هناك مقولة متداولة في السنوات الأخيرة بشكل كبير في الأوساط العربية، لاسيما بعد استفحال البطالة عموديا وأفقيا في صفوف الشباب العربي، المقولة تقول أنه من أراد أن يتوظف عليه بزوجة مدير عام أو وزير ومن لم يستطع فعليه بسكرتيرة أحدهما، لأن زوجة وزير أو مدير عام قادرة بكلمة واحدة أن تجعل البطال ليس موظفا فقط ولكن يتصدر أرقى المراتب، وإذا لم يجد الشاب البطال بُدا وحيلة ليصل إلى زوجة وزير أو زوجة مدير عام فعليه التوجه إلى السكرتيرة، لأن السكرتيرة في العالم العربي في أغلب المؤسسات الحكومية وغير الحكومية الآمر الناهي والمتحدث بلسان إما الوزير أو المدير العام أوحتى أبسط مدير في سلم الترتيب الوظيفي. وأحيانا السكرتيرة في مكاتب الموظفين الكبار في العالم العربي على وجه الخصوص تتخطى خصوصياتها الوظيفية إلى خصوصيات صاحب الشأن والقرار، وبدلا من أن تطبق ما يملى عليها بحكم وظيفتها، تفرض قرارها على الوزير أو المدير بحجة أن لها حظوة خاصة وتستطيع من هذا الباب أن تكون نعم الناصح الأمين، كما يخيل لها أنها أمينة سر أو كما تعنيه مفردة سكرتيرة. وهناك سكرتيرات - إلا من رحم ربي- يتدخلن حتى في ذوق المدير ولباسه، وتسريحة شعره، ويقدمن النصائح كيف تبنى البيوت، وكيف تكون علاقة المدير مع زوجته وأولاده، على الرغم من أن أغلب السكرتيرات في مكاتب المديرين العرب غير متزوجات، ولا يفقهن في ترتيب بيت الزوجية قطميرا. ولهذا تجد زوجات المديرين يحتطن من السكرتيرات، بل هناك زوجات من يعتبرن أن العدو اللدود لهن ولأسرهن هي السكرتيرة، لا لشيء سوى أنها منافسة لهن، وهادمة لسعادتهن الأسرية خصوصا إذا ما علمن أنها ذات حظ وافر من الجمال والأناقة قد تستطيع أن تؤسر الزوج، وتفتنه فتنة كبيرة، وتنسيه حتى بيته، لأنها تبقى معه أغلب الأوقات وربما الوقت الذي يقضيه المدير الزوج مع سكرتيرته أكثر بكثير من الوقت الذي يقضيه مع عائلته ومع الزوجة، ولو أن هذا طبيعي جدا ويدخل ضمن الكدح الذي يقوم به أغلب الرجال في أعمالهم. وقد لا تلام الزوجة القابعة بين أربعة جدران تنتظر زوجها المسؤول الذي يعود بعد منتصف الليل رغم أن دوامه ينتهي قبل ذلك بثماني ساعات، فالمرأة مهما كان نضجها وكان وعيها تشعر عندما يزيد الأمر عن حده فيما تعلق بالتأخرات عن البيت بأن شيئا ما غير سوي وأن هناك علامات استفهام كثيرة توضع في رأسها، لتبدأ الشكوك تحوم حول الأسباب الكامنة وراء تأخر هذا الزوج عن بيته؟. وقعت بين يدي دراسة صادرة عن المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية في مصر تؤكد أن أكثر من100 ألف حالة زواج عرفي تمت بين مسؤولين كبار والسكرتيرات الخاصة بهم وأن ما تم إشهاره من هذه الزيجات لا يتجاوز ال %5. وبينت الدراسة أن السبب في ذلك يعود إلى ارتفاع نسبة العنوسة في أوساط الفتيات والموظفات وتراجع فرص الحصول على عريس. وموافقة السكرتيرة على الزواج من مديرها سببه ازدياد أعداد العوانس والمطلقات- إذ تشير بيانات الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء إلى ارتفاع نسبة العنوسة في مصر إلى 9 ملايين شاب وفتاة تجاوزوا سن الخامسة والثلاثين دون زواج. وفي السياق ذاته بلغت حالات الطلاق الرسمية المسجلة خلال السنة الماضية75 ألف حالة. والأمر سيان في أغلب الدول العربية، وليس في دولة عربية بعينها تكثر العنوسة فهي صراحة الطامة الكبيرة، لا علاج لها في الوقت الحاضر. من مواصفات السكرتيرة المطلوبة لدى المسؤولين أن تكون رشيقة وجميلة لتضفي على الجو شيئا من المرح والبهجة على السيد المدير أولا، وعلى من يزورون هذا المسؤول ثانيا وهذا منطقي جدا، لأنه مستبعد في فكر أغلب المسؤولين أن يختاروا لأنفسهم سكرتيرات شٌمط، ويدخل هذا في أغلب الأحايين ضمن العصرنة وضمن التفاخر الذي يبديه كثير من المديرين المسؤولين أمام بعضهم البعض كونهم يمتلكن سكرتيرات جميلات، أوكما يسميهن أحد المديرين، الناجحين في كل شيء إلا في إدارة الإدارة التي يشرف عليها، بالعذارى اللائي يذهبن الملل والإجهاد في العمل رغم أن هذا المدير والعمل خطان متوازيان لا يلتقيان إلى يوم الدين. كما أن من مواصفات السكرتيرة المطلوبة أن تكون ذات ابتسامة قوية آسرة، ونظرة قاتلة لكل من يدخل مكتب المسؤول كبيرا كان أم صغيرا، فضلا عن حسن استعمالها للمجاملات التي أغلبها مجاملات رخيصة تعبر عن مضمون تفكير المسؤول القابع وراء الباب. ولابد على السكرتيرة من إجادة المجاملات لأنها ملح المقابلات، وروح المعاملات مع العملاء، ولوكانت رخيصة تقطر كذبا ونفاقا، وقلما تجد سكرتيرة طال بقاؤها في مكتب أي مسؤول إذا لم تكن تحسن فنيات المجاملات، وتحسن تقنيات تصريف الناس إلى يوم غير معلوم. ولوكنا لا نريد التعميم كما لا نريد أن توصف بنات سكرتيرات بأوصاف هن في واقع الحال بعيدات عنها فقط أنهن غامرن ودخلن مرغمات هذه المهنة التي لطخ سمعتها من لا يحسنها، أومن لا يفهمها حق فهمها!. عندما كنت أستاذا للسكريتاريا والأعمال المكتبية والإعلام الآلي في الجزائر من ضمن ما كنت أحرص وأنصح به السكرتيرات اللائي كنت أدرسهن، أن يكن لبقات لا منافقات، وأن يعاملن الزبون بكل احترام، وبكل صدق، لأن أهم شيء في السكرتيرة ليس ابتسامتها التي تدخل في محظور الآية (ولا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض) «سورة الأحزاب آية 32»، - ولو أني لم أكن أمنع الابتسامة حتى لا يقال أني أشجع العبوس-، لكن صدقها أمام هذا الزبون، وكنت أقول لهن أن السكرتيرة التي لا تتقن فنيات الإخلاص والصدق سواء مع مديرها أومع زبونها، ولا تتصف بالأخلاق الحسنة، لا تصلح أن تكون سكرتيرة، لأن الزبون تعامله الأول يكون مع السكرتيرة التي هي الجسر الرابط مع المسؤول المباشر، ومن لا تتصف بالإخلاص والصدق فالأحسن لها أن لا تتورط في مهنة السكرتاريا. الإشكالية أن سكرتيرات كثيرات فهمن، وهذا بإيعاز من السيد المسؤول، أن المجاملات يجب أن تكون في كل موضع، حتى أن سكرتيرة أحد المحامين الكبار في دولة عربية تجامل المدعي والمدعى عليه، لا لشيء سوى أن المحامي المحترم الذي وظفها تحت يديه ملف المدعي والمدعى عليه. وبعض السكرتيرات ذهبن إلى تمزيق ملفات كثير من الزبائن، لأسباب تبقى خاصة، كما حدثني أحد الشباب في الجزائر أنه وضع ملف طلب توظيف، لكن تبين بعد ذلك أن ملفه تبخر مع كثير من الملفات الأخرى ولما تحرى واتضحت اللعبة تبين أن السكرتيرة كانت وراء إخفاء هذا الملف، لأن لديها قريبا لا تريد أيا كان أن يأخذ منه الوظيفة التي تقدم إليها هذا الشاب بمعية شباب آخرين. إذا ما سمحنا لأنفسنا أن نتحدث عن السكرتيرات فلا يعني أن الحكم يقع على أغلبهن ولكن المراد في هذا المقام أن نظهر جانبا قد يبدو خافيا لدى الكثيرين وإن كان بشكل نسبي، ولو أن المواطن العربي بفطرته ليس غبيا إلى درجة لا يعي ما يدور حوله. وقع حديث بيني وبين أحد السكرتيرين الأشاوس، ولما رأيت تطاوله المعرفي، أردت أن أوقفه عند حدود علمه، بحيث ذكرته أنني إن كنت صحفيا فلم أتخرج من مدرسة الصحافة، وتكويني كان رياضيا صرفا لأنني والحمد لله كنت من الشباب الأوائل في الجزائر، ومن يسأل عن فترتي الدراسية يجدني لم أكن شابا صايع أوفاشلا في دراستي من الابتدائي إلى الجامعة، حتى أن من يكون في صف الرياضيات التقنية يجب أن يكون من الخمسة الأوائل على مستوى الدفعة كلها، وقد كنت أولا وهذا من فضل ربي علي، بل علامتي في الرياضيات في الثانوية العامة لم يحطمها طالب إلى الآن حسب علمي هذه واحدة، أما الثانية التي ذكرت بها ذاك السكرتير أنني درّست ربما لثلث السكرتيرات في الشرق الجزائري وليس فقط للسكرتيرات بل لأساتذة السكريتاريا، فضلا عن دراساتي ومعرفتي للسلم الإداري الذي يريد أن يعلمني إياه، فسكت هذا السكرتير الذي كان يظن أنه عالم زمانه فقط لأنه يكون جالسا وغيره يكون واقفا حينما يستجديه ليحدد له موعدا مع السيد المدير. إذا كان تخلفنا في العالم لعربي هو من فشل المسيرين وهذا متفق عليه بالإجماع، فإن الداء الأكبر هو من صنف السكرتيرات، وإن كنا لا نلومهن بشكل مباشر، ولكن نحملهن الوزر الأكبر، كونهن يَنْسقْن دونما شعور منهن وراء بؤر الفساد، وكم من مدير كانت نهايته على يد سكرتيرته، إما بتسريب معلومات عنه، وكشف أسرار العمل، أو بخلق فضيحة له، وقد أخبرني أحد المسؤولين الكبار- لا أريد أن أذكر رتبته الوظيفية- في الجزائر أن سكرتيرة أحد الوزراء السابقين أخذت لهذا الوزير السابق المغفل صورا وهو في وضعية مخلة بالحياء، وقدمتها لزوجته، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل وزعتها على كل من يهمه الأمر. لكن القصة الممتعة التي رواها وزير آخر وهو مايزال حيا يرزق أن مطربة كبيرة ماتزال هي أيضا حية ترزق ولها مكانتها لدى الرؤساء والملوك، كانت بمثابة سكرتيرة أحد أصحاب القرار، وبحكم وظيفتها كسكرتيرة غير معلن بها، تنهى وتأمر ووصلت بها الجرأة أن شتمت أحد المديرين العامين للتلفزيون وأمرته كما يأمر هو الحاجب الذي يقف عند الباب.والعجيب أن هذا المدير العام طبّق ما أرادت منه هذه المطربة، ولم ينبس ببنت شفة رغم أنه كثيرا ما يظهر أنه قوي جدا، يا سبحان الله هذه هي الرجولة التي نحتاج إليها جميعا!!.