عرضت مسرحية «اخر بني سّراج» لداود للانتاج بدعم من وزارة الثقافة والمحافظة على التراث وفي اخراج للفنان حسن المؤذن والذي اعد ايضا نص المسرحية التي اقتبسها ادريس جابر عن «رينيه دي شاتوبريان «مساء أول أمس بدار الثقافة ابن رشيق بالعاصمة. وقد جسد ادوار العمل الفنانة حليمة داود الى جانب كل من الطاهر عيسى وسارة الحلاوي وانور عاشور وايمن النخيلي واقبال بن صالح. هي قصة حب وعشق حد الجنون تقع احداثها في زمن الحرب ايام الاندلس وتجمع بين «ابن حامد» العربي المسلم و»بلانكا» المسيحية الاندلسية ... تبرز المسرحية ما وصل اليه العرب عند سقوط غرناطة ...وتعطي فكرة عن المورسكيين الذين غادروا الاندلس واستقروا في شمال افريقيا ...تنطلق القصة عندما يقرر ابن حامد اخر بني سرّاج الذين استقروا في تونس العودة للاندلس للاخذ بالثأر ممن قتل اجداده واثناء بحثه يرتبط بعلاقة عشق كبير مع فتاة مسيحية تدعى «بلانكا» التي تفرض عليه اعتناق دين اجدادها المسيحية كشرط غير قابل للنقاش حتى يتم الارتباط بها.. يتمسك بدينه فتكون نهاية القصة الفراق...كما يكتشف ابن حامد ان اجداد بلانكا هم الذين كانوا وراء مقتل اجداده فيعود يائسا ليموت في تونس... بهذا الاحساس المرهف نلج عالم التاريخ لاحداث تبرز احدى خيبات العرب في عمل سرح بنا في عالم سردي غريب تتقاطع فيه هموم الذات مع اوجاع الهوية والانتماء.. عالم يكاد يكون نسخة لما حدث كثيرا ومازال يحدث الى اليوم... فمن عقدة التفوق لدى الاخر-الغرب- الى صدام الحضارات... ومن تسامح الاسلام والمسلمين الى تعنت اصحاب العقائد الاخرى وتمسكهم حد الاصرار على ان كل ما ينتمي للعرب والمسلمين هو تطرف وبدائية وتخلف... اما الحضارة والجمال فمن خصوصياتهم وحدهم دون سواهم فينبرون في التعالي... وهذا الاحساس هو الذي يؤدي دائما الى ان يستلوا اسلحتهم من تحت الارض ويدكون بها الدنيا دكا .. فلا صوت يعلو فوق اصواتهم.. ولا ارادة تتحقق الا بمباركتهم وحسبما تقتضيه مصلحتهم.. اما الضعيف عندهم فيداس ويقهر ويظلم ويطهر عرقيا...
للذكرى وبدون فلسفة كبيرة
هذا الواقع حدث كثيرا على مر الزمن والعصور والشواهد كثيرة وعديدة ويضيق المجال لحصرها وتعدادها ولعل اخرها ما حدث في اوروبا الشرقية من تطهير عرقي وما حدث في العراق وما يحدث يوميا في فلسطين.. وكاني بهذا العمل المسرحي جاء ليذكرنا ويعلمنا ويلفت انتباهنا دون فلسفة كبيرة ولا تعقيد... فكان عملا راق استخدم فيه المخرج طريقة السرد من خلال الراوية حليمة داود التي اشتقنا الى جنونها الركحي فكانت متلالاة كعادتها ... صاحبتها نخبة من الممثلين تفاعل معهم الجمهور لانهم باطلالتهم العذبة اثبتوا ان لدينا ممثلين يشبهوننا ونشبههم ..يشربون ماءنا وياكلون خبزنا .. فوق الركح يحبون على طريقتنا ويكرهون.. يتالمون ويفرحون باحساسنا وينامون على ارضية الركح ولا يهتمون... كما استخدم المخرج تقنية الاضاءة للفصل بين المشاهد علاوة على الموسيقى ذات الايقاعات الاندلسية والملابس المنتقاة بعناية فائقة.. حتى يضفي مصداقية على الاحداث ويعطي بعدا اخرللابداع في محاولة منه لادراك الجمال وهذا ما نعتقد أنه تحقق اذ تحول الركح الى لوحة تشكيلية غير مألوفة ولا متداولة ولا معتادة... الاقبال الجماهيري كان طيبا في مجمله ويبعث على الابتهاج خاصة ونحن في زمن تجارة الضحك وتلفيق النكت وتقديمها على انها اعمال كوميدية.. مسرحية «اخر بني سراج»اثبتت ان التاريخ لا يعيد نفسه فقط كما ذهب الى ذلك ابن خلدون .. وانما احيانا ما يحوم حول نفسه.