لا تصدق يا ولدي بأن «الدنيا مع الواقف» أما الصحيح والثابت فإن الدنيا في بعض الحالات مع «القاعد».