انحازت الحافلة رقم 28 إلى يمينها بسرعة وتوقفت بشكل مفاجئ مثيرة خلفها الغبار قبالة قسم الاستعجالي بمستشفى شارل نيكول بشارع 9 أفريل ظهر الخميس الماضي. فتحت أبوابها وقفز راكبوها خارجا يهرولون في كل اتجاه... حتّى السائق غادر كرسيّ القيادة مهرولا خارج الحافلة. إحدى الراكبات سيدة في العقد الخامس من عمرها جرت حال نزولها محملة بمحفظتها اليدوية وكيسها البلاستيكي متعثرة بمعطفها الطويل باهت اللون تطلب النجدة «أرجوكم المساعدة لقد صدم أحدهم في الطريق وسيموت». خلف الحافلة تعطلت حركة السير في وقت يعرف بساعة الذروة بالنسبة إلى مستعملي الطريق... وتجمهر عدد من الركاب ومن المترجلين يستجلون مدى إصابة طريح الطريق. الاصابة المصابان، فتاة وشاب، يبدو أنهما طالبان في المعهد العالي ابن شرف كما بدت اصابتهما متفاوتة. كانت الفتاة ملقاة على بطنها والدم ينزف بشدة من رأسها. تنتابها بين الفينة والأخرى ارتعاشة في جسدها فتنتفض بقوة وعلى مقربة منها تناثرت أغراضها الشخصية... محفظتها اليدوية وحاملة أوراقها وهاتفها الجوّال. وكان الشاب ملقى على ظهره والدم ينزف بدوره من رأسه لكنه لم يكن في غيبوبة إذ تحدث إلى المتجمهرين من حوله شاكيا وجعا لا يطاق في يمناه. نصحه أحدهم «حاول أن لا تتحرك لأن أي حركة خاطئة قد تضاعف من إصابتك أو قد تحدث لك نزيفا». مرّ على حصول حادث الاصطدام حوالي عشر دقائق ورغم قرب المسافة بين مكان الحادث وقسم الاستعجالي لم يتم اسعاف المصابين. الاسعاف المتأخر ظلّت السيدة ذات الخمسين من العمر تتعثر بمعطفها الطويل مهرولة بين مكان الحادث وقسم الاستعجالي تطلب نجدة لم تأت بعد... دون أن تخفي تذمرها من سرعة مفرطة كانت تسير بها الحافلة... «لم أفهم لماذا كان السائق يقود بهذه السرعة رغم أن الحافلة مكتظة» هكذا كانت تتمتم. وفي مكان الحادث تزايد عدد الفضوليين وحلّ رجال الأمن لتسيير حركة المرور وسرعان ما تعالت أصوات التخاصم بين أصحاب السيارات حول أولوية المرور. وقرب المصابين تبادل شهود عيان روايات مختلفة عن كيفية وقوع الحادث... البعض قال إن شاحنة صغيرة حمراء اللون كانت محملة بالرمال صدمت المترجلين وهرب سائقها. والبعض الآخر قال إن المكان مشؤوم لأن الحوادث تتواتر فيه ويموت فيه الكثيرون لأن المترجل لا يجد مكانا يمر منه وحين يغامر بالمرور... يصطدم بإحدى العربات. مخفض سرعة وتساءل شاهد عيان آخر حول عدم وضع مخفض سرعة في المكان خاصة وأنه يقع قبالة قسم استعجالي يشهد يوميا حركة نشيطة للمترجلين. كما تحدث المتجمهرون حول المصابين عن تأخر الاسعاف وقال أحدهم «إننا على بعد حوالي 20 مترا عن قسم الاستعجالي وقد مر على وقوع الحادث أكثر من 10 دقائق ألم يخبرهم أحد؟». خارج تلك الكوكبة من الفضوليين استمرت السيدة ذات المعطف الطويل تهرول نحو قسم الاستعجالي... ممسكة بيمناها محفظتها اليدوية وبيسراها أتلفت دون وعي منها كيسها البلاستيكي. دفعت باب الاستعجالي وأخبرت موظف الشبّاك ومنه مرّت لاعلام موظف آخر كان في مكتبه في الرواق الداخلي للقسم «أرجوكم هناك حادث اصطدام وسيموت الضحايا إن لم يتم اسعافهم»... وعادت لتهرول من جديد. «برودة» الاسعاف... لماذا؟ بعد دقائق تم اخراج سرير اسعاف جرى به أشخاص عاديون وليسوا اخصائيين كما بدا ذلك... إذ أنهم لم يكونوا بالبدلة البيضاء. وتم أولا اسعاف الفتاة التي كانت في حالة اغماء تامة خاصة وأنها نزفت لأكثر من عشر دقائق. الحادثة كما هي نقلناها إلى الدكتور نوفل السمراني المكلف بوحدة الطب الاستعجالي بوزارة الصحة نسأله حول «برودة» تدخل الاسعاف في حادث خطير وقع على بعد خطوات قليلة من قسم استعجالي وحول مدى استمرارية، تأخر الاسعاف الطبي عموما. الخطأ وارد قال الدكتور السمراني إنه لن يتحدث حصريا عن الحادث المذكور ما لم يتم التثبت من وقوع التأخير في الاسعاف من عدمه وهي مسألة سيتم النظر فيها مع القسم المذكور لاتخاذ الاجراءات اللازمة في حال ثبوت التأخير... لكنه سيتحدث بشكل عمومي حول الاسعاف الطبي. وعبّر المتحدث عن اعجابه بتدخل المواطنين ورغبتهم في الاسعاف وهذا هو المطلوب حسب قوله... فالحوادث سواء جدّت قرب المستشفيات أو بعيدا عنها يحتاج ضحاياها إلى مسعفين أولين وهؤلاء وجب أن يكونوا مواطنين سواء سوّاق عربات أو مارة أو غيرهم. وفي ما يتعلّق بتأخر الاسعاف أقرّ المتحدث بوجود بعض حالات التأخير وهي حالات ترتبط أساسا بمدى وعي المسعف ومدى رغبته حقا في تولّي عملية الاسعاف. كما قال إن الخطأ وارد وقد يصدر عن الموظف الاداري كما قد يصدر عن المواطن مؤكدا أن اتقان أداء الوظيفة يظل ضربا من ضروب الوطنية.