تلح تركيا على إسرائيل كي تعتذر عن قتلها عدد من الناشطين الأتراك على أسطول الحرية في موفى ماي الماضي وأكدت أن هذا الاعتذار ثم تعويض للضحايا سوف يزيلان ما علق في العلاقات بين الجانبين. في نفس الوقت أكد الرئيس التركي أن لا مصالحة مع إسرائيل ما دامت مياه البحر المتوسط تحمل دماء شهداء «أسطول الحرية». تدرك تركيا جيدا درس أسطول الحرية ومغزى الهجوم الإسرائيلى المتعمد كما تدرك الحسابات الإسرائيلية في هذا الملف، وتدرك تركيا أيضا أن واشنطن وقفت ضد التصعيد التركى إزاء جرائم إسرائيل لدرجة أنها رهنت علاقاتها مع تركيا في ميزان العلاقات الإسرائيلية التركية،فأصبحت تركيا وحدها في جانب وإسرائيل ومعها أمريكا في جانب آخر. ولكن تركيا بحاجة إلى إسرائيل وفي نفس الوقت تشعر بالحرج والإهانة، فقد رفضت إسرائيل حتى الحد الأدنى وهو الاعتذار أي الاعتراف بأن الهجوم كان خطأ موجها إلى تركيا، ولكن إسرائيل ترى أن تركيا هي التي أخطأت وأن المسألة لم تعد مجرد حادثة بعد كل التصريحات الرسمية التركية خاصة تصريحات أردوغان في بيروت في نوفمبر 2010وتأكيد تركيا على أن «البلطجة» الإسرائيلية في فلسطين ولبنان يضر بالمصالح التركية وأن تركيا لا تسمح بذلك، وأن أستقرار لبنان وحمايته من العدوان الإسرائيلي قضية تهم تركيا ويبدو أن إسرائيل قررت، بعد كل ما جرى من الزاوية التركية واتهام الموساد بعمليات ومساعدات لحزب العمال الكردي وتفجيرات وجرائم داخل تركيا، أن تضع تركيا على القائمة السوداء وأن حكومة حزب العدالة لابد من إستئصالها لأن الحزب نفسه خطر على إسرائيل وأن ساساته كلها معادية لإسرائيل، كما أن إسرائيل تجري مقاربة بين الحزب وبين التيار الإسلامي المعادي لإسرائيل خاصة وأنها (إسرائيل) مدعومة في كل حال من واشنطن التي لم تتمالك نفسها إزاء أندفاعها في عداء تركيا بعاطفة الدعم لإسرائيل أو ربما لأن واشنطن تقدر أن تركيا قد وصلت إلى حافة التحالف، معها ومع إسرائيل ومع الأطلسي وأن أي تجاوز سوف يقفز بها خارج أسوار هذا التحالف إلى الساحة العربية الإسلامية المفتته، وبعد أن حاولت واشنطن أن تجد تركيا في الاتحاد الأوروبي متسعا لحيوية نظامها وضبطا لسلوكها في إطار الاتحاد، ولكن جهودها لم تفلح في كسر الفيتو الفرنسي والألمانى. فهل تقرر تركيا أيضا أن ما جرى هو مؤشرات الصدام بين مشروعين على منطقة واحدة وفي ملف واحد هو ملف الصراع العربي الإسرائيلي،أم أن ما جرى يحتاج إلى تنسيق لتفادي الصدام مع حرية كل طرف في التصرف في الساحة العربية الإسلامية دون اعتراض أحدهما. وهل تتوازي التقديرات التركية مع الإسرائيلية بحيث يلتقيان تكتيكيا أم استراتيجيا مع إستمرار الخلاف التكتيكي. الثابت لدينا أن تركيا جرحت جرحا غائرا وأن الشعب التركي يعتبر معاداة إسرائيل نمطا من الدفاع عن المصالح والكرامة التركية ولا يفسر المسألة على أنها ثنائي العلماني وإلإسلامي بل كلهم أتراك، ولا تستطيع أي حكومة أن تمحو من ذاكرة الأمة كل هذة الإهانة المتعمدة. الثابت أيضا أن إسرائيل قررت التخلص من حزب العدالة والتنمية وتعديل أركان الموقف في تركيا وصناعة القرار فيه تحسبا للمستقبل الذي سيشهد إندفاع المشروع الصهيوني بأسرع ما يمكن بعد أن شرعت إسرائيل في ترتيب بعض الأوضاع عند جيرانها العرب وأهمهم مصر، في ما يبدو. والثابت من ناحية ثالثة أن ما قامت به إسرائيل يعد جرائم في القانون الدولي وأن لجان التحقيق الهزلية تسترت على هذا الجرائم، وأنه رغم هذه الجرائم، لاتزال الجريمة الكبرى التى أراد الشهداء التصدي لها قائمة وهي حصار غزة وعزلها عن العالم الخارجي والقفز على كافة البيانات والقرارات التي تطالب إسرائيل برفع الحصار. لقد تمكنت إسرائيل من إرسال رسالة واضحة وهي«أنها هي التي فرضت الحصار وتملك لغزة «حق» الموت والحياة وأن تجاسر تركيا على التصدي للإرادة الإسرائيلية مخاطرة تنال من مكانة تركيا في محيط تحالفاتها»،فكيف قرأت تركيا هذه الرسالة وهي تدرك أن مشروعها يصطدم بشكل دموي مع مشروع إجرامي صهيوني لا يفهم سوى لغة الدم والقتل والقوة؟ جرائم أسطول الحرية وسام على صدر تركيا وحدها وظنت أنها تقود حربا ضد طغيان إسرائيل لا تلبث المنطقة أن تشتعل كلها بالغضب، ولكنها أدركت أن الشعوب وحدها دون إرادة الفعل وتحت القهر الداخلي لا تتواصل مع حملتها. هذه الجرائم لا تسقط بالتقادم ولا بالاعتذار لتركيا مما نالها من أذى،بل إنني توقعت أن تطلب إسرائيل تعويضا من تركيا عما لحق مشاعرها من أذى بسبب إضطرارها إلى القتل دفاعا عن قرارها وعن شعبها الذي صدّق أنه شعب الله المختار لارتكاب الجرائم ضد مخلوقات الله،وتزوير رسالة موسى وأنبياء بني إسرائيل عليهم جميعا أفضل السلام وأجل التسليم.