شهدت قاعة «الفن الرابع» مؤخرا حدثا مسرحيا من الطراز الرفيع تمثل في العرض الأول لمسرحية «آخر بني سراج» انتاج شركة «داود للانتاج»، وبدعم من وزارة الثقافة والمحافظة على التراث اقتباس النص لادريس جابر عن قصة رينيه دي شاتوبريان، نص العرض والاخراج لحسن المؤذن، تمثيل حليمة داود والطاهر عيسى بلعربي وسارة الحلاوي وأنور عاشور وايمن النخيلي واقبال بن صالح. المسرحية مهداة الى روح فقيد المسرح التونسي المرحوم الهادي داود. «آخر بني سراج» هي قصة حب في زمن الحرب، تدور أحداثها في الاندلس بعد سقوط غرناطة هي قصة حب بين (ابن حامد)المسلم و(بلانكا) المسيحية، هي قصة حب مستحيلة باعتبار أن الشرط في تتويجها هو تخلي ابن حامد عن دينه واعتناق المسيحية لكن هذا الأخير يتشبث بدينه وحضارته وثقافته رغم حبه الجارف ل«بلانكا»... يتدرج الصراع بين «ابن حامد» وحبيبته ليصل ذروته عندما يتدخل شقيقها (دون كارلوس) في قصة الحب هذه ليكشف عن حقده الدفين للمسلمين، وليكتشف ابن حامد ان عائلة «بلانكا» هي التي أبادت عائلته وشردت بقية الموريسكيين. «آخر بني سراج» لم تكن في بعدها الثاني سردا تاريخيا لما حدث في الاندلس بل كان اسقاطا تاريخيا للتعبير عن الراهن العربي وما يواجهه الوطن العربي من تحديات ومؤامرات تهدد وجوده كحضارة... التعبير عن هذه الهواجس في مسرحية «آخر بني سراج» جاء في شكل مقترح جمالي يقطع مع المألوف في مسرحنا التونسي يعتمد على الجانب المشهدي الفرجوي من خلال توظيف دقيق للانارة والمتممات الركحية والملابس. المخرج حسن المؤذن وفق بدرجة كبيرة في استغلال «فضاء اللعب» (espace de jeu)، كما نجح في استثمار الانارة للتعبير عن مختلف الحالات التي تمر بها الشخصيات. النص الذي كان بالعربية الفصحى جاء سلسا ويتضمن الكثير من الشاعرية بعيدا عن الألفاظ والجمل المتكلسة وهو ما سهل عملية التواصل بين الركح والقاعة التي غصت بالمتفرجين. الأفكار التي تضمنها النص والرسالة التي أراد تبليغها أصحاب العمل وصلت بشكل جيد وذلك بفضل الأداء الممتاز للممثلين الذي كان بعيدا عن التكلف في نطق العربية، وتحرك منساب على الركح شد الحضور الى الممثلين. مسرحية «آخر بني سراج» طرحت الكثير من الأسئلة الحارقة تتعلق بصراع الثقافات وعلاقتنا بالآخر، والتسامح وغيرها من الهواجس المطروحة علينا اليوم كعرب. اذن هي عودة الى الماضي للتساؤل حول الحاضر واستشراف المستقبل برؤية جمالية حداثية تقطع مع السائد في المسرح التونسي.