عندما تصفّحنا سجلات التاريخ بحثا عن معلومات عن توفيق بن عثمان وجدنا ما به نؤلّف كتابا لأن سجل هذا الرجل ثري جدّا ما جعلنا نجد صعوبة في حصر الحوار معه الذي دام ساعات... لذلك يبقى توفيق بن عثمان علامة مضيئة على الدوام في الرياضة التونسية عامة وكرة القدم خاصة، فقد كان من بين الواضعين لأسس كرة القدم في تونس ومن بين المساهمين في تكوين الجيل الخرافي لملحمة الأرجنتين 1978 فظلّ مرجعا على الدوام، لكن للأسف وقع اليوم تهميش توفيق بن عثمان ككفاءة فنية عالية نستنجد بها وقت الضيق وطال التهميش حالته الاجتماعية ليعيش وضعا اجتماعيا صعبا في الوقت الحالي... «الشروق» لم تترك توفيق بن عثمان وحيدا بل عادت إليه في محاولة لإيفائه حقه على جميع المستويات من خلال هذا الحوار : كيف كانت بدايتك في عالم كرة القدم؟ تعلّمت كرة القدم في «البطاحي» كغيري من الشباب، في المرسى ثم اكتشفني أحمد شلبي بمساعدة عثمان بن سليمان لألتحق بفريق المستقبل الإسلامي (مستقبل المرسى حاليا) سنة 1950 في سن 11 سنة وكانت انطلاقتها الفعلية وقتها. أوّل لقب فزت به مع فريقك كان سنة 1961 أمام الملعب التونسي وهو لقب الكأس، فماذا تتذكر من ذلك التتويج؟ أول إنجاز تمثل في مساهمتي في صعود الفريق إلى القسم الوطني في أعقاب موسم 58 59، ثم جاء التتويج بلقب الكأس سنة 1961 أمام الملعب التونسي، بعد نهاية المباراة الأولى بالتعادل صفر لصفر، ثم فزنا في الثانية بثلاثية عمر مريشكو، لكن ما خدمنا يومها هو غياب نور الدين ديوة عن المباراة الثانية ما سهل علينا المهمة نسبيا لأنّ الملعب التونسي كان لا يقهر بوجود ديوة. كم كانت قيمة المنحة التي تحصلتم عليها بعد الفوز بهذا اللقب؟ المنحة كانت عشاء جماعيا بمطعم «الحفصي» (المركب التجاري زفير حاليا)... وأول جراية تقاضيتها من المرسى كانت في حدود 70 دينارا، فأنا لم أستفد ماديا من كرة القدم، لذلك أنا أعاني إلى اليوم. كيف خسرتم نهائي الكأس أمام الإفريقي، يوم 16 ماي 1965؟ وقتها كنا فريقا قويا واشتهرنا بحذقنا لخطة التسلل ولما حضر بورقيبة المباراة قال لي بصفتي قائدا للفريق : «لا تلعبوا اليوم بخطة التسلل لأن الجمهور سئم هذه الطريقة...» حينها أخبرت المدرب المجري بازمندي بما قاله لي بورقيبة، فثارت ثائرته وغضب بسبب التدخل في عمله وقال لي «إلعبوا كما شئتم...» فلعبنا دون تطبيق خطة التسلل، وانهزمنا بهدفين نظيفين سجلهما الطاهر الشايبي. بدايتك مع المنتخب كانت في 1959 وقضيت 6 سنوات، فما هي أهم الذكريات التي تحتفظ بها عن هذه المرحلة؟ وقعت دعوتي للمنتخب في سن 19 سنة من قبل رشيد التركي والهاشمي الشريف، وحصل المنعرج في حياتي الكروية عندما دربني اليوغسلافي كريستيس فهو الذي جعلني أتحول من لاعب مدافع محوري إلى وسط ميدان لأنني كنت أملك فنيات في التحكم في الكرة وفي التمرير الدقيق، ومنذ ذلك الوقت انطلقت مغامرتي في هذا المركز الجديد. من كان وراء احترافك للعب في الجزائر في سنة 1965؟ كانت تربطني علاقة كبيرة برشيد مخلوفي وقد اقترح عليّ اللعب في فريق نصر حسين داي الجزائري فوافقت وحققت موسما ناجحا. مباراة نهائي الكأس ضدّ الإفريقي في 20 جوان 1970، كان طابعها خاصا بالنسبة لك، فلو تخبرنا بتلك الخصوصية؟ يومها كنت لاعبا ومدربا في نفس الوقت، وخسرنا اللقب، بفارق عدد الركنيات (3 5) للإفريقي في المباراة الثانية التي انتهت في وقتها الأصلي بالتعادل السلبي، مثلما انتهت المباراة الأولى. لماذا اعتزلت كرة القدم مبكرا في عمر 31 سنة الظروف الاجتماعية هي التي فرضت علي ذلك، فعندما كنت ألعب كرة القدم كنت في نفس الوقت موظفا أتقاضى مبلغا قدره 27 دينارا شهريا فخيرت الاعتزال والتوجه إلى التدريب علني أجني المزيد من المال لتلبية حاجيات عائلتي بعد أن تزوجت وأنجبت الأطفال. في سنة 1975 عينت مساعدا للشتالي على رأس المنتخب... ألم تشعر وقتها بأنّك الأجدر بأن تكون المدرب الأوّل؟ لم أكن أفكّر بتلك الطريقة أبدا وقتها، بل ما زلت إلى الآن مقتنعا بأن الشتالي، هو الأنسب لقيادة المنتخب في تلك الفترة ولم أكن على خلاف معه. بالتوازي مع مهمتك تلك، كنت مدربا لمستقبل المرسى ألم تسع لفرض أسماء من فريقك الأم في تشكيلة المنتخب؟ فرضت لاعبا واحدا وهو عمر الجبالي وفرضته على مدرب منتخب الأواسط محمد صالح الجديدي، ليس لأنه إبن مستقبل المرسى بل لأنه يستحق اللعب وقد أثبتت السنوات صحة اعتقادي. لماذا يتذكر الناس اليوم، عبد المجيد الشتالي ومنتخب 1978 وينسون إسم توفيق بن عثمان؟ بالنسبة للمنتخب المدرب الأوّل هو صاحب الانجازات دائما، رغم أننا كنا نعمل معا ودون مراكز تفاضلية، فقد كنت أشرف على المنتخب وحدي في غياب الشتالي ويوم المباراة يركز هو على الشق الهجومي وأهتم أنا باصلاح أخطاء الدفاع ولكن رغم ذلك عادة ما يهضمون حقي وكأنني لم أساهم في نجاح جيل 1978 بذلك الشكل. ماذا تتذكر من ملحمة الأرجنتين 1978، عندما كنت مساعدا للشتالي؟ أتذكر الفوز التاريخي على المكسيك بثلاثية، يومها كادت الرهبة تتسبب في هزيمتنا خسرنا الشوط الأول بهدف لصفر، وبين الشوطين، تحدث الشتالي بلهجة حادة جدّا مع اللاعبين لأنّهم لم يكونوا في المستوى وخيبوا ظنّ كل التونسيين ووصل به الأمر إلى حدّ «شتمهم» ثم غادر حجرات الملابس دون أن يتحدث في التفاصيل الفنية وقد قال للاعبين : «فكروا في التونسيين الذين يشجعونكم الآن في تونس... فكروا في هيبة وإسم هذا البلد...» في الشوط الثاني قدمنا أفضل ما لدينا وفزنا لذلك عندما عدنا إلى النزل طلبت من الشتالي الاعتذار للاعبين عما بدر منه خلال المباراة ففعل، الأداء الجميل في المباراة الأولى جعل كل الجماهير الأرجنتينية تشجعنا في المباراة الثانية حاملين الأعلام التونسية لأنّ منتخبنا أمتع الجميع أمام المكسيك. ساهمت في ترشح المنتخب للألعاب الأولمبية بسيول سنة 1988 عندما كنت مدربا له فما أهمية ذلك الإنجاز؟ هذا الإنجاز حصل في 13 نوفمبر 1987، أي 6 أيام فقط بعد التغيير المبارك وكان أوّل إنجاز للرياضة التونسية في عهد الرئيس زين العابدين بن علي، حيث استقبل منتخبنا في المطار وكانت تلك أفضل هدية بالنسبة لنا. لكنك قدمت استقالتك مباشرة، بعد الترشح، لماذا؟ خلال مسيرة الترشح أحسست أنّ هناك من يسعى لعرقلتي بعدم توفير التربصات أو المباريات الودية، فكانت تحضيراتنا سيئة، لكننا فزنا على المغرب بكتيبة محترفيها مثل بادو زاكي، التيمومي، لمريس، البياز، ويذكر الجميع الهدف الجميل لطارق ذياب في مرمى بادو زاكي، ثم فزنا على مصر في ملعب عبد الناصر بهدف نظيف، ويبقى الانتصار الأخير لتونس على مصر في القاهرة... وعندما حققت هدف الترشح، فضلت الانسحاب، بعد أن أجبت من كان يرغب في عرقلتي بأفضل طريقة ممكنة. في 1991، أحرز المنتخب الأولمبي تحت قيادتك فضية الألعاب الإفريقية، لكن بمجرّد عودتك إلى تونس، حدث أمر غريب، فماذا حصل؟ دعيت إلى تدريب المنتخب الأولمبي سنة 1987، بعد الفشل الذريع في الألعاب الإفريقية بنيروبي في تلك السنة وكان لدينا جيل ذهبي، يضم عادل السليمي وسمير السليمي والمرحوم الهادي بالرخيصة وصبري البوهالي وفوزي الرويسي والعيادي الحمروني وغيرهم، فنجحنا في بلوغ نهائي الألعاب الإفريقية سنة 1991 وانهزمنا أمام الكاميرون بهدف نظيف وعندما عدت إلى تونس طلب مني رئيس الجامعة وقتها تقديم استقالتي وعندما حاولت معرفة السبب قال لي : «لا تحاول أن تفهم»... محدثنا لم يخبرنا بإسم رئيس الجامعة وعندما بحثنا وجدنا أنّ المنصف الشريف كان رئيسا للجامعة في تلك الفترة (ما بين 1990 1993)... وأضاف محدثنا، أنّ هذا القرار كان استجابة لطلب أحد رؤساء النوادي وقتها. بعد تجربتك مع المنتخب، وضعت نفسك تحت ذمة فريقك الأم مستقبل المرسى، لكن هل كان الجزاء على قدر العطاء؟ كثيرا ما لبيت نداء الواجب، تجاه فريقي الأم، وأنقذته من النزول في موسم 2000 2001 وتكرر نفس السيناريو في موسم 2005 2006، ثم عملت مديرا فنيا للشبان طيلة 7 سنوات من 2000 إلى 2007، إضافة إلى 20 سنة كلاعب، لكن هناك من تنكر لي في فريقي الأم ولم يعد يرغب في وجودي لمجرد أنني طالبت في فترة ما بمستحقاتي (7 آلاف دينار) ووصل بأحد المسؤولين السابقين بالقول أن توفيق بن عثمان لم يعد قادرا على الإفادة في هذا الوقت، فطريقة عمله قديمة ولا تنفع حاليا... المؤسف أن هذا الرجل كان طبيبا ومتحصلا على شهادة الطب قبل 30 سنة من قوله هذا الكلام، فأجبته : «هل ما تزال قادرا أنت اليوم على معالجة المرضى بعد مضي كل هذه السنوات على حصولك على الشهادة...» للأسف، رغم أنني أفنيت عمري في خدمة مستقبل المرسى، إلا أنه هناك من تنكر لي اليوم ولم يساعدني أحد على مواجهة وضعيتي الاجتماعية الحالية. بحكم تجربتك الطويلة، من هو أفضل لاعب تونسي على مر التاريخ؟ من دون شك هو نور الدين ديوة. ومن هو أفضل لاعب على الساحة حاليا؟ يوسف المويهبي، الأفضل من بين المتوسطين في الأداء، لقد كنت وراء اكتشافه في أصناف الشبان وهو لاعب مميز بفضل فنياته. ما هو حكمك على مستوى الكرة التونسية؟ متوسط لا غير. ما هي الأسباب في رأيك؟ اللاعبون الذين يلعبون في صنف الأكابر في جميع الفرق، هم متوسطون لا غير نتيجة نقص كبير في التكوين، فهناك منهم لا يعرف بعد كيف يروض الكرة لذلك لا يمكننا تكوين منتخب قوي. وأي دور للجامعة في تردي المستوى؟ الجامعية تجتهد للقيام بدورها على أكمل وجه من خلال توفير الإمكانات ولكن ما ينقصها هو التخطيط السليم والبرمجة على المدى الطويل بخصوص تكوين الشبان والمنتخبات في مختلف الفئات العمرية الصغرى. كيف تحكم على ما يسمى بظاهرة المدربين الشبان (معلول في الترجي، اليعقوبي في الإفريقي، الكوكي في النادي الصفاقسي والكبير في النجم)؟ حان الوقت ليأخذ هؤلاء فرصتهم ليثبتوا جدارتهم فالمنذر الكبير مثلا وشهاب الليلي بإمكانهما قيادة المنتخب وعلى الفرق أن تتعلم الصبر لأن تغيير المدربين باستمرار مهزلة و«ماركة» تونسية مسجلة. هناك رأي قائل أن المدربين المخضرمين مثلك ومثل فوزي البنزرتي ومراد محجوب ويوسف الزواوي... والقائمة تطول قد تجاوزتكم الأحداث ولستم قادرين على التدريب اليوم؟ هذا الرأي يدل على أنّ صاحبه يجهل ماهية كرة القدم، فهي ليست علما صحيحا كعلم الذرة مثلا فطرق التدريب لم تتغير، وكذلك طريقة لعب الكرة من ترويض وتمرير وتسديد والخطط التدريبية لم تتغير كذلك... فقط وسائل العمل هي التي تتغير وشخصية المدرب وطريقة تبليغه للأفكار هي التي تؤثر في نتيجة عمله... وأذكر هنا مثال المدرب البرازيلي المعروف كارلوس ألبارتو بريرا الذي عمل مساعدا لماريو زاغالو، وعندما تولى قيادة المنتخب البرازيلي، عين زاغالو مساعدا له... أما نحن في تونس فنقصي أصحاب الكفاءات وفسحنا المجال لمن لا يفقهون كثيرا في كرة القدم وسبب تراجع كرتنا هو عدم الاستنجاد بكفاءة وخبرة القدماء من لاعبين أو مدربين. حاليا تعيش وضعا اجتماعيا صعبا بعض الشيء، فهل هناك من مدّ لك يد المساعدة؟ أعيش الآن بجراية التقاعد التي لا تتجاوز 84 دينارا وهي لا تسمن ولا تغني من جوع ولولا مساعدة أبنائي لي لكنت في وضع أسوأ بكثير... تلقيت وعودا كثيرة بالمساعدة لكنني مازالت أنتظر ذلك، فهل يمكن لأحد أن يتوقع كيف سأعيش بجراية شهرية لا تفوق 84 دينارا...!!! المشكلة أن الجميع تنكر لي بالنسبة للمسؤولين عن كرة القدم في تونس أو بالنسبة لفريقي مستقبل المرسى فلم أجن من كرة القدم سوى محبة الناس وتقديرهم أو ثلاثة أوسمة ترصع صدري وتشهد على تاريخي الكبير كأحد المناضلين في هذا البلد وهو أكبر شرف بالنسبة لي... لكن ما يحزّ في نفسي هو أن أرى بعض المتمعشين من كرة القدم يجنون أموالا طائلة ويبعثون المشاريع رغم أنهم لم يقدّموا شيئا لكرة القدم التونسية خاصة ولهذا البلد عامة... أنا أتحدث عن حقوق مشروعة ووعود أرجو أن ترى النور... لقد حاولنا اختزال الحوار، أكثر ما يمكن لأنه لو أوفينا الرجل وتاريخه حقه لا أفردناه بعدد خاص... بكل بساطة نحن أمام موسوعة كروية وذاكرة بأكملها للتاريخ... حاوره : محمد الهمّامي توفيق بن عثمان في سطور الاسم: توفيق بن سعيد بن عثمان تاريخ الولادة: 24 مارس 1939 لعب كرة القدم مدة 21 سنة من عام 1950 إلى 1970 ضمن ناديه المستقبل الرياضي بالمرسى انظمّ للمنتخب التونسي في جانفي 1959 ولعب 54 مباراة دولية خلال 6 سنوات من 1959 إلى 1964 بعد حصوله على الدرجة الثالثة في التدريب بفرنسا في جوان 1970 بدأ مهنته كمدرب محترف ليدرب كل من أمل حمام سوسة المنتخب الوطني للأصاغر الأولمبي الباجي مستقبل المرسى مدرب مساعد للمنتخب الوطني 19771978 الاتفاق السعودي النادي البنزرتي نادي الجلين السعودي الوحدة بالبحرين الشارقة الإماراتي مدرب أول للمنتخب الوطني 871988 الملعب التونسي الاتحاد الليبي الأولمبي للنقل الترجي الجرجيسي مستقبل القصرين النصر الرياضي ببنغازي مدير فني بمستقبل المرسى لمدة 7 سنوات من 2000 إلى 2007. ألقابه كأس تونس مع أواسط مستقبل المرسى موسم 7475 كأس تونس للأكابر مع مستقبل المرسى في موسم 7677 الميدالية الفضية في الألعاب الإفريقية بالقاهرة موسم 9192 كأس الجماهيرية الليبية مع الاتحاد الليبي موسم 9293 تحصل توفيق بن عثمان على وسام الاستحقاق الرياضي سنة 1975 ووسام الجمهورية الصنف الثالث من طرف رئيس الجمهورية المرحوم الحبيب بورقيبة سنة 1978 تحصل على الوسام الوطني للاستحقاق في قطاع الشباب والرياضة بمناسبة الاحتفال باليوم الوطني للرياضة والروح الأولمبي من سيادة رئيس الجمهورية زين العابدين بن علي وذلك يوم 3 جويلية 2004.