بين عشية وضحاها صار لنا في تونس 10 ملايين مناضل الرقم يدعو الى الدهشة الجميع يهرولون ويتسابقون ويتنافسون ويتزاحمون لم يبق غير فلان وفلان وفلتان. أين كان الجميع قبل اندلاع شرارة الاحتجاجات لماذا بقي نظام الرئيس السابق صامدا طيلة 23 سنة ما دام العشرة ملايين يعارضون ويناضلون؟ الأكيد أن كل واحد منا يعرف نفسه ويعرف غيره. أقر في البداية بوجود قلة قليلة من المناضلين الشرفاء قبل 7 نوفمبر 1987 وبعده وقبل 14 جانفي 2011 وبعده. قد اختلف مع بعضهم من حيث الآراء والايديولوجيا والاتجاهات الفكرية والأساليب العملية ولكني أحترم فيهم شجاعتهم في زمن الخوف واصداعهم بآرائهم في زمن أخرست فيه الألسن والأقلام وتحديهم السجن والنفي والتعذيب فيما كان غيرهم يتسابقون على النعم والولائم. دون هذه القلة القليلة هناك أغلبية كانت ترى المنكر لكنها كانت تخشى تغييره بيدها أو بلسانها خوفا على مكاسبها أو أرواحها أو أسرها كان أضعف الايمان كل ما تقدر عليه فظلت تستنكر بقلبها ولا تصدع برأيها الا همسا داخل الزوايا المغلقة وخلف الحصون المحصنة ضد الوشاة والمقففين والمتزلفين. ولعل ما يغفر لهذه الفئة أنها حافظت على نقاء ماضيها من النفاق والتقرب والتزلف كما أنها استغلت الوقت المناسب لتصدع برأيها وموقفها وتنقل تفاعلها من قلبها الى لسانها ويدها فكانت مساهمتها فعالة في اسقاط نظام بن علي. أما الفئة الثالثة التي توسخ الشرفاء فتمثل الانتهازيين والمتلونين ممن كانوا حتى 14 جانفي يصدعون بولائهم الأعمى للنظام المنتهية صلوحيته. هؤلاء الحربائيون كانوا حتى اليوم الفصل يقسمون برأس بن علي ويسترحمونه حتى يترشح للانتخابات القادمة ما بقي حيا ويدافعون عن اسرته وأصهاره وكل ذي صلة به ويسبون قناة «الجزيرة» وماشاكلها ويستخفون بمحمد البوعزيزي ومن اقتدى به ويصفون المتعاطفين والمحتجين بعصابات الملثمين والمخربين... ثم وجدناهم فجأة ودون مقدمات يتحولون من النقيض الى النقيض ويندسون في زمرة المناضلين متناسين ما تم توثيقه (سابقا) من تصريحات ومواقف ودعوات في وسائل الاعلام المكتوبة والمسموعة والمرئية. هؤلاء يهتفون حاليا باسم تونس والتونسيين ولا يجدون حرجا في شتم الرئيس السابق والمقربين منه على الملإ. كم كنت أتمنى أن يخرس هؤلاء من أجل تونس كم كنت أتمنى أن يتحلوا ببعض الشجاعة فيعتذرون أولا ويبررون ان استطاعوا الى ذلك سبيلا. كم كنت أتمنى أن يشذ أحدهم فيعلن ولاءه الابدي لمواقفه السابقة حتى يكبر في أعيننا. لا شك أنه سيعرض نفسه للخطر ولكنه يغنم بالمقابل صفة لم يعهدها ولم يتعود عليها ولا يعرف معناها اللفظي أو الاصطلاحي تلك التي نطلق عليها اسم «الكرامة» عسى أن يكون أغلبنا أهلا لهذه الصفة... «من أجل تونس».