حوار: فاطمة بن عبد الله الكرّاي تونس الشروق : بهدوئه العلمي المعتاد، يتحدّث الاستاذ عبد المجيد الشرفي عن ثورة تونس الفريدة من حيث أداؤها... وطريقة تصاعدها... لا يسكن برجا عاجيا ولا ينظر الى حركة الثورة... وحركة الفعل من علوّ، بل هو في قلب الحدث يرقب ويبحث ويصدع بالموقف وبالفكرة. حرّ في تقييمه بشكل ملفت، ويقول كلمته في ما حدث يوم 14 جانفي وفي الحراك السياسي ان في القصبة (قصر الحكومة) أو في قاعات اللقاءات والاجتماعات سواء ما يخص الاتحاد العام التونسي للشغل او كل الاحزاب والمنظّمات المعارضة للنظام السابق... نظام يعتبر الاستاذ عبد المجيد الشرفي أنه لا يزالا جزءا منه (قد يكون الأكبر) مسيطرا على الحكومة... سألته في البداية عن موقفه، وعن مشاعره، وعن مستوى مشاركته في كل هذه التطوّرات... وكذا عن رأي استاذ الحضارة وصاحب «لبنات» بجزأيه الاول والثاني، وصاحب المحاضرات التي تنبّأ فيها وتحدث عبر حبر البحث العلمي، بأن المجتمع التونسي مرشّح، عن طريق شبابه المتعلق بالحرية والمنفتح على العالم عبر «الانترنيت» وكل وسائط الاعلام السريعة والمتطوّرة، مرشّح إذن الى أن يعمد الى ثورة مدنية على واقع يزيد انغلاقا كلّما انفتحت سبل حضارية جديدة للانفتاح أكثر ولتقبل وتسويق المعلومة؟ يقول أستاذنا «سي عبد المجيد الشرفي»: «الايجابي في كل ما حدث، هو أن لنا رئيسا للجمهورية (مؤقت) وفق الدستور، وأنه بامكانه حسب نص الدستور أن يعيّن حكومة... إذ هو ليس مقيّدا بالحكومة التي ورثها. الايجابي أن هناك لجنة لتحوير الدستور حتى تتم انتخابات حرّة، والبرلمان الذي سينبثق عن هذه الانتخابات، هو الذي يمكن تحوير ما ينبغي تحويره من المواد الاخرى. محور القضية باعتقادي، يتمثل في التقليص من صلاحيات رئيس الدولة، المشكل ان الاصلاحات التي عرفها الدستور وعمليات التحوير في نصوصها، تزيد في كل مرّة من صلاحيات رئيس الدولة وليس تنقيصها. هذا اضافة الى أن التحويرات الاخرى ليست مستعجلة، ربّما اذا رأت هذه اللجنة، ادخال تعديلات (في الدستور) لضمان التفريق بين السلطات وهذا ربّما يكون أحد مقترحات اللجنة، يمكن أن يتم ذلك. فهذه لجنة مفتوحة من حيث العضوية وبالتالي المقترحات. أما اللجنتان الاخريان (تقصّي الحقائق والفساد والرشوة)، فإني شخصيا ضد هاتين اللجنتين، مع العلم أن بن علي هو الذي كوّنهما... واني أرى ان القضاء وحده المؤهّل لهذه المهمة... لأن موضوع ومهام مثل هاتين اللجنتين ليس من اختصاصهما، بل القضاء هو المؤهّل لهذه المهمة... (هنا قال سي عبد المجيد الشرفي معلّقا على الأمر: الآن هناك تخميرة...). وأضاف الاستاذ عبد المجيد الشرفي في معرض ردّه على السؤال الآنف: اللجنة السياسية (للاصلاح السياسي ويترأسها الاستاذ عياض بن عاشور) لابد وأن تعمل، أما صلاحيات اللجنتين الاخريين فهي من مهام القضاء... أستاذي الكريم، كيف عشت أحداث الرابع عشر من جانفي، وكل الأحداث التي صاحبت وتلت وسبقت هذا التاريخ؟ هل كنت في تونس أم خارجها؟ نعم كنت في تونس... أنا عشت ككل التونسيين بكل جوارحي، أنا في تونس عشت الثورة التي بدأت انتفاضة لكنها أصبحت ثورة شعبية وشبابية هي في الحقيقة، كانت ثورة متوقّعة لكن شكلها لم يكن ممكنا التوقع به. أما أن الثورة قادمة فهذا أمر لا شك فيه... الأمر لم يكن يحيق به شكّ. وذلك لعدّة عوامل. أولا: انعكاسات الازمة الاقتصادية، لأن الاتفاق الضمني بين بن علي وعموم المجتمع حول الأمور الاقتصادية، كان على ما يُرام «الاقتصاد على ما يرام والرفاه الاقتصادي متوفّر اذن أنا أحكم مثلما أريد». هذا ما كان يقوله بن علي (ضمنيا) فلمّا جاءت الأزمة الاقتصادية وتراجع الرفاه الاقتصادي، حدث ما حدث. ثانيا: ما شهده النظام من تكالب غريب وشنيع على تكديس الثروات بطرق غير شرعية ولا أخلاقية. في المدة الاخيرة سجل التونسيون تكالبا غريبا يدل على انعدام الوعي التام بأدنى متطلبات الحكم الرشيد. ثالثا: عنصر ثورة الاتصالات الحديثة، فبدون هذه الوسائل للاتصال الحديث، ما كانت الثورة لتنتشر بهذه الصيغة (من حيث تبليغ وتلقّي المعلومة). رابعا: وهنا أريد أن أعلّق، أن ليس لي تفضيل في هذه العناصر، ولا ترتيب تفاضلي لها، بل هناك تضافر بينها، اذن رابعا: استبسال أهالي سيدي بوزيد وتالة والقصرين في التمسك بمطالبهم... لقد قدّموا تضحيات كبيرة. هذه أربعة عوامل تضافرت بالاضافة الى أنه أي حكم يدوم لعقود، فإنه ينهار بطبيعته بشكل أو بآخر. من الأمور التي يفخر بها كل تونسي أن ثورة تونس كانت ثورة شعبية ومدنية، ولكنها سلمية... العنف كان فقط من الميليشيات والشرطة، لا من الناس المحتجين والمتظاهرين. كانت ثورة مدنية لا عسكرية ولا دينية، حتى عندما حاولت بعض الجهات الركوب على الثورة أزاحتها الجماهير... وهذا محل فخر، أن الشعب التونسي توصّل الى هذا المستوى، كانت الشعارات مبنية على مطالب مشروعة... الثورة الآن، وبعد أسبوعين من بلوغها أوجها، بانهيار النظام السابق، نلاحظ أجندات اجنبية تتسابق فيما نسجّل أيضا تنافسا وسباقا غير مسبوق من النخب والاحزاب والمنظمات على الثورة ونتائجها، رغم أنها ثورة نبعت على غير ما قالت به النظريات من الشعب، كيف يرى الأستاذ عبد المجيد الشرفي هذه الحقائق.. أو ما يبدو أنه حقائق؟ في اجتماع السبت الماضي دعيت له، لدى أحد الأحزاب (...) السياسية، فقلت ما يلي: إنّ النخبة السياسية في تونس لم تكن في المستوى.. لم تكن كذلك، سواء كانت في الحكم أو في المعارضة.. أنا أستغرب بأن أحزابا سياسية معارضة تقبل الدخول في تشكيلة حكومية تجهلها.. أي تجهل ممّن تتكون هذه التشكيلة.. وهي في اعتقادي مازالت الى اليوم غير مستجيبة (الحكومة) لمطلب أساسي من مطالب المرحلة الحالية: وهو تكوين حكومة متمتعة بالثقة الشعبية.. حكومة تقول عنها مختلف الفئات الاجتماعية: أثق في هذه الحكومة.. فهي نظيفة وكفأة.. بمعنى حكومة قادرة على تسيير شؤون البلاد في هذه المرحلة الانتقالية.. لهذا فأنا بقدر ما أثمّن وأقدّر الانجازات التي قامت بها الحكومة الحالية، من فصل بين الدولة والأحزاب والاعلان عن تقديم مشروع قانون العفو التشريعي العام وإن عادت الأحزاب التي كانت محلّ تتبع ومضايقة أو غير معترف بها الى النشاط بحرية وخاصة عندما عادت ثلاث منظمات الى صيغها الشرعية: جمعية القضاة ونقابة الصحفيين والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الانسان بقدر ما تحيّا الحكومة عليها، بقدر ما أنا لست راضيا عن هذه الحكومة المؤقتة وأعتبر أن المرحلة الحالية تقتضي وفي أقرب وقت أن تتفق جميع الأطراف على شخصية وطنية مستقلة لترأس الحكومة المؤقتة وأن تكون الحكومة لا على أساس الأحزاب بل على أساس الكفاءة والنظافة لأن تكوين حكومة على هذه الأسس هو وحده الكفيل بالاستجابة الى المطلب العاجل وأقصد الاقتصاد. إذ بدون اقتصاد تنهار كل المكاسب والمكتسبات وتفتح باب الفوضى. هناك تمسّك بالسيد محمد الغنوشي على أساس أنه كان مغلوبا على أمره طوال 10 سنوات؟ السيد محمد الغنوشي برهن على أنه غير قادر على أن يكون رجل المرحلة الحالية ما ينقصه، بالاضافة الى أنه طوال عشر سنوات على رأس الوزارة هو السلطة الأدبية التي تجعل كلامه مسموعا لدى أوسع فئات الشعب. المرحلة الحالية تقتضي أن يكون رئيس الحكومة شخصا يتمتع بسلطة أدبية وتونس تعجّ بالكفاءات. هناك خوف من الفراغ (حسب ما يُقال)؟ أنا لا أعتقد أن هناك خطر حدوث فراغ.. لأن أجهزة الدولة تعمل وحتى الخبرة في تسيير الوزارات غير مطلوبة.. فنحن نرى الانتقال بعد الانتخابات في بلدان ديمقراطية، كيف يتم من لون الى لون، ولكن عمل الدولة يستمر ولا يتأثر.. حكومة الاستقلال سنة 1956 عمر الوزير فيها 27 سنة، لم تكن هناك إدارة تونسية قبل تلك المرحلة، لكنها نجحت (الحكومة) رغم ذلك فكيف لا تنجح الحكومة الآن في ظل ثورة.. إني أستغرب من الادعاء بالخوف من الفراغ.. إذا ما تم هذا فسوف تسترجع الثقة في الحكومة باعتبارها مؤقتة وتسلم أمور الحكم لمن ستفرزه الانتخابات ثم تعمل على اصلاح ما يمكن اصلاحه من الأمور التي أفسدها النظام البائد وخاصة في السنوات الأخيرة من نهب الأموال العامة وماهو مطلوب الآن هو أكثر من حكومة تصريف أعمال وأقل من حكومة لها برنامج متوسط وبعيد المدى. اصلاحات أولية لكي تكون الحكومة قادرة على أن تُسيّر بدون عقبات من الموجودة في الوقت الحالي مثلا عندما تأتي حكومة وتكون لها مجموعة من الولاة الأكفاء، ولا يجب أن يكون الوالي منتميا الى حزب من الأحزاب، لأن الوالي يمثل الدولة عندها يبدأ سلم النجاح، كذلك الشأن بالنسبة الى المؤسسات الاقتصادية والاجتماعية. لكني أرى أنه من مهام هذه الحكومة الحرية بالثقة أن تدعو كل مكونات المجتمع المدني الى عقد مؤتمرات استثنائية لكي تنبع هيئات ممثلة من اتحاد الشغل الى الأحزاب السياسية والمنظمات بكل أنواعها ولا ننسى أن النظام السابق لم يكن يسمح بهذه المؤتمرات حتى في مستوى جمعيات مهنية وحتى على مستوى الحزب الحاكم كان مستوليا على الجمعيات المدنية. الآن وبصفة مستعجلة لا بدّ من مؤتمرات استثنائية حتى تكون ممثلة لمنظوريها. أضيف الى ذلك أن مهمة الحكومة الانتقالية تنحصر في تنظيم انتخابات بلدية لأن التجربة الديمقراطية تكتسب في البداية في مستوى البلديات لا في المستوى التشريعي. هذه في نظري أهم متطلبات المرحلة الحالية وكلها منسجمة مع مقتضيات المرحلة ومع مقتضيات الدستور ومقتضيات المرحلة: حكومة مؤقتة ومنبثقة نوعا ما عن هذه الثورة ولو أنها منبثقة بصفة تلقائية أي أن المرحلة هي التي فرضتها ولأن رئيس الدولة المؤقت هو من يعيّن الوزير الأول والحكومة.. هل ترى أن حلّ حزب الدستور أي التجمع، أمر مطلوب وكيف؟ لا أرى شيئا الحزب الدستوري ما دام قد تقرر فصله مثل عامة الأحزاب فلينظم نفسه كما يشاء ولا على الأحزاب الأخرى ولا لها أن يريد منخرطون فيه أن يعيدوا له اسمه هم أحرار، ولكن لا لتمويل الدولة له ولا على موظفي الدولة... ولهذا لست من الذين يطالبون باجتثاث الحزب الدستوري أو حله... هو مثل الأحزاب الأخرى مدعو إلى عقد مؤتمر لقيادة أخرى.. لا ننسى أن جل القيادات الحالية منتخبة ومعينة بطريقة غير ديمقراطية بما فيها اتحاد الشغل... هل تخاف على الثورة من أجندات أجنبية بدأت تتسابق على المشهد التونسي؟ وهل تعتقد أنها موجودة؟ ما أخشاه هو أن تدوم الوضعية الحالية التي هي وضعية عدم استقرار. هذا ليس في صالح الثورة... والأجندات الأجنبية لا يمكن التغلب عليها إلا باللحمة الشعبية إذا وثق المواطن في الحكومة فإنها تقوى... الحكومات الضعيفة وحدها التي يمكن ابتزازها، أما الحكومات القوية بالشعب فلا خوف عليها. الأخطار تتجدد... يمكن اليوم أن تأتي من جار وغدا من قوة عظمى... لهذا فإنّ القضية كلها تكمن في الوصول إلى اجتياز المرحلة الحالية... وأن تكون الحكومة غير منسوبة إلى طرف دون طرف آخر لا خارجية ولا داخلية لذلك قلت رئيس حكومة يجب أن يكون شخصية وطنية مستقلة ومن وزراء يمكن أن تكون لهم انتماءات سياسية... عندها كل القوى الحية في المجتمع سوف تساندها، لا أظن أن هؤلاء الذين يبيتون في الشارع في البرد القارس، لا يفهمون أن الحكومة ليس لها عصا سحرية، بل هم يريدون أن يثقوا في الحكومة وهذا غير متوفر للأسف في الحكومة الحالية. وهذا مفهوم لأنها تكونت في ظروف استثنائية وقصيرة لكن الآن لا بد من التفكير في مقتضيات المرحلة القادمة. هناك قولة شهيرة: الاستعمار لا يتسلّط إلاّ على القابل للاستعمار والأجندات لا تفرض إلا على ما هو قابل لذلك... كيف ترى صورة الرئيس القادم؟ هذا سابق لأوانه وهذا من المفروض أن كل الخيارات تطرح في نطاق لجنة بن عاشور... نحن بحاجة إلى أن تجدّد المنظمات ديمقراطيا والأحزاب... ويكون برلمان ممثل هو الذي يبرر نظام رئاسي مع سلط مضادة قوية ونظام برلماني. الاهتمام بالمسألة لأنها قضية الساعة خاصة في نهاية الأمر القضية قضية موازين قوى في المجتمع. لذلك يجب أن تكون له هياكل منظمة من المنظمات المهنية والحقوقية والبلدية إلى الأحزاب. وكيف ترى دور الإعلام الآن ومستقبلا؟ ينبغي أن يكون حرّا حرية لا تحد منها إلا أخلاقيات المهنة. الآراء تنقل بحرية والآراء حرة حرية مطلقة هذا بالنسبة إلى الإعلام الخاص وبالنسبة الى العام من المفترض أن تكون هيئة مستقلة يوكل إليها تنظيم القطاع والإشراف عليه.