دهشة خلفتها الصدمة... ودموع امتزجت بالصراخ والعويل... لحظات طويلة مرّت على ركاب الحافلة الصفراء المزدوجة (زينة وعزيزة) اثر فقدان السائق السيطرة على الحافلة التي كانت مكتظة بالركاب نساء وأطفالا ورجالا وطلبة... فانقلبت الى وسط الطريق بعد 15 دقيقة من مغادرتها المحطة الرئيسية بمرناق في اتجاه محطة برشلونة وذلك على مستوى منطقة شالة. الحادث الأليم خلّف قتيلتين على عين الكان هما الطالبة الجامعية سهام الساحلي 24 عاما وتدرس اختصاص التخدير والفتاة نجوى بن غالية (29 عاما). المصابون بالعشرات ممن سقطوا من الحافلة إبّان انشطارها الى نصفين... لم يكن المشهد بالهين صبيحة أمس لا على الركاب فحسب بل حتى على نفوس المارة ومستعملي الطريق من السيارات... حيث تعطلت حركة المرور لأكثر من ساعتين... وحلّت سيارات الاسعاف، وسيارات الشرطة وأعوان حوادث المرور، لاجلاء المصابين... «... كانت الحافلة تطوي الطريق طيا... كان السائق مسرعا... وآخر كلمات سمعتها كانت نداء من بعض النسوة وهن يصرخن على السائق بأن يخفف السرعة...». هكذا تحدثت بكلمات متقطعة الطالبة والمتربصة سندة البالغة من العمر 22 ربيعا وهي ممدّدة على سرير المستشفى بالياسمينات تتلقى العلاج والاسعافات الأولية... كانت شبه منهارة من الصدمة وهي تسترجع الواقعةوتسترجع آخر صورة رأتها لطالبة جامعية من بنات حيّها لم يمهلها القدر لتنجو:»لقد ركبت الحافلة مع الجميع ممن ركبوها من المحطة الرئيسية بمرناق... وغادرت المحطة في حدود السابعة... كانت جد مكتظة حتى أن بعض الركاب بقوا من حسن حظّهم في التسلل... لم تدم تلك الرحلة طويلا، ربع ساعة فقط.... لقد كانت الحافلة رغم اكتظاظها مسرعة... فهي الحافلة الوحيدةالتي تغادر مرناق في ذاك التوقيت المهم». سكتت سندة لحظات تسترجع فيها أنفاسها لتضيف: «آخر كلمات سمعتها كانت صرخات انبعثت من حناجر بعض النسوة الراكبات في مقدمة الحافلة... صرخن وطالبن السائق بأن يخفف من السرعة... وآخر صورة رأيتها كانت لطالبة جامعية ابنة الحي الذي أسكنه... رأيت فقط ابتسامتها وهي تتحدث... لكن فجعت فيها بعد الحادث لأنها ماتت. لم يكن حال سندة أفضل ممن جاورها في سرير ثان داخل غرفة العلاج بقسم الاستعجالي وهو السيد علي ساسي... أب لعدد من الأطفال... والمصاب بعدة جروح وكدمات بيديه ورأسه... كان في حال شبه غيبوبة... يفتح عينيه لحظات ويغلقها...: «كنت في طريقي للمستشفى لاجراء بعض الفحوصات فوجدت نفسي منقولا اليه في سيارة اسعاف... كنت من ضمن الركاب في المقدمة والسرعة كانت كبيرة جدا... لم أفق إلا وقد وجدت نفسي ملقى على الطريق مثل غيري... حيث تكدست الأجسام فوق بعضها... لكن الحمد لله على كل حال فسأعود لأطفالي حيّا...». * الاكتظاظ والسرعة كان يسير بخطى ثقيلة وهو ينقل من غرفة عناية الى أخرى مشدودا الى خيوط المصل التي تشد يد منصف الحاج عمر أحد الضحايا من بين ركاب الحافلة... مازالت الصدمة تشد ملامحه الى الحزن وهو يتحدث إلينا: «لقد دخلت الحافلة الطريق السريعة تونس تركي... التي كنت أمتطيتها بعد أن فاتتني فرصة الركوب في التاكسي الجماعي... إنها الحافلة الوحيدة التي تغادر منطقة مرناق في ذاك التوقيت... مشكلة غياب النقل وعدم توفر الحافلات... وحالة الطريق معاناة يومية لنا... وها هي النتيجة... نجونا من الموت بأعجوبة فالحادث لم يكن سهلا». * 54 جريحا ... 54 جريحا هو العدد الجملي للمصابين في هذا الحادث الأليم وقد تم نقلهم جميعا إبان الحادث وعبر سيارات الاسعاف وسيارات الحماية المدنية التي تجندت في مكان الحادث إلى قسم الاستعجالي بمستشفى الياسمينات ببن عروس والذي تمكن الفريق الطبي به والفريق شبه الطبي من النجاح في إسعاف المصابين قبل أن يقع درس حالاتهم وإعادة توزيع العديد منهم على مستشفيات العاصمة بحسب الاختصاص في مستشفى شارل نيكول والرابطة ومعهد الأعصاب.. * نجحنا في التدخل «الحمد للّه تمكنا من احتواء المصابين جمعيهم» هكذا صرّح السيد محمد الحفيظي ناظر قسم الاستعجالي بالمستشفى والذي وجدناه متنقلا بين الغرف.. ليضيف: «قبلنا، نعم 54 حالة وهم مصابون كلهم بجروح بعضها حرجة لكنها غير خطيرة.. وتمكن الفريق الطبي وشبه الطبي بقسم الاستعجالي من احتوائهم جميعا فقد حضر كل أطباء المستشفى وتضافرت جهودهم لإسعاف الجميع.. كما أن مجمع الصحة الأساسية نفسه ساهم بسيارة الاسعاف الخاصة به، ولم نستقبل إلا حالتين فقط كانتا مفارقتين للحياة قبل الوصول إلى المستشفى. * بلاغ شركة النقل من جهتها أصدرت شركة النقل بلاغا عبرت من خلاله عن أسفها من وقوع الحادث الذي أصاب الحافلة المزدوجة عبر الخط 26 أثناء سفرة مسترسلة من مرناق في اتجاه محطة برشلونة وذلك على مستوى منطقة شالة، ووضحت من خلال البلاغ أن الحادث تمثل في انزلاق الحافلة إلى اليسار ثم إلى اليمين حيث حاول السائق تفادي سقوطها في منحدر على حافة الطريق مما انجر عنه انقلابها وانقسام الجزء المطاطي. وحسب البلاغ فإن الحادث أسفر عن وفاة مسافرتين على عين المكان وأنه احتفظ ب26 جريحا لاستكمال الفحوصات الضرورية وذلك إلى حدود منتصف النهار من ارسال البلاغ، الذي أوضح بأن الحافلة لا يتجاوز عمرها العامين و6 أشهر حيث دخلت حيز الاستغلال في 10 أكتوبر 2006 . * نظاما «ABS» و «ASR» .. هذا الحادث الذي نتمنى أن يكون الأخير ومهما تضاربت التصريحات حوله، فإنه الثالث من نوعه الذي يصيب حافلة مزدوجة بعد حادث «سيدي ثابت» وحادث «باب سعدون» وهذا ما يدفعنا فعلا للتساؤل هل أن حافلاتنا العمومية اليوم تخضع لنظام وسائل السلامة من خلال الفرملة الأوتوماتيكية وواقي الانزلاقات. ليس مهمّا أن تكون الحافلة جديدة أو قديمة لكن المهم أن تكون (من ناحية المحرك) تعمل ضمن منظومة السلامة المعمول بها عالميا حتى وإن كانت هذه التكلفة غالية نسبيا لكنها ضرورة حتمية لحافلات كتب لها منذ ولادتها أن تحضن أضعاف ما يمكن لها أن تحمل من الركاب. فنظام «ABS» الخاص بالفرملة ونظام «ASR» الواقي من الانزلاقات «anti derapage» والمعمول به اليوم في حافلاتنا التي تعبر الخطوط الطويلة.. يجب أن يتوفر في الحافلات الصفراء.. وقد علمت «الشروق» في سياق اعداد احد التحقيقات أن المصالح المعنية تسعى لتثبيت هذه الأنظمة في الحافلات التي ستخرج للطريق مستقبلا إلا أن الملفات ما تزال تحت الدرس.. فماذا ننتظر إذا؟