شهدت منطقة تاجروين مؤخرا حوادث أليمة راح ضحيتها ثلاث نساء وأصيب 10 آخرون بإصابات متفاوتة الخطورة. هذه الحوادث الأليمة جدّت كلها على الطريق الوطنية رقم 17 التي عرفت تهيئة كبيرة حيث أصبحت شاسعة وتسمح للتجاوز دون خطورة تذكر وقد ثبتت عدة لافتات على طول الطريق تنبه الى خطورة السرعة وضرورة الالتزام بقواعد المرور. لكن كل هذا لم يمنع من حدوث هذه الحوادث القاتلة التي خلفت الأسى والحسرة لدى العديد من العائلات. كل شيء كان عاديا فالعائلة كانت تحتفل بزفاف أحد أفرادها وتستعد للتوجه الى القيروان موطن العروس وسط زغاريد النسوة وفرحة العمر للعريس. انطلق الركب في جو بهيج وعند الوصول الى المنطقة المعروفة ب«كاف الطير» التي تبعد حوالي كليلومترين عن مدينة تاجروين انفلقت عجلة احدى السيارات ولم يعد السائق يتحكم في المقود فمالت السيارة يمينا وشمالا ثم انقلبت عدة مرات، «لتتّجه الى الأعلى في حركات جنونية كأنها تبحث عن النجاة فقد تفادت المنحدرات لتحاول الصعود الى الجبل».. هكذا وصف أحد الشهود السيارة زمن وقوع الحادث. الحادث كان قويا ومفاجئا انفتحت معه أبواب السيارة فقذف من كان بداخلها الى الخارج وسقطوا جميعا على الأرض. تعالى الصياح والأنين واختلطت الدماء بالتراب الى حين وصول سيارات الاسعاف التي حملت المصابين الى المستشفى المحلي بتاجروين أين قدمت لهم الاسعافات الأولية. انتشر الخبر بسرعة وتحول الفرح الى حزن وعوض سماع الزغاريد تعالى النواح والعويل فقد توفيت احدى الراكبات وسرعان ما سرى الخبر كسريان النار في الهشيم وبدأ المعزّون يتوافدون على منزل القتيلة المعروفة بطيبتها وحسن المعاشرة وتناثرت الكراسي على حافتي الطريق وتعالى الصياح والبكاء المرير. في أثناء كل هذا لازم عدد من أفراد العائلة المستشفى للاطمئنان على بقية المصابين. ولكن المصائب لم تكتف بهذا فقد توفيت امرأة أخرى وزاد الألم على الألم وفاض كأس الأسى. وبعد إتمام مراسم دفن المرأة الأولى تحول المعزّون الى مقر سكنى الثانية في منطقة «سراط» في جو حزين ورهيب. الأخوان فقدا زوجتيهما في لمح البصر.. و«هكذا هي الحياة تستقبل بالزغاريد وتودع بالبكاء» هذا ما استطاع أن يقوله أحد أقارب الضحيتين. جاءت... لتتزوّج في نفس الحي وغير بعيد عن محل سكنى المرأة المتوفاة في الحادث الأول تناقل السكان خبر وقوع حادث ثان في منطقة سيدي أحمد الصالح بالقلعة الخصبة وأصيب على إثره عدد من شباب هذا الحي.. تعالى الصياح من جديد فالحادث الأول مازال عالقا في الأذهان والمعزون ما زالوا يتوافدون على على الحي. أسرع البعض الى المستشفى والبعض الآخر تحول الى مكان الحادث لمواكبة الاسعافات الأولية. «لقد وجدتها ميتة داخل سيارتها كانت متشبثة بالمقود في محاولة يائسة للوقوف، عيناها مفتوحتان كمن يمعن في شيء لن يراه ثانية».. مشهد حدثنا عنه أول الوافدين على موقع الحادث للمرأة المتوفاة. وصلت سيارات الاسعاف وحملت الجرحى الى المستشفى المحلي بتاجروين أين تمّ إسعافهم ثم نقلوا الى المستشفى الجهوي بالكاف. كنا أول الواصلين الى المستشفى وبحكم معرفتنا بكل المصابين لم نجد أية صعوبة في معرفة سبب الحادث. فقد ذكر لنا أحدهم أنهم كانوا متجهين الى منطقة فوسانة بولاية القصرين وعند الوصول الى منطقة سيدي أحمد الصالح على مشارف القلعة الخصبة تفاجأ السائق بخروج سيارة سياحية من منعطف دون أن تتوقف، فكان الاصطدام العنيف رغم محاولة السائقين الهروب كل في اتجاه لتجنب المأساة.. في هذا الجو الحزين ووسط حركة كبيرة في القسم الاستعجالي بالكاف اخترق سمعنا صوت فتاة تصيح وتقول «لقد كانت حنونة وعطوفة وساعدتنا في معيشتنا كانت سندنا منذ أن عرفناها». عرفنا أنها تتحدث عن المرأة الأجنبية التي توفيت على عين المكان. فقد تعرف عليها أحد أبناء هذه العائلة وربط معها علاقة سرعان ما تحولت الى مشروع زواج. كانت تزورهم باستمرار وآخر مرة قدمت مع ابنتها البالغة 25 سنة من العمر بينما الأم لم تتجاوز 45 سنة لتحضر معها مراسم زواجها. كان همّ الشباب السفر الى الخارج والالتحاق بعالم جديد كان يحلم به منذ مدة كبقية شباب المنطقة. وتضيف الفتاة الملتاعة بنيران الحزن «لقد طلبت منا أن نضع الحناء في يديها في الليلة الفارطة فحققنا لها طلبها بكل بهجة وسرور وفي الصباح امتطت السيارة مع أخي وابنتها للتوجه الى مدينة الحمامات لقضاء عدة أيام». ولكن شاء القدر أن لا تتم الفرحة. في المستشفى شاهدنا الابنة ممدّدة تنظر بعينين حائرتين دامعتين لا تدري ما يدور حولها فلغتها الألمانية وعدم معرفتها للعربية جعلاها تعيش في حيرة وسط فضول الحاضرين. وقد تمّ الاحتفاظ بجميع المصابين داخل المستشفى للمراقبة الطبية. وتتواصل المآسي في نفس اليوم حيث سرعان ما انطلقت سيارة إسعاف معلنة عن حادث اصطدام بين سيارتين على الطريق الرابطة بين مدينتي تاجروين والكاف ومن حسن حظ الركاب فالحادث لم يسفر عن قتلى وأصيب عدد منهم بجروح نقلوا على إثر ذلك الى المستشفى وخرجوا جميعا سالمين.