التصريحات الرسمية الواردة علينا من الخرطوم هذه الأيام، وإن اكتست نبرة الواقعية والرغبة في طمأنة الرأي العام العربي، فإنها تؤشر الى ان الانفصال بين شمال السودان وجنوبه، بات مسألة وقت فقط، وان الاخوة في هذا البلد، ربما باتوا يسلمون بالانفصال كأخف الضررين. آخر هذه التصريحات تلك التي وردت على لسان مساعد الرئيس السوداني، والتي قال فيها، محاولا طمأنة العرب، إن مناجم الذهب ستنقذ شمال السودان في حال الانفصال، وان الوضع الاقتصادي في شمال السودان قد يكون أفضل بعد الانفصال. وبطبيعة الحال ليس من عايش الحرب والحرمان وعدم الاستقرار جراء الحرب في الجنوب وفي مواجهة نزعة الانفصال لدى بعض الجنوبيين، مثل من يتابع الاوضاع السودانية من الخارج. اي ان السودانيين الذين اقروا الاستفتاء على مستقبل الانتماء في الجنوب، أدرى بشعابهم أكثر من غيرهم. فهم الذين اكتووا بنار الحرب، وواجهوا التدخلات الخارجية وكل المؤامرات التي صاحبت رغبة الانفصال في الجنوب، وربما في أقاليم سودانية أخرى. وصحيح أن المحرضين على الفتنة وعلى الانفصال في الجنوب، استهدفوا ويستهدفون باستمرار خيرات السودان بما في ذلك النفط الوفير في الجنوب، وبالتالي فإن امكانية الانفصال تدفع الى التساؤل عما يمكن ان يعوض على السودان نفطه الذي ستنهبه الجهات الدولية والاقليمية المحرضة على الانفصال... ولكن ورغم كل ذلك، فإن تداعيات الانفصال تتجاوز النفط والذهب والفضة والالماس واليورانيوم، وكل الثروات المنجمية الخيالية مجتمعة والتي قد تتوفر بعد ذلك في شمال السودان.فأرض جنوب السودان، وكل شبر من الارض العربية تظل أغلى بكثير من كل ذلك. وبدون ارض الجنوب وبدون فلسطين وبدون العراق، سيظل الجسد العربي مبتورا الى أن تلتئم جراحه بعودة ما اقتطع منه غصبا وحيلة وتآمرا. ثم ان انفصال الجنوب السوداني، هو مرحلة من مسار خطير يتهدد كل الامة بالبتر والتقسيم والفوضى. وفي سنوات قليلة انتزع العراق من محيطه، وربما يتم تقسيم السودان بعد أسابيع قليلة، وبالتأكيد لن يتوقف قطار الدمار عند هاتين المحطتين.