قراصنة يخترقون وزارة دفاع بريطانيا ويصلون إلى رواتب العسكريين    الصحة العالمية تحذر من شن عملية عسكرية في رفح    سعيد.. سيحال على العدالة كل من تم تعيينه لمحاربة الفساد فانخرط في شبكاته (فيديو)    بالفيديو: قيس سعيد: تم اليوم إعادة حوالي 400 مهاجر غير نظامي    في لقائه بخبراء من البنك الدولي: وزير الصحة يؤكد على أهمية التعاون المشترك لتحسين الخدمات    صادرات قطاع القوارص ترتفع بنسبة 15,4 بالمائة    النادي الصفاقسي يوضح تفاصيل احترازه ضد الترجي    معبر راس جدير والهجرة غير النظامية أبرز محاور لقاء قيس سعيد بوزير الداخلية الليبي    جامعة كرة القدم تحدد موعد جلستها العامة العادية    مجلس الحرب الصهيوني يقرر استمرار العملية العسكرية في رفح    أريانة.. غلق المصب العشوائي بسيدي ثابت    طقس الليلة: مغيم مع هبوب رياح قوية في كافة مجالاتنا البحرية    ياسمين الحمامات.. القبض على تونسي وامرأة اجنبية بحوزتهما كمية من المخدرات    هل يساهم تراجع التضخم في انخفاض الأسعار؟.. خبير اقتصادي يوضّح    فتح بحث تحقيقي ضدّ المنصف المرزوقي    مدنين: حجز أكثر من 11 طن من الفرينة والسميد المدعم وحوالي 09 أطنان من العجين الغذائي    لأول مرة في مسيرته الفنية: الفنان لمين النهدي في مسرحية للأطفال    اتصالات تونس تنخرط في مبادرة 'سينما تدور'    وفاة مقدم البرامج والكاتب الفرنسي برنار بيفو    رياض دغفوس: لا يوجد خطر على الملقحين بهذا اللقاح    بمناسبة اليوم العالمي لغسل الأيدي: يوم تحسيسي بمستشفى شارل نيكول حول أهمية غسل الأيدي للتوقي من الأمراض المعدية    كرة اليد: المنتخب التونسي يدخل في تربص تحضيري من 6 إلى 8 ماي الجاري بالحمامات.    مدنين: استعدادات حثيثة بالميناء التجاري بجرجيس لموسم عودة أبناء تونس المقيمين بالخارج    فيديو/ تتويج الروائييْن صحبي كرعاني وعزة فيلالي ب"الكومار الذهبي" للجوائز الأدبية..تصريحات..    التيار الشعبي : تحديد موعد الانتخابات الرئاسية من شأنه إنهاء الجدل حول هذا الاستحقاق    عاجل : القاء القبض على السوداني بطل الكونغ فو    تصنيف اللاعبات المحترفات:أنس جابر تتقدم إلى المركز الثامن.    تعرّض أعوانها لإعتداء من طرف ''الأفارقة'': إدارة الحرس الوطني تُوضّح    بداية من مساء الغد: وصول التقلّبات الجوّية الى تونس    ناجي جلّول يترشح للانتخابات الرئاسية    نسبة التضخم في تونس تتراجع خلال أفريل 2024    سليانة: حريق يأتي على أكثر من 3 هكتارات من القمح    الفنان محمد عبده يكشف إصابته بالسرطان    الرابطة الأولى: البرنامج الكامل لمواجهات الجولة الثالثة إيابا لمرحلة تفادي النزول    جندوبة: تعرض عائلة الى الاختناق بالغاز والحماية المدنية تتدخل    عاجل/حادثة اعتداء تلميذة على أستاذها ب"شفرة حلاقة": معطيات وتفاصيل جديدة..    الفنان محمد عبده يُعلن إصابته بالسرطان    عاجل/ حزب الله يشن هجمات بصواريخ الكاتيوشا على مستوطنات ومواقع صهيونية    مطالب «غريبة» للأهلي قبل مواجهة الترجي    صادم: قاصرتان تستدرجان سائق سيارة "تاكسي" وتسلبانه تحت التهديد..    اليوم: طقس بمواصفات صيفية    بطولة الرابطة المحترفة الاولى (مرحلة التتويج): برنامج مباريات الجولة السابعة    القيروان ...تقدم إنجاز جسرين على الطريق الجهوية رقم 99    عمر كمال يكشف أسرارا عن إنهاء علاقته بطليقة الفيشاوي    مصادقة على تمويل 100 مشروع فلاحي ببنزرت    زلزال بقوة 5.8 درجات يضرب هذه المنطقة..    عاجل/ مقتل شخصين في اطلاق نار بضواحي باريس..    أنباء عن الترفيع في الفاتورة: الستاغ تًوضّح    أهدى أول كأس عالم لبلاده.. وفاة مدرب الأرجنتين السابق مينوتي    وزارة الشؤون الثقافية تنعى الفنّان بلقاسم بوڨنّة    اجتماع أمني تونسي ليبي بمعبر راس جدير    جمعية مرض الهيموفيليا: قرابة ال 640 تونسيا مصابا بمرض 'النزيف الدم الوراثي'    غدًا الأحد: الدخول مجاني للمتاحف والمعالم الأثرية    مواطنة من قارة آسيا تُعلن إسلامها أمام سماحة مفتي الجمهورية    خطبة الجمعة ..وقفات إيمانية مع قصة لوط عليه السلام في مقاومة الفواحش    ملف الأسبوع .. النفاق في الإسلام ..أنواعه وعلاماته وعقابه في الآخرة !    العمل شرف وعبادة    موعد عيد الإضحى لسنة 2024    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أحمد المستيري في حديث شامل ل«الشروق»: أخشى على الثورة من نكسة: أخطأنا في المراهنة على بن علي في نوفمبر 1987
نشر في الشروق يوم 29 - 01 - 2011


٭ حوار: فاطمة بن عبد اللّه الكرّاي
خمس خيبات أصيب بها «سي أحمد» المستيري، من عهد بورقيبة إلى عهد بن علي..
لم يخرج الرجل عن صمته الذي دام عشرين سنة ونيفا، بل كان ممنوعا من كل وسائل الإعلام التونسية، وهو ينآى بنفسه، وفق ذلك، أن يدلي بتصريحات بشأن بلاده إلى وسائل إعلام أجنبية.
لسنا مغامرين.. ثورة تونس معجزة.. الدستور الحالي تقادم ولم يعد صالحا.. على الحكم الجديد أن لا يقطع «شعرة معاوية» مع الذين مازالوا متنفذين من رموز النظام السابق.. لا بدّ من التعامل بمرونة وبيقظة مع عجلية الانتقال من حكم الماضي إلى حكم المستقبل الذي نادت به ثورة تونس.
دون انتهاج سبيل «الزعماتية» أو المغامرة، يرى الأستاذ أحمد المستيري مؤسّس حركة الديمقراطيين الاشتراكيين، ان مجلسا وطنيا أو هيئة وطنية مشكّلة من كل ألوان الطيف السياسي والجمعياتي المدني في تونس، وحده الكفيل بضمان ما تقدّم من مقترحات جاءت على لسانه في هذا اللقاء الشامل والخاص، ب«الشروق»...
من التجربة المرّة ينطلق.. ومن الممارسة السياسية إن مع بورقيبة أو مع بن علي، يحاول أن ينآى بالثورة من النكسة أو الانتكاس..
لا يفرض رأيه على أحد.. ولكنه مؤمن بأن شعب تونس الذي قاد بنفسه ثورته، بإمكانه أن يصنع واقعا جديدا وأن يفرز قيادات تؤمن له ضمن مبدإ التعددية والتداول على الحكم، واقعا جديدا.. مشرقا..
ليس لي طموح سياسي في الحكم أو الزعامة لا الآن ولا غدا.. هكذا شدد أصغر النواب سنّا من الجليل المؤسس لدستور 1959.. وبناة الجمهورية في 1957..
فإلى هذا اللقاء وقد سألته:
مرت الآن أربع عشرة ساعة على إعلان التشكيلة الجديدة للحكومة...تشكيلة فرضها الشارع ...فرضها المتظاهرون القابعون في العراء في ساحة القصبة. كيف يرى السيد أحمد المستيري هذه الحكومة الآن وفي هذا الظرف بالذات?
أولا تركيبة الحكومة الحالية هي أحسن من التركيبة السابقة من حيث اقصاء العناصر المقدوح فيها والتابعة للنظام السابق. اضافة الى أن الجديد في هذه الحكومة التي أعلن عن تشكيلها منذ ساعات تمكين عناصر جديدة من مناصب هامة...خاصة مناصب السيادة شخصيا لا أعرف أغلب الأفراد الموجودين فيها من الجيل الجديد... أعرف ثلاثة منهم وخاصة الديبلوماسي «سي أحمد» ونيّس (وزير الخارجية) وكذلك «سي محمد» الناصر (وزير الشؤون الاجتماعية) والأزهر القروي الشابي( وزير العدل) هذا من حيث التركيبة...أما بالنسبة الى صلاحياتها فأعتقد أنه بما أنها حكومة وقتية يجب أن يقتصر دورها على الشؤون الجارية( يوميا) ريثما تأتي حكومة منبثقة عن انتخابات نيابية ورئاسية فيها تعددية .
كيف ترى المرحلة الانتقالية..ما المطلوب من الحكومة المؤقتة وما المطلوب من الأحزاب والمنظمات والشعب في هذه الفترة?
المرحلة الانتقالية ضرورية...لا يجب أن تكون طويلة... وتكون تحت «إشراف» (معنوي) المجلس الوطني (لإنقاذ الثورة وتأطيرها وهي مبادرة بن صالح المستيري الفيلالي) فهي التي يمكن أن تتولى الإشراف في المرحلة الانتقالية على الحكومة المؤقتة وكيفية إصدار القوانين لتنظيم الحياة العامة من حيث احترام حقوق الانسان والحريات العامة والتعددية السياسية وخصوصا المجلة الانتخابية ثم إعداد ما يسمى التنظيم المؤقت للسلط العمومية الذي يمهد للدستور لفترة قصيرة محددة ريثما يقع تنصيب المجلس التأسيسي الذي سيحرر الدستور... وينبثق عنه الدستور الجديد ثم انتخاب رئيس جديد وبرلمان جديد، اذاك ينتصب نظام جديد، عندها يصبح لا موجب لهذه الهيئة( المجلس الوطني للثورة) فهذه الفترة تدوم على أقصى تقدير ستة أشهر... هذه الصيغة تنظم السلط العمومية بصفة مؤقتة.
ومثل هذا المقترح (للمجلس الوطني لتأطير الثورة) عرفناه سابقا في الفترة الفاصلة بين الاستقلال الداخلي والاستقلال التام...وقتها أصدرنا قانونا يضبط بصورة مؤقتة حتى أعلن الدستور (1959) ...طبعا هذا التنظيم المؤقت يمكن أن يشرف عليه المجلس الوطني هذا المقترح.
هذه الهيئة يقع تكوينها من كل من ساهم بصورة مباشرة وغير مباشرة في الثورة وكل من له علاقة بهذه الثورة يعني كل أطياف المجتمع المدني.
والأحزاب بطبيعة الحال?
بخصوص الأحزاب فإني أقصد كل الأحزاب الموجودة بالفعل أما التي حصلت على التأشيرة أو التي قدمت مطالب لنيل التأشيرة ولم يستجب لها... هذا هو المعيار.
أما الأحزاب التي طلبت التأشيرة وحصلت عليها بعد هروب الرئيس السابق فكأنها أحدثت وفق تكتيك التشرذم.
مثلا? هل تعطينا مثالا أو أسماء لما تقصد من أحزاب?
لا أدري
المبادرة التي قدّمتموها تحت تسمية «المجلس الوطني لتأطير الثورة» هل بدأت نشاطها? هل رأت النور?
لا، مازالت لم تنشط بعد... نحن ما يهمنا هو كيف تتم حماية هذه الثورة وأهدافها ومطالبها وبالنسبة لي شخصيا، أرى أنه لا فائدة في أن أؤكد وأعيد أن ليس لي طموح سياسي لا في الحين ولا مستقبلا... المهم أن هذه التركيبة عندما تتكون من أحزاب وتنظيمات مدنية، يجب أن تتوصل في أقرب الآجال الى وضع يقع فيه القطع الحقيقي مع النظام السابق وكل ما فيه من رجال وناس ونصوص وتنظيمات ومؤسسات انتخابية خصوصا مجلسي النواب والمستشارين... حتى تكون الاستجابة الى رغبة الأغلبية الساحقة.
أعتقد أن جهات في الحكومة الحالية سواء من رموز النظام السابق أو المعارضة السابقة، رفضت هذه المبادرة وتعلة بعضهم أن «سي أحمد» المستيري مثلا، سكت 23 سنة وتكلم الآن، ويتساءلون: لماذا يا ترى؟
«سي أحمد» يبتسم... ثم يقول: «أنا أكدت من الأول أن ليس لي طموح سياسي ولا رغبة في الحكم... ثم انني عبرت كمواطن عن أفكاري وعن كيف أرى أن يكون مصير بلادي... ثم قلت اذا كانت هذه الهيئة (المجلس الوطني) ستتكون، فإني أرشح نفسي لرئاستها بالانتخاب طبعا... أما أنني لم أتكلم طوال 23 سنة (مدة حكم بن علي) فلأنني لم أقدر على الكلام... ليس هناك وسيلة اعلام تونسية واحدة كان يمكن أن تنقل عني رأيي... ثم أنا يثقل علي أن أتوجه الى وسائل الاعلام الأجنبية لأعبر عن رأيي... حرية الاعلام والنشر كانت مفقودة في العهد السابق مفقودة تماما، خاصة بعد نكسة 1989... وأقصد تاريخ الانتخابات الأولى من حكم بن علي.
من ناحية أخرى، نجد أن الكلمة الآن، في ما يخص المستقبل القريب والبعيد هي للجيل الذي بعدنا... ولكن اذا ثمة اتجاه للتغيير فأنا على ذمة هذا الجيل... ولكن لن أفرض رأيي خاصة في ما يخص رئاسة هذا المجلس أو الهيئة التي قدمنا بشأنها مبادرة لحماية الثورة... طبعا اذا انتخبوني... وأعتبر نفسي عضوا فيها.
المواطنون بوغتوا أنني خرجت عن صمتي تماما كما بوغتوا باندلاع الثورة... بما فيهم التنظيمات... لم تكن للتنظيمات السياسية يد مباشرة في هذه الثورة... الجميع عندما شهد الثورة ساهم...
ما الذي حدث في 1989، حتى تنعته بالنكسة؟
عام 1989 قلت بكل شجاعة (بعد الانتخابات) إني أخطأت في مساندة بن علي، كنت أول الناس الذين أعلنوا مساندتهم لبن علي وطبعا لم أكن وحدي بل الأخوة في حركة الديمقراطيين الاشتراكيين.
كيف توصلت الى هذه القناعة، أي اعلانك أنك أخطأت في مساندة بن علي؟
هناك موطن جزئي، تفطنت اليه عندما بدأت أشعر أن الكلام الذي قيل في نص بيان 7 نوفمبر 1987، بدأ يحيد عن المعلن...
وهذا منذ البداية، لمست الاشارات الدالة على ما سأقول... وأولها أنني دعيت الى الاذاعة باللغة الفرنسية (التونسية) في حصة مع سفير فرنسا بتونس «ايريك رولو»... وفي آخر لحظة جاءني الصحفيون وقالوا لي انه غير ممكن انجاز هذه الحصة... وقد أنجزت الحصة وكان فيها تفاعل مع المستمعين، وقال الصحفيون الفرنسيون (أعلنوا ذلك على الهواء) إن أحمد المستيري ممنوع من الظهور (صوتا) على الأثير من تونس... ومن الاذاعة التونسية بالذات... الاشارة الأخرى، هي أنه وبعد يوم واحد أو اثنين من يوم 7 نوفمبر 1987، تكلّم الوزير الأول وقتها (الهادي البكوش) في ندوة صحفية وقال ما ضيّق من مجال البيان (7 نوفمبر)... قال جملة مهمة وملفتة: التغيير ضمن المواصلة Le chamgement dans la continuité.
بينما كنّا نعتقد أنه تحول... ففي بيان 7 نوفمبر لم تكن فيه إشارة واحدة إلى حزب الدستور (الحزب الاشتراكي الدستوري)... إذن جاء بعدها حزب الدستور ودخل في الحكم وتابع لجهاز الحكم.
أما النقطة الثالثة وهي إشارة أخرى فهي تهم الميثاق الوطني... في 1988، وعند تناول مشروع الميثاق الوطني، التفّت حول النص مجموعة من الناس تمثّل الجميع ومنهم الإسلاميون... وفي جلسة الإمضاء أبديت رأيي فيما يخصّ الميثاق الوطني... وقلت لبن علي إن الغرض من هذا الميثاق هو أن لا تعود تونس إلى 6 نوفمبر 1987... لأن ما وقع لتونس حتى يوم 6 نوفمبر 1987 هو الذي جعل حركة 7 نوفمبر ضرورية.
وماذا قال لك بن علي... أو بما ردّ على كلامك؟
لم يجبني... ظل صامتا...
وهنا أشير إلى أنّه عند إعداد الميثاق الوطني تكونت لجنة للتحرير كان يرأسها محمد الشرفي... وافق الجميع وحرّر النص وبقيت المسألة رهن موافقة أحمد المستيري... وأذكر أن «سي محمد الشرفي (رحمه الله) قال لي وقد كان هو مقرّر اللجنة، إن المشروع الذي بين يدينا فيه مبادئ ديمقراطية وحقوق إنسان... هناك كلمة «التداول على الحكم أو على منصب الرئيس»، طلب منّي أن أوافق على حذفها... قلت له يا سي محمد: أنت رجل قانون... كلمة تداول موجودة ضمنيا في الفصول الأخرى فلماذا حذفها؟
فنحن إذا توفقنا إلى تطبيق نص الميثاق الوطني فإن التداول سيكون منطقيا فقال لي: إذا لم تحذف هذه الكلمة (تداول) لن تكون هناك موافقة على الميثاق (من بن علي) فبقيت محدقا فيه أنظر إليه أن كيف يقع هذا... ولمّا ألحّ وشدّد أن المشروع كلّه سيسقط في الماء إذا لم تُحذف الكلمة قلت في نفسي:
وهل أفسد كل المشروع ونحن مازلنا على الأبواب.. أبواب مرحلة... ومن ناحية أخرى، قلت في نفسي أيضا، انه ربما يذهب بهم الظنّ أن لي نوايا شخصية في مسألة الحكم... فوافقت.. بعد رفض...
كيف كان لقاؤك الأول ببن علي؟
عندما التقيته بادرت بالقول والتأكيد أنني لن أترشح للرئاسية... وقد لامني على هذا الموقف بعض الاخوة من حركة الديمقراطيين الاشتراكيين.
وحتى صحيفة «لومند» Le Monde الفرنسية كتبت في هذا الاتجاه بلغة فيها استغراب أن كيف تكون انتخابات تعددية في البرلمان وغير تعددية في الرئاسية... رغم ذلك قبلت الغموض.
بعد ذلك تبين لي أن النظام الجديد قد بدأ...
بدأ التضييق الإعلامي وبدأ مجال التضييق على حركة الأحزاب المعارضة... ثم جاء استهداف التيّار الإسلامي فبقيّة الأحزاب السياسية.
كيف دخلتم في ائتلاف وطني حول ترشيح بن علي فيما دخلتم التشريعية من منطق تعددي؟
الهادي البكوش هو من طلب صيغة الائتلاف بين الأحزاب لدخول البرلمان قبلت الأحزاب هذا المقترح في جلسة عقدناها بما فيها «النهضة» (الحزب الإسلامي) والحزب الشيوعي... ولم يبق إلا حزب الديمقراطيين الاشتراكيين حيث قلت للبكوش لا أستطيع أن أوافق قبل أن أعود بالنظر والتشاور صلب المكتب السياسي والمجلس الوطني... وهذا الأخير هو الجهة المخوّلة لاتخاذ هكذا قرار...أي القرار النهائي. رجعت إلى المجلس الوطني فوجدت أن الفكرة موجودة وراجت في صفوفه... بل تسرّبت داخله... وشعرت أن هناك اتجاها للقبول فقلت : إذا قبلتم المقترح فإنّي سأستقيل من المكتب السياسي... لكنهم أرغموني (أعضاء المجلس الوطني لحركة الديمقراطيين الاشتراكيين) على البقاء... وخرجت وقلت لهم مفسّرا : لماذا أرفض هذا التحالف؟ نحن خرجنا من عهد الحزب الواحد والرئيس الواحد، وعندما سنعود إلى مثل هذا المنطق فنحن سنعود إلى نظام الحزب الواحد وسنضرب التعددية... عندها، ولما هدّدت قبلوا ورفض اقتراح البكوش، ودخلنا «البرلمانية» بتعددية لكن الرئاسية حصل إتفاق على ترشيح بن علي... والتشريعية كل يدافع عن قائمته... وهنا جاء المقال الذي نشر في جريدة «لوموند» وتساءل كاتبه : كيف تصوتون للرئيس فرديا وتدخلون «البرلمانية» تعدديا...؟
جاء موعد الانتخابات، وطلبنا منها كمعارضة، أن لا يكون لون ورقته الرئاسية بنفس لون الحزب الإشتراكي الدستوري، فرفض بن علي المقترح... ثم عمدوا إلى تخويف الناس إضافة إلى أنهم زوّروا الانتخابات كما زوروها في 1981 عهد بورقيبة. وخرجنا... وقلت بعدها إنني أخطأت... خرجت وقلت بعدها إنني أخطأت... خرجت من الحزب (MDS) وقلت ما يلي : أنا مسؤول عن فشل هذه الخطة خطة مراهنتي على بن علي.
وخرجت من الحزب طبعا...
في 7 نوفمبر 1987، كانت حركة الديمقراطيين الإشتراكيين تعاني من ضغوطات عديدة؟
عندما جاء «7 نوفمبر» 1987، كانت صحيفة المستقبل (لسان حال حركة الديمقراطيين الإشتراكيين) ممنوعة من الصدور منذ ستة (6) أشهر قبل ذاك التاريخ وبالصدفة جاء يوم صدورها يومين بعد السابع من نوفمبر، كتبت إفتتاحية الجريدة ليوم 9 نوفمبر 1987 بعنوان : «كسبُ الرّهان» وقلت فيها : ما هو الرّهان؟ هو أن يكون هذا النظام الجديد صادقا... في وعوده، إذا كان بن علي صادقا فهذا رهاننا، تواصل الافتتاحية... نعم هذا رهاننا... لكن إذا يتجه اتجاها آخر، عندها نعتبر أنّنا خسرنا الرّهان، لا سيما أن بعض البوادر صدرت بعد... الإذاعة / ندوة البكوش (ندوة صحفية) / دخول حزب الدستور السلطة بقوة.
كنت أول من قال آمنّا ببيان 7 نوفمبر 1987، فتبين أن الوعد غير صحيح... كيف توضّح هذه المسألة للقراء؟
نعم كنت أول من قال : آمنا ببيان 7 نوفمبر... ولكني غرّرت... في أكثر من مناسبة... جيلنا جيل الكفاح من أجل الاستقلال ساهمنا في النضال من أجل الاستقلال وبالنسبة لنا لم يكن الاستقلال يعني تعويض المقيم العام الفرنسي (المحتل) بالباي وليس تعويض الباي ببورقيبة، بل هو استقلال وحرية.
فتبين بعد مدة أن الأمر صار إلى نظام الحزب الواحد ثم نظام الشخص الواحد... عندها (عهد بورقيبة) خرجت وأغلقت الباب... كان ذلك سنة 1968 عندما كنت وزيرا للدفاع... كنت أول من قدم استقالته إلى بورقيبة...
المرة الثانية، عندما جاء بورقيبة وقد عاد له «شاهد العقل» في قضية التعاضد وتحدث عن مسألة الديمقراطية والتعددية داخل الحزب الاشتراكي الدستوري (الحاكم) حيث جاء مؤتمر المنستير سنة 1971، وقد حصلنا على الأغلبية (كتيار ديمقراطي داخل الحزب) وكانت اللوائح دليلا على ذلك، وأقررنا حرية النقاش داخل هياكل الحزب، ثم أقررنا قاعدة جديدة.
فيها حرية النقاش داخل هياكل الحزب، ثم قاعدة الانتخاب داخل هياكل الحزب، بما فيها الديوان السياسي (حيث دأب تعيينه الرئيس) وانتخاب الشعب فما راعنا إلا أن أطردوني من الحزب... وقبلت بذلك، بعد أن تراجع الحزب عما أقره المؤتمر...
أما الخيبة الثالثة فعندما عاد لبورقيبة «شاهد العقل» مرة أخرى، وأقرّ التعددية السياسية، حيث أسسنا حركة الديمقراطيين الاشتراكيين... فقد عينت تاريخ المؤتمر (مؤتمر الحركة) ولم تكن عندنا تأشيرة، فوجدت الحكومة نفسها في مأزق إما اعتراف أواتجاه نحو المجهول في مجال القمع...
فما كان من النظام (بورقيبة) إلا أن اعترف بحركتنا (الحزب).
أما الخيبة الرابعة فهي ما حدث مع بن علي وقلته منذ حين... والخامسة تزوير الانتخابات باعتراف منهم. من هنا أجد نفسي وبعد خمس (5) خيبات مضطرّا إلى أن أراهن مرة أخرى على الأمل ولكن مع وجود ضوابط وضمانات...«garde-fou»
ما هي الضمانات التي تراها في لجنة الإصلاح السياسي مثلا والتي ستحدد شكل النظام القادم؟
لا بد لهذه اللجنة من غطاء سياسي... من ناحيتي أقول إن المهم بالنسبة إليّ أن لا يبقى الدستور الذي تركه بن علي... فهو دستور لا وجود له...
لماذا وكيف؟
لأنه وقع تغييره وتحويره ومع ذلك هو نفسه بن علي الذي خرقه... التغييرات التي قام بها ضمن نطاق الحزب الواحد... حتى من الناحية القانونية فإن هذا الدستور قد خرقناه نحن أيضا..
إذ عندما أطردنا بن علي لم يكن ذلك مطابقا للدستور... والملفت أن الدستور الحالي على علاته، كان بن علي سيخرقه من جديد بمجرد أنه نوى الترشح لولاية سادسة...
وهذا دليل آخر، أن هذا الدستور غير صالح، والدليل الآخر تلك اللعبة في تنصيب الرئيس من الفصل 56 الى 57....( أي من الغنوشي كوزير أول الى المبزع كرئيس مجلس النواب) كانوا واقعيين لكان التطبيق يخلو من التردد الذي رأيناه، وعليه فان التمسك بالشرعية الدستورية لا يستقيم هنا دستوريا.
كيف ترى شكل النظام القادم... هناك من يتحدث عن نظام رئاسي وهناك من يرى نظاما برلمانيا أفضل لتونس، وثمة من يرى نظاما رئاسيا محاطا بضمانات دستورية حتى لا يحصل ما حصل مع بورقيبة وبن علي : شخصنة الحكم?
عندما يسن دستور جديد وتقع انتخابات فجيلكم أنتم والأصغر منكم هو من سيقرر نمط الحكم...وشكل النظام السياسي أما أنا فليس لي قول « في هذا الشأن.
ألا تعتقد أن تضمين مبدإ المحاسبة في المشهد القانوني القادم من الدستور الى بقية القوانين هو أحد الضمانات التي تمنع تجاوز السلطة L'abus du pouvoir »
هناك مؤسسات قانونية تضمن هذا المبدأ... رئيس الجمهورية كيف يحاسب.... هذا موجود ...ولكن أكبر محاسبة هي الانتخابات واقرار مبدإ التداول...
المرحلة الانتقالية هذه التي بدأت بعد يجب أن تدقق وتحدد بتدقيق صورة كيف يتم الانتقال من الحكم السابق الى الحكم القادم ثم تحدد الأساس القانوني والسياسي للحكم الجديد ...وهنا تأتي الاستعانة بأهل الذكر...(بن عاشور ...بلعيد...)
كيف ترى الأجندات الأجنبية التي بدأت سباقا محموما على ثورة تونس....هل تخشاها...? هل تقدر أنها موجودة أصلا?
طبعا هي موجودة ...وطبعا نخشى على الثورة منها...لهذا أقول إنه يجب أن نسرع...فثورتنا مباركة ...هي ثورة كان لها صدى خارج حدودنا ومحيطنا العربي الاسلامي وفي العالم بأسره المختصون في علم الاجتماع يعتبرونها معجزة...خاصة بالنسبة الى الطريقة التي وقع بها اسقاط الحكومة...
هل ترى مخاطر نكسة لا قدر الله؟
نعم أشعر بمخاطر نكسة... فهي موجودة ومحدقة بالثورة داخليا من الذين خلفهم النظام، فهؤلاء كما الألغام تحت الأرض، قابلة للإنفجار في أي لحظة... كذلك الأمر بالنسبة الى الخارج... ... الوسيلة الوحيدة لتفادي النكسة هيّ التماسك والمرونة في التعامل مع بقايا النظام السابق...
نحن الآن بحاجة إلى خيط معاوية... شرط أن يقبله الطرف المقابل. ونحن مستعدون لفسح المجال إلى خيط معاوية...
كل الخوف، أن تقطع شعرة معاوية بدون أن نكون نحن المسؤولين...
وهنا شدّد «سي أحمد» المستيري، على أن المبزع والغنوشي، ليسا وحدهما من يأخذ القرار الحاسم.
هل تقصد أن هناك خيوطا خفية؟
هنا لا أقصد الجيش الوطني فأنا أعتبر أنه قام بدور أساسي في حماية المواطنين ودوره أساسي في حماية البلاد... أنا أفكر هنا في عناصر من بقايا النظام السابق قد تكون مقحمة وسط جهاز الحكم...
فهؤلاء لهم مكاتب ووسائل يسيطرون فيها ومن خلالها على القرار... وسط الحكم الآن، هناك من يخربون الآن حتى يبقى الحكم كما كان عليه عهد بن علي وحتى يكونوا ظروفا لامكانية رجوع بن علي إلى السلطة...
نحن لسنا نبحث عن المغامرات المهم أن يقع التحول من النظام السابق إلى الآتي، بالحفاظ على مكاسب تونس... وأقصد الاقتصاد... وهنا أعيد : لسنا مغامرين...


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.