نشر موقع «ديلي بيست» الإلكتروني مقالا تحليلياً للدبلوماسي ورجل الاستخبارات الأمريكي السابق بروس ريدل عن الثورة الشعبية التي اطاحت بالرئيس التونسي زين العابدين بن علي في الرابع عشر من الشهر الجاري وما قد يترتب عنها من عواقب بالنسبة الى بعض الحكام العرب المتشبثين بكراسي الحكم منذ عقود من الزمن. وهنا نص المقال: «حدث أمر مدهش ورائع في تونس هذا الأسبوع أرسل موجات مد من التوقعات عبر العالمين العربي والإسلامي. لقد اطاح الشعب التونسي بدكتاتور كان في السلطة لمدة 23 عاما. لم يفعل أي بلد عربي ذلك من قبل. لكن دولا إسلامية أخرى، إيران عام 1978، وباكستان عام 2008، شهدت الإطاحة بحكام ديكتاتوريين من خلال ثورات مدنية. إلا أن ذلك لم يحدث من قبل في العالم العربي. أما السؤال الكبير فهو: من التالي؟ وقد تكون الإجابة مصر. زين العابدين بن علي كان رئيس الشرطة السرية في تونس حين نظم الانقلاب البارد عام 1987. وقد كان القوة الماثلة وراء الكواليس لفترة من الوقت قبل الانقلاب. وخلال حكمه جلب الاستقرار والنمو الاقتصادي، لكنه قمع المعارضين بقسوة ووصم كافة خصومه تقريبا بأنهم متطرفون إسلاميون. اراد بن علي في ما يبدو بعد أن تم خلعه أن يجد ملجأً لنفسه ومنفى في فرنسا التي توجد فيها جالية مهاجرة تونسية كبيرة. لكن باريس قالت لا، خشية أن يؤدي وجوده إلى تفاقم التوتر مع السكان المسلمين في فرنسا. وهكذا فإن بن علي موجود الآن في السعودية التي لها تقاليد قديمة في منح اللجوء للزعماء المسلمين المخلوعين. وتستقبلهم المملكة بشرط أن يبقوا في منأى عن السياسة. هل تعد تونس رائدة التغيير في كل مكان؟ من المؤكد ان المشاكل التي أدت للإطاحة ببن علي موجودة في كل الدول العربية. ذلك ان البطالة المرتفعة، والتوظيف المحدود –خاصة في اوساط الشباب القلقين- هي من سمات كل قطر عربي من المغرب الى اليمن في فترة تتزايد فيها أسعار الطعام والوقود وتنتشر فيها آثار الازمة الاقتصادية العالمية. ويقود دولاً عدة منها أنظمة حكم موجودة في السلطة منذ مدة طويلة. وتقع دول عربية ضمن هذه القائمة. لكن علامة الاستفهام الكبيرة هي مصر. اذ ان مصر التي تضم أكبر عدد سكان في العالم العربي وأكبر جهاز مخابرات، يحكمها منذ 1981 الرئيس حسني مبارك، البالغ من العمر 82 عاما، أتى إلى السلطة وسط زخات الرصاص، بعد ان اغتيل سلفه الأكثر كاريزماتية أنور السادات أثناء مرور موكب عسكري في ذكرى حرب عام 1973 العربية الإسرائيلية. كنت رئيس مكتب (شؤون) مصر في وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (سي آي أي) في ذلك الحين وأكدت لإدارة ريغن القلقة أن مبارك سيتمسك بالسلطة. وكنت محقا لثلاثين عاما. فقد بقي مبارك في السلطة منذ ذلك اليوم في اكتوبر ولم يعين نائب رئيس ليكون خليفته يوما. وقد جلب استقرارا ملحوظا في مصر على الرغم من أنه خاض معركة دامية ومريرة مع مجموعة جهادية بقيادة أيمن الظواهري، الرجل الثاني في تنظيم «القاعدة»، في تسعينات القرن الماضي. لكن الاستقرار أدى إلى البلادة والجمود. مصر، التي كانت ذات يوم قائدة العالم العربي والإسلامي، تقهقرت الآن الى مكانة متخلفة. لقد طرح مبارك فكرة أن يخلفه ابنه جمال- لكنه اوحى أيضا بأنه قد يرشح نفسه للانتخابات مرة اخرى هذا العام على الرغم من تقدمه في العمر ومشاكله الصحية. لم يكن هناك لفترة طويلة بديل قابل للحياة، أما الآن فقد ظهر الرئيس السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية محمد البرادعي كناطق باسم التغيير وشكل تحالفا غير رسمي مع أكبر حركة معارضة في البلاد، الإخوان المسلمين. وحتى قبل أن تندلع الأحداث في تونس، كان الخبراء الأذكياء يرسمون سيناريوهات يمكن أن يأتي التغيير من خلالها إلى مصر. وراء الكواليس، تبقى السلطة في مصر بيد الجيش والشرطة السرية كما كان الحال منذ تسلم جمال عبد الناصر الحكم من الملكية البالية قبل أكثر من نصف قرن. وبعد اغتيال السادات وفي مواجهة تحدي الظواهري وسع مبارك من حجم وقوة المخابرات، أو الشرطة السرية، ووزارة الداخلية. وتملك قوات الأمن الداخلي مليوناً ونصف مليون رجل تحت إمرتها، أي أربعة أضعاف حجم الجيش، مع ميزانية تبلغ مليارا ونصف مليار. وكما يعرف كل سائح أن الشرطة في كل مكان، يعرف كل مصري أن المخبرين في كل مكان أيضا. ويقدر عدد المعتقلين السياسيين بثمانين ألفا. وبينما تضاعف عدد السكان منذ وفاة السادات، فقد تضاعف عدد السجون أربع مرات. اعتمد مبارك لعقود على رئيس الاستخبارات عمر سليمان (75 عاما) من أجل الحفاظ على النظام والسيطرة. ويعتبر سليمان مقاتلا بارعا ضد «الإرهاب» وهو معروف في العواصمالغربية ومحترم من قبل اجهزة الاستخبارات في انحاء العالم، ولطالما كان بالنسبة الى مبارك الناشط السياسي الذي يؤدي المهام، وقد تعامل مع المفاوضات الحساسة مثل التعامل مع «حماس» في غزة. لقد اهتز كل من مبارك وسليمان بلا شك بسبب ما شاهداه عبر شاشة قناة «الجزيرة» من تونس. وكانت النكتة في القاهرة هذا الأسبوع حول ما اذا كانت طائرة بن علي ستتوقف في القاهرة لتحمل مبارك على متنها. لكن المصريين يرددون النكات عن مبارك وعمره الطويل منذ سنوات- وهو ما يزال هناك. المخاطر مرتفعة بالنسبة الى أمريكا في مصر. المرور عبر قناة السويس امر حيوي لقواتنا البحرية وحربينا في العراق وأفغانستان. والسلام الذي صنعه السادات مع إسرائيل حيوي بالنسبة الى اسرائيل، كما يعرف كل قائد إسرائيلي. وقد اعتبرت مصر المستقرة الموالية للغرب أساسا لسياساتنا في الشرق الأوسط منذ هنري كيسنجر. ويبلغ معدل المساعدات الأمريكية- العسكرية والاقتصادية- لمصر منذ 1979 بحوالي ملياري دولار. التحدي الذي سيواجهه باراك أوباما في مصر سيكون تجنب ربط أمريكا بمبارك ومحاولة كبح رياح التغيير القادمةمن دون التأثير في استقرار حليف مهم. ولا تملك الولاياتالمتحدة سجلا طيبا في الحفاظ على هذا التوازن الصعب. في باكستان، بقي جورج بوش إلى جانب حليفه برويز مشرف لوقت أطول مما يجب. وكانت النتيجة أن الباكستانيين يكرهون أمريكا. ما حدث في تونس هو ثورة في السياسة العربية. ولا أحد يعلم الآن ما إذا كانت ستكون الأولى التي تبدأ هذا التوجه أو الوحيدة. وبالنسبة الى باراك أوباما ووزيرة خارجيته هيلاري كلينتون، فقد أصبحت المنطقة الآن أكثر تعقيدا بكثير».