الحرس البحري ينجد 11 بحارا كانوا على متن مركب صيد تعرض للعطب قبالة شاطئ هرقلة    جامعة التعليم الأساسي: ترسيم 850 عونا وقتيا مكلّفا بالتدريس    بودربالة والسفير الإيطالي يؤكدان ضرورة تكثيف الجهود لمواجهة ظاهرة الهجرة غير النظامية تعزيزا للاستقرار في المنطقة    وقفة احتجاجية لعدد من أصحاب "تاكسي موتور" للمطالبة بوضع قانون ينظم المهنة    العجز التجاري الشهري لتونس يتقلّص بنسبة 4،16 بالمائة موفى مارس 2024    كيف يتعامل البريد التونسي مع الحسابات المهجورة؟    توزر: المخيم الوطني التدريبي للشباب المبادر في مجال الاقتصاد الأخضر مناسبة لمزيد التثقيف حول أهمية المجال في سوق الشغل    الرئيس المدير العام لمركز النهوض بالصادرات: واقع المبادلات التجارية بين تونس وكندا لا يزال ضعيفا    نابل : الاحتفاظ بشخص محكوم بالسجن من أجل "الانتماء إلى تنظيم إرهابي"    الرابطة الأولى: إتحاد بن قردان محروم من جماهيره في مواجهة قوافل قفصة    عاجل/ التشكيلة المحتملة للترجي أمام صانداونز    بحوزتهم أسلحة بيضاء ومخدّرات: القبض على 23 مفتّش عنه في هذه الجهة من العاصمة    مأساة جديدة في المهدية: يُفارق الحياة وهو بصدد حفر قبر قريبه    تراجع إنتاج التبغ بنسبة 90 بالمائة    5 ٪ زيادة في الإيرادات.. الخطوط الجوية التونسية تتألق بداية العام الحالي    عاجل/ استشهاد 3 أشخاص على الأقل في قصف صهيوني لمبنى تابع للصليب الأحمر في غزة..    13 قتيلا و354 مصابا في حوادث مختلفة خلال ال24 ساعة الماضية    سوسة: حجز 716 قرص مخدر لدى مروّج    القيروان: تسجيل حالات تعاني من الإسهال و القيء.. التفاصيل    بن عروس: انتفاع 57 شخصا ببرنامج التمكين الاقتصادي للأسر محدودة الدخل    السعودية على أبواب أول مشاركة في ملكة جمال الكون    وقفة احتجاجية ضد التطبيع الأكاديمي    لاعب الترجي : صن داونز فريق قوي و مواجهته لن تكون سهلة    فريق عربي يحصد جائزة دولية للأمن السيبراني    صدور قرار يتعلق بتنظيم صيد التن الأحمر    إعلام هامّ من الوكالة الفنّية للنقل البرّي    هلاك كهل في حادث مرور مروع بسوسة..    تسجيل 13 حالة وفاة و 354 إصابة في حوادث مختلفة خلال 24 ساعة    الحكومة الإسبانية تسن قانونا جديدا باسم مبابي!    الرابطة الأولى: كلاسيكو مشوق بين النجم الساحلي والنادي الإفريقي .. وحوار واعد بين الملعب التونسي والإتحاد المنستيري    أخصائي في أمراض الشيخوخة: النساء أكثر عُرضة للإصابة بالزهايمر    حريق بشركة لتخزين وتعليب التمور بقبلي..وهذه التفاصيل..    وزارة المرأة : 1780 إطارا استفادوا من الدّورات التّكوينيّة في الاسعافات الأولية    تُحذير من خطورة تفشي هذا المرض في تونس..    دورة مدريد : أنس جابر تنتصر على السلوفاكية أنا كارولينا شميدلوفا    أمين قارة: إنتظروني في هذا الموعد...سأكشف كلّ شيء    بطولة انقلترا : مانشستر سيتي يتخطى برايتون برباعية نظيفة    البطولة الايطالية : روما يعزز آماله بالتأهل لرابطة الأبطال الأوروبية    "ألفابت" تتجه لتجاوز تريليوني دولار بعد أرباح فاقت التوقعات    وصفه العلماء بالثوري : أول اختبار لدواء يقاوم عدة أنواع من السرطان    طقس الجمعة: سحب عابرة والحرارة تصل إلى 34 درجة    تنزانيا.. مقتل 155 شخصا في فيضانات ناتجة عن ظاهرة "إل نينيو"    إثر الضجة التي أثارها توزيع كتيّب «سين وجيم الجنسانية» .. المنظمات الدولية همّها المثلية الجنسية لا القضايا الإنسانية    منبر الجمعة .. التراحم أمر رباني... من أجل التضامن الإنساني    خطبة الجمعة .. أخطار التحرش والاغتصاب على الفرد والمجتمع    أولا وأخيرا...هم أزرق غامق    قبلي: السيطرة على حريق نشب بمقر مؤسسة لتكييف وتعليب التمور    الفنان رشيد الرحموني ضيف الملتقى الثاني للكاريكاتير بالقلعة الكبرى    وزيرة التربية : يجب وضع إستراتيجية ناجعة لتأمين الامتحانات الوطنية    جريمة شنيعة: يختطف طفلة ال10 أشهر ويغتصبها ثم يقتلها..تفاصيل صادمة!!    قبلي : اختتام الدورة الأولى لمهرجان المسرحي الصغير    تتويج السينما التونسية في 3 مناسبات في مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة    خدمة الدين تزيد ب 3.5 مليارات دينار.. موارد القطاع الخارجي تسعف المالية العمومية    أكثر من نصف سكان العالم معرضون لأمراض ينقلها البعوض    طقس الخميس: سحب عابرة والحرارة بين 18 و26 درجة    في أول مقابلة لها بعد تشخيص إصابتها به: سيلين ديون تتحدث عن مرضها    ألفة يوسف : إن غدا لناظره قريب...والعدل أساس العمران...وقد خاب من حمل ظلما    خالد الرجبي مؤسس tunisie booking في ذمة الله    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ما هي العوائق التي تحدّ من انتشار الكتاب التونسي خارج الحدود..؟
ملفّات «الصباح»
نشر في الصباح يوم 25 - 04 - 2009


نزار شقرون: صناعة صورتنا خارج البطولية الزائفة
محمود طرشونة: سنة 2003 قدّمت مقترحات لتجاوز هذا الإشكال لم يؤخذ بأي منها
أحمد الحمروني: الاعتماد على موزّع واحد لكل الناشرين
الجيلاني بن الحاج يحيى: لنضمن توزيع الكتاب في الداخل أولا قبل التفكير في الخارج
يحتاج الكتاب التّونسي إلى آفاق جديدة للانتشار عربيّا ودوليّا ولكنّ ذلك مرتبط أساسا بحركة النّشر، ولكنّ هذه الحركة التي تعيش ما تعيشه حركة النّشر العربيّة تواجه المعوقات ذاتها في صلتها بمجال التّداول العالمي للكتاب. ولعلّ اختبارات المعارض الدّوليّة هي أفضل محكّ لفهم الوضع الحقيقي للنّشر ولتبيّن المطلوب من حركة النّشر التّونسيّة لتقديم الكتاب التّونسي للقارئ العالمي. وحين نتحدّث عن الانتشار العالمي فإنّنا حتما نسوق آراءنا في دائرة تفعيل حركة التّرجمة أيضا. لقد كان معرض فرانكفورت للكتاب اعترافا متأخّرا بالكتاب العربي مثلا ولم تخرج نتائج مشاركة العرب عن البعد الاحتفائي دون أن تسجّل مشاريع كبرى للتّرجمة ودون أن يقتلع النّاشرون المشاركون عقودا سخيّة أو شحيحة للتّرجمة من العربيّة أو إليها. فهل أنّ النّاشر الألماني كان محترزا من الكتاب العربي أم أنّ الكتّاب العرب لا يستطيعون إغواء هذا النّاشر؟ من المفيد القول بأنّ الكتّاب العرب الذين يلهث غالبيّتهم على إيجاد قارئ عربي لما يكتبون ليست لهم القدرة الكافية على لفت انتباه النّاشر الألماني والغربي على السّواء الذي تحكمه شروط وسياقات مهنة النّشر. وبعد مرور سنوات عن المشاركة العربيّة المميّزة في معرض فرانكفورت ما الذي جناه الكاتب العربي والتونسي؟ هل استطاع هدم الجدار الألماني من جديد بعد أن كان الألمان من أوفر الأمم استدعاء للكتاب العربي عبر الاستشراق الرّومانسي؟
لم يفهم العرب بعد أنّ النّاشر الغربي يلتزم بمقوّمات تجاريّة تتجاوز أحلام الكاتب العربي بمجد الشّهرة العالميّة إزاء التّجاهل المحلّي، وبدا أنّ الكاتب العربي يشمله شعور الفاتحين القدامى كلّما تعلّق الأمر بحضور كتابه المفترض في السّاحة الدّوليّة وبدت عمليّة ترجمة الكتاب العربي أشبه بفتح مبين بيد أنّه حان وقت التّعقّل والمكاشفة. إنّ النّاشر الغربي له معاييره الخاصّة في التّرجمة، إنّها ليست معايير تجاريّة متعالية عن واقعه، فهو ينصت لاحتياجات قارئه، إنّه لا يترجم الأدب العربي مثلا لإرواء لذّة الكاتب العربي في الاستمناء الكتابي، بل هو يبحث في الأدب العربي عمّا يحقّق للقارئ الغربي نهم القراءة، وببساطة: إنّ لهذا النّاشر موازين تفترق عن موازين القرن التّاسع عشر حين كان الإنسان الغربي متعطّشا إلى معرفة الشّرق بمثل اشتياقه إلى معرفة"الفردوس المفقود"، وحتّى الكاتب الغربي لم يعد شغوفا بمعرفة العالم العربي، فقد خفت لهيب غوته حين قال في قصيدته "هجرة":
فلتهاجر إلى الشّرق الطّاهر الصّافي
كي تستروح نسيم الآباء الأوّلين
إنّ القارئ الغربي عموما وحتّى النّخبة المثقّفة لم يعد يستثيرها الأدب العربي كثيرا. هناك أرقام دالّة على ذلك وضّحتها مؤسّسة تشجيع آداب إفريقيا وآسيا اللاّتينيّة التّابعة لمعرض فرانكفورت الدّولي حيث يتراوح مجموع الكتب المترجمة عن العربيّة إلى الألمانيّة بين عشرة وأربعة عشر كتابا في السّنة وهو عدد ضئيل جدّا بل ومؤلم أيضا. والأغرب أنّ المستشرقين أنفسهم لم يعد لهم الاهتمام الكبير بالشّعر العربي فالرّأي العامّ الغربي يشكّ في أنّ هذا الجنس الأدبي قادر على بلورة صورة المجتمعات العربيّة اليوم، لذلك تنامى في أوروبّا نهم ترجمة ما يتّصل بالدّين الإسلامي فحسب خاصّة بعد أحداث 11 سبتمبر مقابل ضمور الاهتمام بالروافد الأدبيّة والفكريّة الأخرى، وأصبح بعض المستشرقين يقفون على أطلال الاستشراق الرّومانسي فينادون بعودته رغم ما جسّده من صورة غرائبيّة للشّرق. لنتساءل ماهي أسباب هذا التّردّي؟ أتعود إلى عجز في عرض الصّورة العربيّة وترويجها في الأوساط الغربيّة؟ يجيب شتيفان فايدنر ببساطة:" الثقافة العربيّة لا تعاني من عدم إدراك الغرب لقيمتها، بل تعاني من حقيقة أنّها لم تعط قواها الذّاتيّة القدرة على التّفتّح والازدهار. إنّها إذن لا تعاني من ضعف في عرض صورتها وحقيقتها فقط، بل تعاني من عيوب ذاتيّة لا يستهان بها، وتعيق إمكانيّة عرضها على نحو إيجابي." لقد سعت مؤسّسات ثقافيّة عربيّة عديدة إلى إظهار صورة ما عن العالم العربي، ولكن هل نجحت هذه المؤسّسات في صناعة هذه الصّورة وإتقان إخراجها وصياغتها وترويجها؟ ثمّ عن أيّة صورة نتحدّث؟ هل يريد الغرب مواصفات محدّدة لهذه الصّورة ؟
يتواصل الغرب مع الثقافة العربيّة من زاوية الإبداع المفرد ونعني بذلك أنّه يتعامل مع كتّاب وليس مع حركة كتابة، مع ظواهر كتابيّة وليس مع نمط كتابي ممتدّ وتلك ليست مشكلة الغرب عموما بقدر ما هي مشكلة عربيّة صميمة ولهذا في أغلب مجالات الفنون والإبداع الكتابي نتحدّث عن فنّانين ولا نتحدّث عن حركة فنّيّة، نتحدّث عن شعراء ولا نتحدّث عن حركة شعريّة، نتحدّث عن مفكّرين ولا نتحدّث عن حركة فكريّة. تلك مسألة لها دوافعها ومسبّباتها وما يهمّنا في هذا المقام أنّها ساهمت بشكل كبير في التقليل من صورتنا في واجهة بيعنا لمعلّبات هذه الصّورة، فلا أحد ينكر أنّنا مضطرّون إلى بيع صورتنا ولكنّ ذلك أمر عسير.
صرّح الكاتب الألماني هارتموت فندريش:" في منظور الجانب الغربي لم تعد العربيّة الضّفّة التي يذهب إليها المرء قصد الحصول على شيء يفتقده. فعدم الاكتراث يساعد في أفضل الحالات، على الإبقاء على القوالب الحالمة والمتخيّلة التي سيطرت على منظور الرّومانسيّين لهذا العالم(...) ومعنى هذا هو أنّ الطّلب على التّرجمات ضئيل جدّا، وبالتّالي فستظلّ المعرفة بشؤون العالم العربي متواضعة."
وإذا كانت تلك نتائج معرض فرانكفورت فإنّ نتائج معرض لندن الأخير أفدح حيث لم يكن الكتاب التّونسي حاضرا إلاّ بشكل شحيح جدّا ولم تثمر المشاركة الباهتة والتي دعمها البريطانيّون نتائج إيجابيّة باستثناء عرض مجموعة قليلة من المنشورات التّونسيّة على محكّ بيع الحقوق.
وجب إذن الاهتمام بصورتنا، بصناعة صورتنا تخصيصا خارج المنطلقات الحالمة، أي علينا أن نكون براغماتيّين في هذا الاتّجاه. ثمّ إنّنا لا نستطيع اليوم الحديث عن عمليّة التّرجمة من العربيّة ودفع الكتاب إلى مناطق قرائيّة جديدة في ظلّ غياب فهم واضح لطبيعة حركة التّرجمة الغربيّة فإذا كنّا نعتقد بأنّ ترجمة من طرف واحد قادرة على تحريك الوعي التّرجمي لدى الغربيّين فهذا مكمن الخطإ لأنّ التّرجمة من العربيّة تتطلّب تورّطا للنّاشر الغربي أيضا. ولكن كيف نقنع النّاشر الغربي على قبول ترجمة ما نريد وما نشتهي أحيانا ترجمته بتعلّة أنّه نموذج صورتنا في مرآة ذاتنا المثاليّة؟ يخضع النّاشر الغربي إلى مشروطيّة السّوق، إنّه تاجر قبل كلّ شيء وهو إذ يفكّر في الرّبح فذلك من طبيعة مهنته وهذا أمر في غاية البداهة، ولكنّ هذا التّاجر يشترط على حركة التّرجمة العربيّة أن تكون حرفيّة في المقام الأوّل ويعني ذلك أن تلتزم بأصول الملكيّة الفكريّة فتقدّم مشاريع التّرجمة من قبل النّاشرين لا من قبل الكتّاب بعد أن يستظهر بعقود واضحة يفوّض فيها الكاتب النّاشر للتّفاوض بشأن حقوق التّرجمة، ولهذا فالنّاشر الغربي يتعامل مع نظرائه من العرب الذين يحترمون أصول المهنة أو مع الوكلاء الأدبيّين الذين لم ينشأ لهم مكان بعد تحت شمس الثقافة العربيّة الغائمة. هناك دور نشر قليلة ترجمت عن اللّغة العربيّة وفق الوضوح القانوني المتبادل بين النّاشر العربي والغربي، وهذا يعني أنّ المشكل الأوّل في التّعامل مع النّاشر الغربي وإقناعه بترجمة الكتاب العربي هو مشكل هيكلي وقانوني، فدور النّشر الغربيّة هي التي تملك عموما حقوق التّرجمة ولذلك تنشط في هذا المجال وتعرض تلك الحقوق على نظرائها للبيع، ويصبح النّاشر هو الذي يقدّم الكتاب، يعرضه للبيع، يؤمن بضرورة تسويقه، ويتبنّى بهذه الطّريقة صاحب الكتاب أمّا دور النّشر العربيّة فقلّما تملك حقوق بيع ترجمة الكتب التي تنشرها لأنّ حقّ البيع يبقى للكاتب الذي لا يدرك أنّ أدبه وفكره لا يترجم ما دام النّاموس الذي يحتكم إليه هو دون الهيكليّة العامّة لحركة النّشر الغربي وهي الهيكليّة ذاتها التي من المفترض أن يخضع لها النّاشر العربي إلاّ أنّ مهنة النّشر العربيّة الفتيّة تحول الآن دون ذلك باستثناء بعض المجهودات لناشرين يؤمنون فعلا بالانخراط في حركة النّشر العالمي. فالنّاشر العربي بهذا الشّكل يعجز أن يكون ممثّلا للكاتب الذي ينشر لديه كتابا وهي لمفارقة عجيبة، إذ بدل أن يكون النّاشر هو الحريص على تمثيل كاتبه يضحى هذا الكتاب وحيدا وأعزل من كلّ مقوّمات التّواصل مع الطّرف الأجنبي وهذا ما حدث في معرض فرانكفورت حين بادر النّاشرون العرب إلى شراء حقوق التّرجمة بدل بيع الحقوق لأنّهم لا يملكون شيئا للبيع. وتبقى أغلب التّرجمات من العربيّة وليدة مبادرات مؤسّسات حكوميّة أو اتّحادات أو جمعيّات عربيّة أو مبادرات شحيحة للأطراف الغربيّة. وهو ما يعني أنّ هذه التّرجمات تتطلّب أيضا دعما مادّيّا وافرا لا يقدر النّاشر العربي على مواجهته بشكل انفرادي.
يمثّل النّاشر إذن طرفا أساسيّا في حركة نشر فكرنا وإبداعنا ولكن كيف يقوم النّاشر بدوره في سياق إنكار هذا الدّور وتهميشه وتجريمه من قبل الكتّاب؟ أليس من الواجب إعادة الاعتبار للنّاشر وتقدير مكانته في حركة الثقافة العربيّة وتفعيل وجوده، فكلّما ارتقت حركة النّشر ارتقت معها الثقافة وهو ما حدث ويحدث في البلاد الأوروبية؟ ولكنّ المؤسّسات مدعوّة أيضا إلى فهم هذا الدّور بيد أنّ النّظرة السّائدة للنّاشر تعرقل هذه الفعاليّة، ولهذا لا نجد في عمليّات رصد مقوّمات حركة الثقافة العربيّة حديثا عن دور النّاشر في هذه الحركة. لا معنى اليوم لكاتب دون ناشر ولا معنى للحديث عن انتشار ثقافتنا في الأوساط الغربيّة دون فهم للسياقات الغربيّة ودون أن نزيح صورتنا البطوليّة الزّائفة.
محمود طرشونة: سنة 2003 قدّمت مقترحات لتجاوز هذا الإشكال لم يؤخذ بأي منها
إنّ جميع الأطراف المشاركين في صناعة الكتاب متّفقة على أنه اليوم يمرّ بأزمة حادّة، فالمؤلف والناشر والموزّع والكتبي والقارئ كلّهم يشعرون أنّ الكتاب في تونس لم يعد يلقى نفس الاهتمام الذي كان يحظى به من قبل رغم كثرة المؤلفين وغزارة إنتاجهم. والتعليل السهل والمتسرّع والتبسيطي يحمّل المسؤولية لوسائل الاتصال الحديثة وصرفها القراءَ عن الكتاب وشأنه، فيرى البعض أن النشر الرقمي أزاح النشر الورقي، وأنّ التواصل بين الكتّاب صار يتمّ عبر الانترنات بعد أن كان يتمّ عبر الصحف والمجلاّت، ولكنّ الواقع غير هذا تماما، فالمسؤولية في نظرنا تعود أساسا إلى الناشر والموزّع والكتبي، وليس الكاتب إلاّ ضحية حساباتهم التجارية، وليست أزمة الكتاب ناتجة إلاّ عن هذه العقلية الجديدة القائمة على اقتصاد السوق ومنطق الربح والخسارة، والتغاضي عن كلّ غاية ثقافية أو منظومة فكرية أو متعة أدبية.
فالنّاشر مثلا تُعرَض عليه مئات المشاريع سنويّا في مجالات مختلفة فيُقصي كلّ مشروع كتاب يتوقع أنه لن يدرَّ عليه أرباحا وافرة فيزعم أن الشعر لا يباع، وأنّ القصة فات أوانها، وأنّ الرواية لا تجد قراء لها، وأن النّقد غير مرغوب فيه، وأن الكتب الفكرية معرّضة للحجز والمصادرة، فلا يستبقي غير الكتب النفعية، المدرسية أو شبه المدرسيّة التي يستعين بها ظرفيا التلامذة والمدرّسون، فتخسر عناوين كثيرة ويفوت على القرّاء خيْر كثير.
أمّا الموزّعون وأصحاب المكتبات فإنّهم يُعرض عليهم منتوج جاهز أنفق الكاتب وقته وأحرق أعصابه في إعداده، وأنفق الناشر (أو الكاتب نفسه) مَالَه لإخراجه في أحسن حُلّة، فلا يقبلون ترويجه بدعوى ضيق المحلّ وقلة الطلب وعدم السؤال عن الكتاب الجديد غير المعروف من قبل وغير المدرج في البرامج المدرسية والجامعية، فينتج عن ذلك إحباط الكاتب وخيبة الناشر، وتَوبة الأول النّصوح عن التّأليف، وتحوّل الثاني إلى الاقتصار على الصنف المطلوب بغاية الربح الوفير والدّخل المضمون. أمّا إذا تجاوز سعر الكتاب خطّا أحمر فإنه لا يلتفت إليه الموزّع.
وناشر كهذا وموزّع كهذا لا يُرْجى منهما بالطبع ترويج الكتاب خارج الحدود، فتلك مغامرة لا يُقْدم عليها أحد لأنه ترسّخ في الأذهان أن للقرّاء المشارقة شعورا بالاكتفاء الذاتي فلا يلتفتون إلى ما يأتيهم من المغرب العربي، ولا يفكّر المورّد المشرقي في توريد الكتاب التونسي كما لا يفكر الموزع التونسي في تصديره مهما كان الإقبال عليه، متعلّلا بالصعوبات المصرفية والقمرقية والرقابية وحتى التجارية ويقسم بأغلظ الأيمان أنه أرسل إلى هذا القطر المغاربي، أو ذاك القطر المشرقي كميّة من الكتب التونسية لا يزال ينتظر ثمنها منذ سنوات. فيتوبُ عن تصديره توبة نصوحا، ويبقى الكتاب حبيس المخازن والرطوبة والنّسيان.
وقد قدّمت بمناسبة السنة الوطنية للكتاب (2003) مقترحات لجملة من الحلول لا أرغب في التذكير بها لأنها بعد مرور خمس سنوات عليها لم يؤخذ بأيّ منها من قبل أي طرف من الأطراف و من أراد معرفتها فليعد إلى الكتاب الذي جمع فيه السيد يوسف الرمادي مقالات في الموضوع ونشرها في كتاب بمناسبة السنة الوطنية للكتاب.وهذا يدلّ على أن أزمة الكتاب في بلادنا أزمة مزمنة، عميقة الجذور، لا أمل في تجاوزها في القريب العاجل مهما صَدَقت النّوايا. ولن تصدق إلاّ إذا كان الدولار شفيعها.
أقوال في الكتاب
* دون الكتب يصمت الضمير، وتنام العدالة، وتقف الطبيعة جامدة، وتعرج الفلسفة، وتصاب الآداب بالصمم، وتطوي الظلمة سائر الأشياء.
(أ. بارتوليني)
* أمنيتي عندما يقضى نحبي أن يقال «كانت خطاياه كبيرة، أما كتبه فمقروءة»
(هيلير بيلوك)
* يتساوى الرجال في نظري، حتى يؤلف الواحد منهم كتابا.
(بنيامين جويت)
* الكتاب هو الخلود الوحيد
(روفوس تشوت)
* أشد الكتب حماقة وغباء المثقوب على بحر من الحكمة، يتسرب اليه بعضها على أي حال.
* أفضل ما في الكتاب ليست الأفكار التي يحويها وإنما الافكار التي يوحي بها، تماما كسحر الموسيقى لا يكمن في نغماتها وانما في أصدائها في قلوبنا.
(أولير وندل هولمز)
* ينبغي على الكتب أن تعلمنا كيف نستمتع بالحياة، أو كيف نتحملها
(صمويل جونسون)
أحمد الحمروني: الاعتماد على موزّع واحد لكل الناشرين
رغم الجهود المبذولة مازال حضور الكتاب التونسي في الخارج محدودا، لا يتعدى بعض معارض الكتاب. وهي معارض لا يقدر اغلب الناشرين التونسيين على المشاركة فيها لان مداخيل المبيعات لا تغطي تكاليف النقل والاقامة والشحن وكراء الجناح، فكلفة ايصال الكتاب الى الخارج اكبر من سعره ذلك ان الكتاب التونسي يختلف عن سائر المنتوجات المصدرة وباقي المواد الاستهلاكية، وقد تعود الاجنبي على الزيت التونسي وعلى التمور التونسية، ولم يتعود على الكتاب، بل لا يشعر بحاجة اليه بقدر ما نشعر نحن بالحاجة الى كتاب الآخر. فالتبادل في هذا المجال بين الشمال والجنوب غير عادل. ولابد اذا من تدخل الدولة لدعم الناشرين والموزيعين لتسويق الكتاب في الخارج على غرار ما تفعل للاشهار السياحي ولترويج منتوجاتنا من الصناعات التقليدية كالزربية وغيرها. ان فكرة موزع واحد لجميع الناشرين حل مشروع بالنزاهة وحسن التعامل بينهم وان بدا صعبا اعتبارا لاختلاف توجهاتهم من المشتغلين على الكتاب الثقافي الى المتخصصين في الكتب شبه المدرسية.
ولكن التجربة ممكنة وميسرة او يجب ان تكون كذلك في المستوى المغاربي وعلى الاقل مع الجزائر وليبيا وللاسف نسجل غياب التبادل بين هذه البلدان رغم ان الكتب المطبوعة هنا او هناك تتقاسم اهتمام القراء اذ لطالما توسع التاريخ التونسي والادب التونسي على كامل بلدان المغرب العربي هذا فضلا عن العوامل المشتركة من لغة ودين واصل وثقافة ومستوى النمو في الحاضر وافاق المستقبل من هنا نبدأ قبل التوجه بالكتاب التونسي الى اوروبا والشرق العربي وما وراء البحار كما يقال.
ولكن البداية الحقيقية بتدخل مختلف الاطراف في الداخل لاجل مصالحة التونسي مع الكتاب والمطالعة ولاجهزة الاعلام ودور الثقافة والشباب وحتى المؤسسات الاقتصادية فضلا عن المجال المدرسي والجامعي دور كبير في النهوض بصناعة الكتاب. ولاشك ان الاستشارة الوطنية في هذا الموضوع الخطير على الثقافة واللغة والهوية والوطنية بالنسبة الى الشباب ستقترح حلولا متكاملة لانقاذ الموقف وفق القاعدة العكسية بين سعر الكتاب وعدد النسخ المطبوعة فالتوزيع المحكم داخل الجهات يستهلك ويتطلب رقما اعلى من السحب بما ينعكس بالايجاب على ثمن البيع وبالتالي على القدرة الشرائية.
ولابد من تصحيح خطإ شائع لدينا وخطير عندما نعتبر ان العولمة بما افرزته من تقنيات رهيبة في الاتصال، من الاعلامية الى الانترنات، منافس للكتاب الورقي بما يسمى بالكتاب الرقمي. هذا غير صحيح في البلدان المتقدمة حيث تشهد طفرة في النشر والتوزيع والقراءة مستفيدة من تلك التقنيات.
ولابد كذلك من تصحيح العقلية حتى لا يتحرج مسافر بواسطة القطار او المترو او الحافلة من فتح كتاب بدل تصفح جريدة مهووسة بكرة القدم.
وهذه فرصة معرض تونس الدولي للكتاب، نرجو ان تكون خاصة بالكتاب بلا منافس من الاقراص المضغوطة، بقدر ما نرجو من العائلة التونسية ان تطلع على الكتاب التونسي عسى ان يصبح اقتناؤه عادة شهرية محمودة، والا تقتصر على الكتاب الاجنبي فيتحول معرضنا الى ربح للآخرين وخسارة لنا.
الجيلاني بن الحاج يحيى: لنضمن توزيع الكتاب في الداخل أولا قبل التفكير في الخارج
الحديث عن الكتاب التونسي يبدأ من الحديث عن تواجده بالسوق، ووجوده في متناول القارىء، وهي مسألة تجر الى قضية التوزيع التي تبدأ المسألة من داخل البلاد، قبل الانتقال الى الخارج كم هو عدد المكتبات التجارية في بلادنا؟ وماهي احوالها واوضاعها؟ والدور الذي تلعبه اذا ما استثنينا عددا ضئيلا منها، واستثنينا معه دور المكتبات عامة في بيع الكتاب المدرسي، والموازيات التي تشترى اضطرارا وليس خيارا!
ثم ماذا عن دور التوزيع وشبكات التوزيع الموكول اليها ايصال الكتاب الى نقاط البيع بسائر ولايات الجمهورية التونسية.
افضل الكتب التونسية تطبع في ثلاثة الاف نسخة (وهو رقم قياسي) اذا ما تيقن مؤلفوها (او الناشر) سلفا بان وزارة الثقافة والمحافظة على التراث ستقتني منها الكمية التي تغطي تكاليف الطبع لتوزيعها على المكتبات العمومية ربما الاستثناء الوحيد ان صحّ ظني يهم الكتب المدرجة في برامج التعليم وشراؤها من باب مكره اخاك..
سمعت البعض يتحدث عن ارتفاع سعرالكتاب التونسي بما يجعل (قفة) المواطن تضيق به لاسيما بعد ان طفح ما تبقى من زواياها الضيقة بمعاليم (كارطة تونيزيانا وتلكوم) التي لم تكن مدرجة في اولويات المواطن اندراج (الباقيت) والفلفل، والطماطم، والمقرونة) وما لزم من ضرورات المأكل، والملبس، والمشرب، ومصاريف دراسة الابناء، والنقل، وفواتير استهلاك الماء، والاوناص، والكهرباء والغاز..) الخ... دون احتساب السجائر وما يتبعها من الكماليات، والتي تنضب معها (الشهرية) قبل طلوع الهلال!
سعر تذكرة الدخول الى ملاعب كرة القدم يضاهي سعر كتاب تونسي عى اقل تقدير، والمواطن التونسي خاصة من الشباب يقبل على ذلك حتى لو اقتضى الامر اللجوء الى السوق السوداء!
فلمن يكتب الكاتب؟ وهو سؤال اخر جدير به ان يطرح طالما طرح الكتاب جانبا. الكاتب التونسي انواع منه من يكتب للطفل، ومنه من يكتب في الرواية، ومن يؤلف شعرا، ومن ينقّب في التراث، ومن يعالج قضايا التاريخ، والمجتمع، والسياسة، وغيرها من العلوم الانسانية.. الخ ولن تجد كاتبا يعترف صراحة بانه تناول كتابا نشره ليعيد قراءته، وكانه ليس هو كاتبه، فلم يقو على المضي حتى النهاية.
واعني هنا مسألة قيمة الكتاب التونسي من حيث المضمون، وهل يكفي التعذر بضعف مسالك التوزيع المسؤولة على ايصال الكتاب للقارىء لتفسير مشاكل الكتاب التونسي؟
هذا الموضوع يصعب فتحه الآن لما يحمله من حساسيات تمس بعض الكتاب التونسيين بشكل عام، مع استثناءات معتبرة والحمد لله، ولكن الاجدر بالنقاد ان يتناولوه!
ولان الله لا يغير ما يقوم حتى يغيروا ما بانفسهم، فاما ان تواصل وزارة الثقافة دعم الكتاب بالطريقة السارية اليوم، اي اقتناء كمية من الكتب المطبوعة، او ان تتكفل بصفة مباشرة بالتأليف، والابداع، والنشر، والتوزيع، والشراء، والقراءة وتفض هذه المشكلة من اساسها.
اما الطريقة الاخرى، فهي ان تفتح الوزارة حوارا جديا مع كل الاطراف المعنية بهذا الموضوع، من اصحاب المكتبات والموزعين والناشرين، واصحاب المطابع، وموردي الورق، والكتاب، والجامعيين، واخصائيي البرامج التعليمية من اجل بلوغ جملة من الاهداف الكبرى تجمع بين مختلف الاطراف المعنية بشؤون الكتاب، وهي: الكاتب (مسألة الابداع) والناشر، والكتبي (تجارة الكتب)، وصاحب المطبعة (صناعة الكتاب)، والقارىء (الذي نشأت فيه ثقافة او سلوكات جديدة عمادها الصوت والصورة عبر مختلف الاجهزة الحديثة كالاثير والانترنات..) الخ
وهذه بعض العناوين الكبرى للاسهام في معالجة قضية الكتاب وهي: ادراج الكتاب التونسي قدر الامكان في جميع مراحل التعليم شريطة توفر مقاييس علمية من اسلوب كتابة، ومضمون، وقدرة على تنمية الفكر النقدي لدى التلاميذ والطلاب، واثراء لغوي.. الخ
العناية الخاصة بكتاب الطفل شكلا ومضمونا، والبحث عن طرق ناجعة لمساعدة المكتبات التي تبيع الكتب فقط دون الادوات المدرسية، كالاعفاءات الجبائية وغيرها من وسائل التشجيع.. الخ


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.