لحظات تأمل في الموجود، لحظات مع النفس من أجل فهم خباياها. لكن كيف لنا ذلك، ونحن عبيد لها؟ صحيح أن المعلم سقراط دعانا لفهم أنفسنا بأنفسنا، وبالتالي دعانا للتفلسف. والتفلسف هو صراع داخلي يولد في رحم الانسان اولا ثم يطفح على السطح ليتجسد في أقوالنا وسلوكنا. الانسان كالبحر تحركه الامواج. والبحر دون أمواج كمقاتل بلا سلاح. الامواج تتلاطم، تثور وتعلو كأنها تريد ان تنفصل عن البحر أين ولدت وأين ستموت. نهاية الامواج تشبه نهاية أحلامها. ألم تكن الامواج بركانا تعلو ألم تكن الامواج كصراخ ثائر. ها هي الآن زبد يغازل الشاطئ بأنامله عسى أن يفوز بلذة وصاله. الكل يريد ان يصرخ... الكل يأمل ويحلم... ولكن ليس الكل ينال مراده آه... ان الكل يتألم. فالنوارس أجدر منا بالحياة لانها فهمت البحر وصارعت أمواجه وسرقت منه سمكاته. ها هو النورس يدنو مني دون خوف. فالمنطقة ملكه والبحر عدوه وصديقه. لقد أحسست بأني غريب. نعم أنا غريب عن ذاتي وعن الآخر وعن كل ما هو حولي. ذاتي بحر عميق، ان أبحرت فيه ستكون نهايتي، وان عدلت عن المجازفة ستكون أيضا نهايتي. ولكن نهاية دون بداية. أسوأ النهايات هي التي تكون بلا بدايات، فبداية كل فعل هي لحظة تأمل... هي نظرة في مرآة النفس. ان كل الذين حققوا أمانيهم وأحلامهم وتجاوزوا الصعاب هم الذين أمعنوا النظر في النفس. ولكن هل كل من لديه عينان يحسن النظر؟؟ ان تنظر الى الموجود هو أن تعيد قراءته من جديد، والاجدر بنا ان ننطق من ذواتنا ونجعلها منطلقنا، ونجعلها مطيتنا. إن النفس جواد غير مروض، عنيد عن الانصياع لنا. فما الحل؟ هل نتبع الجواد ونتركه يقود نفسه بنفسه؟ الى أن يقودنا الى أمانينا او الى أهوائه؟ فالجواد حين يركض لا يلتفت الى الخلف. والذي يخطئ هو الذي لا يلتفت. فهل العيب فينا ام في الجواد. أسئلة كثيرة وأجوبة غير موجودة... وان وجدت فهي لا تغني من جوع. ها قد عاد النورس من جديد. انه لا يرغب في وجودي، لم يألف وجهي بعد وأنا متأكد بأنه لن يألفه لاني غريب والغريب دائما غير مرغوب فيه. للنورس صديقان. البحر والبحّار. أما البقية فهم غير مرغوب فيهم، وذلك لانعدام وجه التشابه بينهم... لانعدام شيء يوحّدهم... شيء يحملهم... شيء يعيشون فيه وبه. ألا وهو البحر. النورس لا يرتاح الا للبحار، فهو يفرق بينه وبين بقية التجار. يحدق فيه فيرى الامواج تتلاطم في عينيه، يدنو منه فيشعر بالسكينة. ففي البحّار يوجد بحر وفي البحر يعيش البحّار. فما عسانا فاعلين: آه إنه انتحار... * محمد الزريبي