بقطع النظر عن «مكفولي» الكتابة والنشر ممّن يطلب منهم ذلك لاعتبارات عدة من بينهم كبار الكتاب على اختلافهم لضمان رواجهم فإن كتابة تأليف قد تقتضي زمنا غير قصير من حياة مبدعه وقد تستغرق عمرا كاملا إذ رأينا إصدارا واحدا كي لا أقول «يتيما» لعديد الشعراء أو القصّصاين وغيرهم ولئن تختلف أسباب ذلك فإنها تلتقي جلّها حول الافتقار الى امكانيات الطباعة والنشر ماديا أو أدبيا رغم ما يكابده المبدع من جهود في مستوى العملية الابداعية تستنفر طاقاته الفكرية والنفسية والجسدية والمادية والعلائقيات قد نختلف في تقييم مضمون الإنتاج كيفا وكما ولكنه يظلّ ممتلكا لصفة الأدب وبالتالي حق الحضور في الساحة الثقافية لتتّخذ منه الموقف الذي تراه. فماذا يحدث عندنا غالبا على الأقل بعد أن نسعى الى نشر ما تجمّع لدينا من أثر أدبيّ مهما تباينت الغايات من ذلك؟ اعتمادا على تجارب ذاتية واستلهاما مما عايشه وكابده عديد الأصدقاء، وبعد استشارات عديدة نتصل بإحدى دور النشر التي تكاثرت والحمد للّه وهي في أغلب الحالات لكتاب سابقين لهم تجربة في إصدار كتبهم أو هي لأصحاب مطابع رغبوا في جمع الحسنيين نشرا وطباعة لما يجده الناشر من دعم على الورق وفي شراءات الوزارة وأيضا لما يحققه المطبعيّ من كسب مباشر فإذا الناشر ولا يختلف الشأن مع المطبعي بعد تقييمه وحساباته يطالبنا بمبلغ غير متيسّر ولا يسير بالنسبة الى معظم الكتاب وقد يكون الناشر كريما معك فيطالبك بجزء هام من المبلغ ويرجئ الباقي الى حين تسليمك الكتاب كما أن ومن حسن أخلاقه معك أن لا ينظر في محتوى كتابك مضمونا أو لغة أو أسلوبا أو شكلا فلك أن تكتب ما شئت وكيفما شئت شريطة أن تدفع. للحقيقة فإن احدى دور النشر المعروفة تعتني بمثل هذه «الأشياء» كما تحقق في اسمك غير أن شروطها إذا قبلت بك وبمؤلفك تقتضي طباعة عدد يسير من النسخ تقتطع منها نسبة 20٪ بعنوان إهداءاتها وتعدك بنسبة 10٪ من ثمن بيع الباقي بعد ترويجه الذي لا تدري أنت ولا هي متى يتحقّق فقد يكون بعد عام أو حتى عشرة وعليك الا تزعجها بمراجعاتك حول موعد صدور الكتاب ولا كيفية إخراجه ونوعية ورقه ولا شكله وخاصة بشأن مستحقاتك المالية التي تكون عادة في حدود خمسمائة دينار ومن التجارب المستحدثة لدى بعض دور النشر الحديثة أن يخصّ أصحابها بعض أصدقائهم المتعاطفين معهم في الاتجاهين بتولّي طباعة كتاب لهم يسلّمونهم نسبة تنحصر في الغالب بين 10٪ و20٪ لا نقدا ولكن من مجموع نسخ الكتاب ويحتفظون هم بالباقي مع حقّ النشر والبيع لوزارة الثقافة ويعتبر هذا الاجراء احتفاء بالمبدع ومساعدة كريمة له غير مخوّلة للجميع. وأخيرا يصدر الكتاب متجاوزا الكيفية والزمن وتحمل نسخه هواجس ديونه معك الى منزلك للإقامة معك رغم مساكنيك الآخرين وليشاركاك وسادتك أحلاما وكوابيس وتهدي لمن تروم منه الإفادة والدعم بدءا بوسائل الاعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة والعنكبوتية ثم الى من تصل إليه ذاكرتك ويدك ونصائح معارفك وطوابعك البريدية من النقاد والمعلقين والمتصاحفين والمتثاقفين ولا تنسى من ترتبط بهم من زملائك، وتجهد في إبلاغه الى السادة المندوبين الجهويين للثقافة ومديري دور الثقافة والشباب والطفولة والمعاهد والكليات وأصحاب المكتبات الذين قد يتسلّمون ببرود عددا يسيرا جدا من النسخ مقابل احتفاظهم بنسبة لا تقل عن 35٪ من ثمن ما يباع ثم يغيّبون دمك وعروقك وسط الرفوف. أما الحدث الأكبر إن كنت قد تولّيت الطباعة على حسابك الخاص فوضعك عدد من النسخ في مكتب الاستقبال بوزارة الثقافة مع مطلب جيّد التحرير للنظر في إمكانية أن تشملك لجنة الشراءات بجميلها فتأذن باقتناء عدد يرتبط باسم الكاتب أكثر من الكتاب ثم تتطوّع بطلب منهم للقيام بتخفيض نسبة 20٪ من الثمن كما أنك مطالب بإضافة دفع نسبة 15٪ للأداءات. وإن كنت عضوا باتحاد الكتاب فقد التزمت الهيئة المديرة باقتناء ما تقدر عليه ميزانيتها في تلك الفترة من عدد يتراوح بين 10 و20 نسخة مع إجراء التخفيض اللازم (20٪) وتتسلّم المقابل مقابل امتنانك وشكرك وعرفانك العاجل والآجل بعد فترة إن أمكن ذلك وإلا فاسأل الشاعر محمد عمار شعابنية الخبير بهذا الموضوع وتنتظر صدى أو ندى اهداءاتك ومراسلاتك واتصالاتك فلا شيء يكتب ولا شيء يقتنى ولا شيء يذكر إلا ما يفيض عن لسانك أنت بين من تطمئن الى محادثتهم إن سمعوك. وأسأل الكتاب عما لهم من فلذات أفكار وخلجات مشاعر وملح عرق يقولون عنه «في انتظار الطبع» الذي قد لا يأتي وللكلمات صلة. محمد الطاهر الحضري يمكن تناول القضايا المتعلقة بالكتاب الثقافي التونسي من عديد الجوانب سواء منها المحتوى أو الشكل أو السعر أو الانتشار والرواج أو مدى الاهتمام الذي يلاقيه من القارئ والناقد والاعلام أو في تناول بعض محتوياته في البرامج التعليمية بالمدارس والجامعات وما الى ذلك مما تمّ تداوله مرارا وتكرارا في بعض المنتديات واللقاءات العامة أو المختصة ولكنه ظلّ الى الان موضوعا يشغل بال المهتمّين بشأن الكتاب وخاصة لدى الكتاب على اختلاف أنماط إبداعاتهم من رواية وقصة وشعر ودراسة ومذكرات ومواقف وما الى ذلك. إلا أننا سنحاول أولا تناول ما يرتبط بالكتاب الثقافي منذ بداياته مشروعا في ذهن كاتبه الى حين صدوره وترويجه المادي علما أن تناول هذه الجوانب بالذات لا يعني انفصالها عن النواحي الأخرى المذكورة سلفا والتي ستكون موضوع كلماتنا لاحقا.