طرابلس تونس الشروق من عبد الحميد الرياحي: قصّة تونس مع افريقيا هي قصّة تلاحم بين بلد وقارة... تلاحم كرّسته الجغرافيا ووضع أبجديته التاريخ ويصوغ مضامينه الرجال والقادة العظام عبر تواتر الحقب والأزمنة... والرئيس بن علي هو ذلك القائد المصلح المجدّد الذي جدّد مضامين هذا التلاحم بين تونس والقارّة السمراء... وذلك الرجل الذي حُمّل الأمانة فحملها بأمانة واقتدار أصالة عن تونس الساكنة ثنايا وزوايا القلب والعقل والروح... وبرّا بإفريقيا ساعة نادت فهبّ ملبيّا النداء... مجاهرا بصوت افريقيا وبرسالتها الى شريكها الاوروبي... بما تتضمنه الرسالة من صدق المعاني وعمق المضامين... وبما تتطلبه أسس الشراكة الناجعة وأصول التعاون المثمر من مصارحة ومن صواب في التوصيف ودقة في الوصفة. فلقد كتب التاريخ منذ الأزل أن تونس الخضراء هي بوابة افريقيا وجسر عبورها الى القارة العجوز أوروبا. ولقد كتب منذ الأزل أن بلادنا سوف تتلبّس هذا الدور حتى تلبسه ليبلغ الالتحام مداه بأن تمنح بلادنا اسمها الى قارتها لتصبح هي الرمز والعنوان الى أن يرث الله الأرض ومن عليها. هذه المقادير استحضرها ابن تونس وابن القارة السمراء البار الرئيس زين العابدين بن علي وهو يخلّص تونس من مخالب التغريب والتفسخ ويعيدها سمراء متألقة الى محيطها الافريقي... واستلهم منها معاني الأمانة (أمانة الجغرافيا والتاريخ) ليعيد صياغة مفردات الرسالة... رسالة افريقيا الى محيطها القريب والبعيد... ورسالة الانسان الافريقي بما فيها من ألم وشكوى وبما فيها من توق صادق وطموح مشروع للخروج من واقع التخلف بما فيه من ضيق وبؤس وامراض وأوبئة وصراعات وتهميش الى دنيا التقدم بما فيها من تنمية شاملة مستدامة وبما تحققه من اكتمال لانسانية الانسان الافريقي وبما توفر من امكانات الاسهام الفعال في صياغة الحضارة الانسانية. ولقد كانت مقادير الجغرافيا واحكام التاريخ وقداسة الأمانة وصدق الرسالة حاضرة مع الرئيس بن علي وهو يتنقل الى أرض الجماهيرية العظمى ليحضر بطرابلس (29 30 نوفمبر 2010) فعاليات قمّة افريقيا أوروبا الثالثة (الاولى القاهرة 2000 والثانية لشبونة 2007) وليقدم باسم القارة الافريقية المحور المتعلق ب «الاندماج والبنية الاساسية والعلوم والتكنولوجيا وتكنولوجيات الاتصال والقطاع الخاص». وبالفعل، فإن بلادنا راكمت على مدى سنوات التغيير من المكاسب والمنجزات ما مكّنها من تجسيد مشروع مجتمعي واضح المعالم، مكتمل القسمات... حقق للمواطن وللوطن نقلة نوعية جبّارة تلامس الاعجاز بمقياس الزمن وحجم المنجز... مشروع وضع بلادنا في طليعة البلدان الصاعدة ومكنها من أن تصبح عنوانا بارزا لمنوال تنموي فاض اشعاعه عن محيطه الاقليمي ليطبق الآفاق القصيّة وليجعل الحديث عن معجزة تنموية تونسية حديثا تلهج به شخصيات عالمية ومؤسسات دولية لا تعرف للمجاملة ورمي الورود سبيلا... كل هذه النجاحات، وكل هذا الرصيد من الاشعاع والمصداقية يعطي بلادنا كل الأهلية والأحقية في التحدث باسم شعوب القارة ودولها... ويجعل بلادنا صوتا مسموعا وذا مصداقية لدى شركاء افريقيا الأوروبيين. وهي أمانة حملها الرئيس بن علي بهمّة واقتدار وطفحت بها مضامين المداخلة القيّمة التي ألقاها في قمة طرابلس والتي كانت عبارة عن خريطة طريق لانجاز شراكة افريقية اوروبية ناجحة ترتكز الى تكافؤ الفرص والمصالح المشتركة وتبني علاقات متينة مستندة الى الوضوح والثقة والنزاهة والشفافية... كل ذلك وفق رؤية استراتيجية واضحة لا مجال فيها للعشوائية ولا للارتجال ولا للانتظار وتكديس الرغبات والأماني. الشراكة بين افريقيا وأوروبا هي حلم مشترك ومشروع مشترك... والمنطق السليم يقتضي أن ينخرط الطرفان في الحلم وان تغمرهما نفس القناعة لمشروع الشراكة... وهذا لن يتأتى الا من خلال «تقديم برامج عمل واضحة المعالم، وارساء آليات للمتابعة الدقيقة والشاملة تحفز الجانبين الى تكثيف مجالات التعاون والتكامل على المستويين الثنائي والاقليمي»،وهي مضامين الوصفة التي لخّص بها الرئيس بن علي المسألة في بداية مداخلته... لا مجال في الشراكة الفاعلة إلا للصدق في النوايا والاخلاص في العمل... وهو ما لا يتحقق الا متى استند الى قدر من الوضوح والعقلانية ومتى ارتقينا الى وضع اطار عمل مؤسسي يفعّل الارادة السياسية للشريكين ويجسّد مضامينها ويتابع انجازها في مختلف المجالات... ومنذ بداية الكلمة تبدّت لجميع المتابعين للكلمة والمطّلعين على تفاصيل مضامينها منهجية الرئيس بن علي التي ارتقت لتصبح عنوانا لأسلوب في الحكم وفي تسيير دواليب الدولة ومواكبة وضع البرامج التنموية ومتابعة انجازها وهو أسلوب جرّب في بلادنا واعطى نتائج مبهرة... ويحق له أن يصبح عنوانا واختزالا لعملية افريقية جديدة تقطع مع العشوائية والمزاجية وتقنع شركاء افريقيا الاوروبيين بأن دول القارة قد بلغت درجة من الوعي والنضج ما يؤهّلها لأن تكون شريكا كفءا ومسؤولا ويمكن معه بناء مصير مشترك يؤمن تنمية مستدامة للضفة الجنوبية للمتوسط ولعمقها الافريقي ويضمن أمنا واستقرارا للضفة الشمالية ولعمقها الاوروبي حتى تخوم الاورال لن تنعم بها الا متى اقتنعت بالخروج من شرنقتها وبأنه يستحيل عليها العيش الهانئ وسط جزيرة من الرخاء إذا كان محيطها يتخبط في البؤس والفقر والأمراض والأوبئة. لذلك جاءت مداخلة الرئيس بن علي، تعبيرا عن ضمير افريقيا... وبمثابة صرخة افريقية من صوت افريقي عارف بمشاكل القارة وبمشاغل شعوبها... وعارف باستحقاقات التحولات العالمية وبضرورات التفاهم والتعايش والتعاون والتكامل بين ما أفرزته من تجمعات ومن فضاءات اقليمية وجهوية... وفوق هذا وذاك مدرك للطرق الموصلة الى الأهداف المشتركة... وهذا الالمام وهذه الدراية وجدا خير تجسيد لهما في الأفكار التي طرحها الرئيس بن علي انطلاقا من تشخيصه الدقيق لوضع التعاون بين افريقيا ومقتضياته في ما يخص «الاندماج والبنية الاساسية والعلوم والتكنولوجيا وتكنولوجيات الاتصال والقطاع الخاص» وهي مجالات نكاد نجزم بأنها العمود الفقري الذي يُبنى عليه تقدم الدول ونهضة الشعوب... والرافعة التي تقوى على حمل شراكة بين قارتين (افريقيا واوروبا) يمثلان مع بعضهما ربع سكان العالم وأكثر من ثلث الدول الاعضاء في الأممالمتحدة. وبالنتيجة جاءت الآليات والهياكل المقترحة للانجاز والمتابعة متنوعة وشاملة وملتحمة باحتياجات واستحقاقات شراكة فاعلة للطرفين الافريقي والاوروبي... آليات وهياكل تتآلف في نهاية المطاف لتحقق الهدف الكبير المتمثل في جسر الهوة التنموية التي تفصل الطرفين وفي التأسيس الى شراكة فاعلة خالية من كل بذور الشك والريبة... نقية من كل نوازع للهيمنة والاستغلال... شراكة لا تجعل من القارة السمراء مجرّد مناجم للخامات ومن الأفارقة مجرّد أرقام تسبح في أسواق تسيل لعاب الاحتكارات.. شراكة تؤمن لمئات الملايين من الأفارقة مقومات تنمية مستدامة تحقق للإنسان سبل ومقومات العيش الكريم.. وتقطع الطريق على ظواهر الانحراف والتطرف التي تستشري حيث يعشش الفقر وينتشر التخلف بما يصحبه من أمراض وأوبئة وبما يولده من ظواهر عابرة للقارات لن تنفع لاستئصالها غير شراكة واعية ومثمرة تنشر الخير والنماء والرخاء لدى الشريكين الافريقي والأوروبي عموما ولدى الشريك الافريقي خصوصا الذي يفترض أن لديه فوق كل استحقاقات الحاضر والمستقبل دينا ينتظر تسديده ممثلا في فظاعات الحقبة الاستعمارية بما صحبها من نهب للخيرات ومن تجهيل للشعوب ومن تأجيل وهدر لفرص التنمية. «لقد آن الأوان لارساء شراكة متينة ومتضامنة»... كلمات ختم بها الرئيس بن علي مداخلته وهي حبلى بالعبر والمعاني.. وتآلفت لتكون بمثابة وصفة للعبور إلى «بناء فضاء افريقي أوروبي مشترك يعتمد ترابط المصالح وتبادل المنافع» ليكون «عامل دفع إيجابيا للتطور والنماء في دولنا وفي العالم». وهي وصفة كفيلة بتعميم النماء والأمن والرخاء داخل الفضاءين الافريقي والأوروبي.. هدف لن يتحقق إلا بصدق النوايا وخالص العزم على التخلص من قيود الأنانية ونوازع الهيمنة والاستغلال وولوج عالم الشراكة المتكافئة والمتضامنة.. وذلك هو جوهر رسالة تونس أصالة عن افريقيا.. وتلك هي طريقتها في التعبير عن عمق الانتماء إلى قارتها وإلى محيطها الاقليمي وفاء لمقادير الجغرافيا والتاريخ.. وبرّا بأمانة الرسالة.. رسالة الحاضر والمستقبل...