مع اقتراب موعد إجراء استفتاء جنوب السودان تصاعدت لغة التهديد وازدادت التدخلات في الشأن السوداني متخذة أشكالا مختلفة وأساليب متنوعة لكنها تصبّ جميعا في واد واحد يُراد للسودان أن يغرق فيه ولوحدة السودان أن تُقبر فيه بلا رجعة. فالادارة الأمريكية لم تدع مناسبة ولا منبرا دوليّا دون أن تظهر «حرصها» على إجراء استفتاء سلمي مع أن هذا الاستفتاء لو كان سيجري في أجواء غير هذه الأجواء التحريضية والمشحونة سيكون سلميا وسيقبل الجميع بنتائجه وعندها لن تجد واشنطن منفذا للتدخل ولإملاء الأوامر، لكن ما يجري الآن هو أن نتائج هذا الاستفتاء محسومة مسبقا في أذهان قادة الجنوب الذين حاولوا ترسيخ هذه القناعة لدى واشنطن ولدى المجتمع الدولي حتى صار الانفصال قدرا لا مناص منه والادارة الأمريكية تحذق جيّدا التعامل مع الملفات الساخنة حتى تضفي ذلك الجانب «الانساني» على تدخلها في شأن الدولة المعنية، فقد اعتبر المتحدث باسم مجلس الأمن القومي التابع للبيت الأبيض أن السودان يمثل أحد أهم أولويات إدارة أوباما وأن لدى هذه الادارة «رؤية للأمل والسلام والرخاء لشعب السودان». وتحت هذه العبارات المفعمة «بالمودة» تجاه السودان بعثت واشنطن برسائل الى زعماء اقليميين تؤكد فيها التزامها باجراء الاستفتاء في موعده باعتبار أن ذلك يمثل الوسيلة الوحيدة للحيلولة دون استئناف «حرب شاملة بين الشمال والجنوب» وفق تصور الادارة الأمريكية. ولكن يبدو أن قادة الجنوب ليسوا في حاجة الى مثل هذه التحذيرات وأن نزعتهم نحو الانفصال ومعاداة الشمال قد بلغت بهم مبلغا بعيدا فهاهو قائد الفرقة العاشرة لقوات جنوب السودان يهدّد بغزو الخرطوم واسقاط الحكومة الحالية وتشكيل تحالف جديد يحكم البلاد. ومع أن هذا الجنرال ربط خطّته هذه بإقدام الشمال على القيام بعمل عسكري ضد الجنوب، فإن الحديث في هذا التوقيت وبمثل هذه العبارات عن دورة جديدة من الحرب مع العدو غير المأمون حسب تعبيره يرسم قائمة عن مستقبل السودان وطبيعة العلاقات بين شطري البلد بعد الانفصال المنتظر. وبين رسائل واشنطن «البريئة» والطلقات المدفعية القادمة من الجنوب يبدو من الصعب أن يمرّ الاستفتاء «سلميّا» كما «تريده» واشنطن وأن ينعم السودان بالاستقرار الذي يريده السودانيون ومن يريد الخير للسودان.