ثلاثة أيّام فقط تفصل عن انتهاء عام 2010 الذي برحيله، ترحل أحداث وترحّل قضايا وملفّات عربية أخرى ظلّت عالقة... تواجه أسئلة وتحديات «حارقة» وسط ارتباك عربي شامل وتقاعس كامل عن مسعى جدي إلى مجابهة هذه المآزق والمشاكل القائمة... فالتشخيص الذي يجمع عليه كثيرون اليوم يؤكد أن العرب قد ودعوا عام 2010 وهم أكثر تفككا واختراقا مع استمرار غياب التعاون في ما بينهم وافتقارهم إلى استراتيجية موحدة تمكنهم من مواجهة القائم من أزمات... والقادم من تحديات. فقد بات جليا اليوم أنّ النظام الإقليمي العربي بات مصطلحا مبهما في ظل ما يشهده الوطن العربي من هزات وما يتعرض له من تهديدات طالت بعض أطرافه الرئيسية... فهذا النظام الذي انطلق من القاهرة قبل 66 عاما من أجل «توثيق الصلات بين الدول العربية وتنسيق خططها السياسية تحقيقا للتعاون بينها وصيانة لاستقلالها وسيادتها وللنظر في شؤون الدول العربية ومصالحها»، وفق ما جاء في ميثاق الجامعة العربية... هذا النظام يبدو اليوم منقسما على ذاته إلى درجة العجز عن اتخاذ أي مواقف موحدة تجاه الأحداث المصيرية والتحديات التي تتربّص بالمنطقة... فحتّى الرمز القائم لهذا النظام ونعني به الجامعة العربية لا يخفى شكله وقصور حركته في التعاطي مع الحارق من الأزمات العربية المشتعلة في بعض الأقطار العربية إلى حد أن أي دور تقوم به الجامعة أصبح مرهونا بحسابات وبأوامر أطراف أخرى مثلما هو الشأن في الملفين العراقي والسوداني تحديدا... ومثل هذه الحالة تترجم بوضوح ما وصل إليه العرب من تمزّق وتشرذم وضعف بلغ في بعض الساحات العربية حد الهوان بسبب افتقاد التكامل العربي السياسي والاقتصادي والمعرفي وغياب الرؤية الصائبة والموحدة... غياب الرؤية الموحدة في استيعاب المتغيرات والتعامل مع المستجدات الدولية دفع بكل دولة عربية إلى أن لا يتجاوز تفكيرها حدود جغرافيتها القطرية ومصالحها الذاتية دون اعتبار للمصالح القومية الشاملة ولأي كيان إقليمي يكفل حماية الجميع ويرسم معالم الطريق السليم لخلاص الوطن العربي من حالة العجز التي يتخبّط فيها... فالقضايا العربية المركزية سارت من أزمة إلى أخرى وبدا الأمر أشبه بالدوران في حلقة مفرغة وكأن القائم من الأزمات يلد أخرى... وإذا كانت هذه نظرة عامة إلى حال العرب في عام 2010 فإن نظرة تفصيلية للقضايا المركزية للعرب تكشف بجلاء حدة المأساة... وكارثية الأوضاع، ففي فلسطين يمكن التأشير إلى أنّ القضية الفلسطينية حيث بدأ هذا العام بجرائم إسرائيلية مقرفة وبانشقاق خطير في الصف الفلسطيني... وها هو ينطوي على جرائم أخرى وينذر بعدوان آخر على غزة... وأيضا بانشقاق فلسطيني نفسه... وعام 2010 انفتح كذلك على جرح سوداني وها هو يمضي والجرح يزداد اتساعا والتهابا فيما تتعاظم المؤشرات التي تنذر بتمزيق هذا البلد وضرب وحدته واستقراره... في لبنان ظل الوضع على حاله، خلال هذا العام الذي نودع، مراوحا مكانه بين الانفراج والانفجار... وإن بدا أنه يدفع عبر بوابة «المحكمة الدولية» نحو الاحتمال الثاني خاصة بعدما تأكد أن هذه المحكمة ستصدر قريبا قرارا يدين «حزب الله» باغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري. وفي العراق اتسم الوضع بالسوداوية ذاتها وشهد هذا البلد تفجيرات بالجملة ذهب ضحيتها مئات الأشخاص فيما ظل ملف تشكيل الحكومة، الأزمة الأكثر تعقيدا في المشهد العراقي الذي انتهى مخاضه في الأخير ب«حكومة ناقصة»... في اليمن لم تهدأ الأوضاع بل انضافت إلى الأزمة القائمة بهذا البلد أزمات أخرى عنوانها خطر «القاعدة» والانفصال الذي يرفع لواءه ما يسمّى الحراك الجنوبي... وإذا كانت هذه اللوحة ترسم نتوءات المآزق القائمة وما تولّد عنها من أزمات أخرى منها ما طفا على سطح الأحداث ومنها ما يزال كامنا ينتظر توقيت ميلاده المناسب فإنّ ما تحمله السنة الجديدة من تطورات تبقى في رسم المجهول بات يخشى أيضا من أن تقود المنطقة بدورها إلى المجهول إذا لم يبادر العرب إلى إيجاد الحلول المناسبة ويعملون على بلورة استراتيجية عمل واضحة المعالم والأهداف تستند إلى مقاربة عملية وعقلانية تلبّي الحد الأدنى من أسباب القدرة على مواجهة العصر الجديد.... وتستجيب لحجم المستجدات والتحديات التي تداهم واقعهم... إن الوضع العربي يقف اليوم في مفترق طرق حقيقي ومصيري فإمّا أن يجتهد العرب ويبلوروا خطة إنقاذ شاملة تحفظ مقوماته وتماسك مكوناته وإما فإنهم سيواصلون السير فرادى... نحو الضياع والانقراض... فهل يدرك العرب هذه الحقيقة المرّة وينحازون إلى العمل... أم أنهم سيضيعون عاما آخر...؟.