رئيس الجمهورية قيس سعيّد.. المفسدون... إمّا يعيدون الأموال أو يحاسبهم القضاء    فاتورة استيراد الطاقة لا تطاق .. هل تعود تونس إلى مشروعها النووي؟    في علاقة بالجهاز السرّي واغتيال الشهيد بلعيد... تفاصيل سقوط أخطبوط النهضة    مذكّرات سياسي في «الشروق» (5) وزير الخارجية الأسبق الحبيب بن يحيى... يتكلّم الصادقية حاضنة المعرفة والعمل الوطني...!    أخبار المال والأعمال    تقديرات بانحسار عجز الميزانية الى 6.6 ٪ من الناتج المحلي    مع الشروق .. «طوفان الأقصى» أسقط كل الأقنعة.. كشف كل العورات    مع الشروق .. «طوفان الأقصى» أسقط كل الأقنعة.. كشف كل العورات    مزاد دولي يبيع ساعة أغنى راكب ابتلعه الأطلسي مع سفينة تايتنيك    الرابطة الثانية (ج 7 إيابا) قمة مثيرة بين «الجليزة» و«الستيدة»    مانشستر سيتي الانقليزي يهنّئ الترجي والأهلي    ترشح إلى «فينال» رابطة الأبطال وضَمن المونديال ...مبروك للترجي .. مبروك لتونس    فضاءات أغلقت أبوابها وأخرى هجرها روادها .. من يعيد الحياة الى المكتبات العمومية؟    تنديد بمحتوى ''سين وجيم الجنسانية''    ابتكرتها د. إيمان التركي المهري .. تقنية تونسية جديدة لعلاج الذقن المزدوجة    الكاف..جرحى في حادث مرور..    نبيل عمار يؤكد الحرص على مزيد الارتقاء بالتعاون بين تونس والكامرون    استشهاد خمسة فلسطينيين في قصف لطيران الاحتلال لمناطق وسط وجنوب غزة..#خبر_عاجل    القواعد الخمس التي اعتمدُها …فتحي الجموسي    ماذا في لقاء وزير الخارجية بنظيره الكاميروني؟    طقس الليلة    تسجيل مقدّمة ابن خلدون على لائحة 'ذاكرة العالم' لدى اليونسكو: آخر الاستعدادات    بطولة الرابطة 1 (مرحلة التتويج): حكام الجولة الخامسة    البطولة الافريقية للجيدو - ميدالية فضية لعلاء الدين شلبي في وزن -73 كلغ    توزر: المخيم الوطني التدريبي للشباب المبادر في مجال الاقتصاد الأخضر مناسبة لمزيد التثقيف حول أهمية المجال في سوق الشغل    نابل: الاحتفاظ بشخص محكوم بالسجن من أجل "الانتماء إلى تنظيم إرهابي" (الحرس الوطني)    أكثر من 20 ألف طالب تونسي يتابعون دراساتهم في الخارج    التوتر يشتد في الجامعات الأمريكية مع توسع حركة الطلاب المؤيدين للفلسطينيين    مواطن يرفع قضية بالصافي سعيد بعد دعوته لتحويل جربة لهونغ كونغ    مدير عام وكالة النهوض بالبحث العلمي: الزراعات المائية حلّ لمجابهة التغيرات المناخية    الجزائر تسجل حضورها ب 25 دار نشر وأكثر من 600 عنوان في معرض تونس الدولي للكتاب    المؤرخ الهادي التيمومي في ندوة بمعرض تونس الدولي للكتاب : هناك من يعطي دروسا في التاريخ وهو لم يدرسه مطلقا    كتيّب يروّج للمثلية الجنسية بمعرض تونس للكتاب؟    وزارة التجارة تتخذ اجراءات في قطاع الأعلاف منها التخفيض في أسعار فيتورة الصوجا المنتجة محليا    الرابطة 1 ( تفادي النزول - الجولة الثامنة): مواجهات صعبة للنادي البنزرتي واتحاد تطاوين    افتتاح المداولات 31 لطب الأسنان تحت شعار طب الأسنان المتقدم من البحث إلى التطبيق    تضم فتيات قاصرات: تفكيك شبكة دعارة تنشط بتونس الكبرى    يلاحق زوجته داخل محل حلاقة ويشوه وجهها    عاجل/ إصابة وزير الاحتلال بن غفير بجروح بعد انقلاب سيارته    القلعة الصغرى : الإحتفاظ بمروج مخدرات    تراجع إنتاج التبغ بنسبة 90 بالمائة    هام/ ترسيم هؤولاء الأعوان الوقتيين بهذه الولايات..    تقلص العجز التجاري الشهري    الشابّة: يُفارق الحياة وهو يحفر قبرا    السعودية على أبواب أول مشاركة في ملكة جمال الكون    عاجل/ تحذير من أمطار وفيضانات ستجتاح هذه الدولة..    أخصائي في أمراض الشيخوخة: النساء أكثر عُرضة للإصابة بالزهايمر    التشكيلة المنتظرة للترجي في مواجهة صن داونز    تُحذير من خطورة تفشي هذا المرض في تونس..    عاجل : القبض على منحرف خطير محل 8 مناشير تفتيش في أريانة    دورة مدريد : أنس جابر تنتصر على السلوفاكية أنا كارولينا شميدلوفا    أمين قارة: إنتظروني في هذا الموعد...سأكشف كلّ شيء    هرقلة: الحرس البحري يقدم النجدة والمساعدة لمركب صيد بحري على متنه 11 شخصا    وصفه العلماء بالثوري : أول اختبار لدواء يقاوم عدة أنواع من السرطان    خطبة الجمعة .. أخطار التحرش والاغتصاب على الفرد والمجتمع    منبر الجمعة .. التراحم أمر رباني... من أجل التضامن الإنساني    أولا وأخيرا...هم أزرق غامق    ألفة يوسف : إن غدا لناظره قريب...والعدل أساس العمران...وقد خاب من حمل ظلما    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



خاص: الحبيب عمار يكشف ل «الشروق»: هكذا انقلب الدكتاتور على بيان 7 نوفمبر
نشر في الشروق يوم 05 - 02 - 2011

سنوات طويلة وأنا أحاول مع السيد الحبيب عمار كي يخص جريدتنا بحوار تاريخي حول ما حدث سنة 1987 والمهام التي تقلدها عبر مسيرته السياسية وأسباب القطيعة مع الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، وكان دائما نفس الرد: «بالله فك علي... موش وقتو...» وكان الرد مغلفا بما كنت استشعره في الرجل من رهبة ان لم أقل خوفا وحيطة في غاية الدقة والخطورة.
وأول أمس ولما كنت بمكتبي رن جرس الهاتف لأجد «سي الحبيب» على الخط ليخاطبني: «يا خالد حان وقت الكلام وكشف الملفات أنا جاهز للحديث والاجابة عما تريده من الأسئلة والاستفسارات.» ويواصل: «رفع عني الكابوس... أنا الآن انسان حر وسأقول كل الحقائق انارة للرأي العام ولأدافع عن نفسي وعن عائلتي وأبنائي الذين ظلموا طويلا وهم متخوفون على مستقبلهم...».
التحقت بالسيد الحبيب عمار، بحثا عن تفاصيل مهمة وحقائق ومعطيات تكتب عنها الصحافة التونسية لأول مرة وذلك بفضل ثورة 14 جانفي،
في ما يلي نص الحديث مع السيد الحبيب عمار:
من هو السيد الحبيب عمار؟
كأي مواطن تونسي وطني غيور تربيت منذ الصغر على النضال من أجل البلاد والعمل باخلاص ووفاء التزمت بالانضباط والتضحية وروح التفاني في مختلف مواقع المسؤوليات المناطة بعهدتي ومراكز العمل منذ 1952 وعمري 14 سنة وسجنت من قبل الجندرمة الفرنسية.
فمن الحركة التحريرية (ضمن الشباب الدستوري) الى الجيش الوطني، الى قيادة الحرس الوطني ثم مسؤولية وزارة الداخلية ومنها كسفير تونس بالنمسا ثم كوزير للمواصلات وبعدها مسؤولية تنظيم الألعاب المتوسطية «تونس» 2001، انتهاء الى رئاسة اللجنة المنظمة للقمة العالمية حول مجتمع المعلومات (SMSI) «تونس 2005».
ما طبيعة علاقتكم ببن علي وكيف نفذتم ما حدث يوم 7 نوفمبر 1987؟
كانت علاقة زمالة في الجيش تربطنا علاقة اننا من نفس الجهة عرفته كإنسان «خدام» وأنه مستقيم منذ أن كان عمرنا 19 سنة وقد تم تعييني قبله بعد أزمة أحداث 1984 كآمر حرس وطني يوم 10 جانفي وكان هو حينها سفيرا في بولونيا، ويوم 20 جانفي تم تعيينه هو مديرا عاما للأمن وقد تعاملنا في اطار المهمات الأمنية فقط حتى تدريجيا أصبح هو كاتب دولة ثم وزيرا للداخلية ثم وزيرا أول وأنا كنت دائما مديرا عاما للأمن اشتغل بكل حماس لتطوير وتحديث الحرس الوطني آنذاك وأدخلت للحرس الوطني الطائرات العمودية (هيليكوبتر) وفرق الأنياب وحسنت جميع الأوضاع الاجتماعية للأعوان من مثل المستشفى في العوينة وقمت بالاشراف على بناء مساكن لاطارات الحرس في حي الطيب المهيري على أرض اقتنيتها باسم التعاونية من بلدية حلق الوادي ثم قسمتها وهي حاليا حي للحرس.
عند اشراف بن علي على الوزارة الأولى حدثت اضطرابات وكان الوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي سيئا جدا وكنت شخصيا أحترم جدا الزعيم الحبيب بورقيبة وأقدّره كثيرا.. لكن كنت أتألم وأنا أراه في حالة صحية متدهورة جعلته عاجزا عن تسيير شؤون البلاد، وفي نفس الوقت كان التكالب على الرئاسة من قبل المحيطين به.
ومن هنا جاءت فكرة انقاذ البلاد بطريقة حضارية وخاصة بعد الاضطرابات التي حدثت في سوسة (بعض النزل) خلال شهر أوت، منذ ذلك الوقت كنا حريصين على تحصين الوضع الأمني ومسك البلاد بالتنسيق مع الوزير الأول ثم جاءت فكرة الخلافة في جلسة عرضية في دار بن علي في المنزه (شارع يوغرطة) تقريبا 20 يوما قبل 7 نوفمبر 1987 بعد اشعاره من قبل سعيدة ساسي بأن بورقيبة يعتزم إزاحته من الوزارة الأولى في اليوم الموالي. وهذا الأمر دعاه الى استدعائي رفقة الهادي البكوش ومحمد ساسي وكمال لطيف وأعلمنا بالمسألة (إزاحته) وكنا متحيّرين وقلقين لأن التكالب على الخلافة كان على أشدّه والوضعية تزداد تأزما.
وفي ذلك اللقاء عبر بن علي عن أسفه لأن بورقيبة سيقيله على خلفية رفضه تنفيذ الاعدام في راشد الغنوشي.
ولكن من الغد لم تتم اقالته بعد استقباله من قبل بورقيبة الذي لم يتحدث له عن أي شيء يهم الاقالة من الوزارة الأولى.
وعاودنا الالتقاء في نفس اليوم (يوم الاثنين) بعد لقاء بورقيبة، وكان اللقاء الثلاثي (أنا وبن علي والهادي البكوش) في منزل الهادي البكوش وجاءت فكرة الخلافة حسب الدستور التي طرحها سي الهادي وأنا شخصيا كنت أقدّره لحنكته السياسية ونضاله الطويل ونظافة يديه ومحبته الكبيرة للرئيس بورقيبة.
ومن هنا تمّ البدء في الاعداد لتنفيذ الخلافة حسب الدستور في كنف الهدوء ودون إراقة الدماء وبطريقة حضارية خدمة للمصلحة العليا للبلاد.
وليلة 7 نوفمبر تعرضت أنا شخصيا الى مخاطر عديدة خاصة حينما أقدمت على فكّ الحراسة في قصر قرطاج حيث رفض البعض تسليم أسلحتهم وواجهتم بكل شجاعة وبكل هدوء حتى لا يتم اطلاق النار وإثر العملية كلمتني سعيدة ساسي من النافذة لأن زورق الحرس الوطني يحدث الضجيج وهذا يقلق الرئيس فأعطيت الأوامر للزورق بالسكوت تفاديّا لازعاج الرئيس بورقيبة. ثم غادرت المكان لتولي مسؤولية وزارة الداخلية.
هناك قضية مرفوعة من أحد المحامين يتهمكم فيها بالاساءة الى الرئيس بورقيبة؟
أنا لم أقابل أبدا الزعيم بورقيبة ليلة 7 نوفمبر وإثر تنقله من قصر قرطاج الى مرناق ومن هناك الى المنستير وكانت التعليمات تعطى مباشرة من طرف الرئيس السابق (بن علي) الى رجال الأمن ولم أشاهد الحبيب بورقيبة أبدا وأنا أتحدّى أيّا كان يقول بأني أعطيت تعليمات تهم إقامة أو تنقل أو سكن الزعيم بورقيبة.
لقد أصرّ بن علي على أن يكون كل شيء بيده في ما يتعلق بالزعيم بورقيبة. وكنت حينها أواجه قضايا أخرى تهم سير وزارة الداخلية.
ما هي أسباب الخلاف بينكم والرئيس السابق وبسرعة؟ وهل صحيح أنه كان هناك اتفاق بينكما على التداول على الرئاسة؟
لم يكن هناك أي اتفاق على التداول كان الاتفاق الوحيد على احترام الدستور في انتقال السلطة، ولكن بعد تولي بن علي الرئاسة الفعلية وفي إثر إحدى اللقاءات طلب الهادي البكوش من بن علي تكوين لجنة إنقاذ سياسية على حسب وثيقة 7 نوفمبر حتى نصل إلى الانتخابات لكن بن علي رفض ذلك المقترح وواصل عمله ولاحقا أزاحني أنا ثم أزاح البكوش، وكان ذلك المقترح والذي ساندته شخصيا من أحد أسباب بداية تأزم العلاقة وحدوث القطيعة.
كيف تمّت إقالتكم من وزارة الداخلية؟
في نطاق النشاط بالداخلية، قُمت بتقديم ملفات شخصية لبعض الأشخاص المقربين للرئيس تخصّ تجاوزات واستغلال نفوذ وفساد.
وقد تمّت إقالتي من الوزارة بعد أقل من سنة والبقاء لمدة تقارب 15 يوما تحت الإقامة الجبرية ومحلّ حراسة مشددة ومراقبة مستمرة في التنقل والاتصالات الهاتفية وهي وضعية تواصلت حتى 14 جانفي 2011 وقد تولت إحدى الصحف الأسبوعية المعروفة بموالاتها للرئيس السابق بتلفيق التهم نحوي قصد تشويه السمعة، ورفعتُ بها قضية في الثلب وانتهاك الأعراض (المحاميان: عبد الرحمان الهيلة وعبد اللطيف المامُغلي).
وقد كسبتُ القضية وتم تفنيد التهم الموجهة إلي زورا وبهتانا وبرغبة شخصية من الرئيس المخلوع.
الإبعاد إلى النمسا
وفي جوان 1989 تم تعييني سفيرا بالنمسا وفي إطار مهامي كسفير لتونس بالنمسا نظمت في الفترة ما بين (19901991) حفل استقبال بمناسبة انعقاد المؤتمر العالمي لحقوق الإنسان وحضر وفد رسمي يرأسه الحبيب بن يحيى وبحضور 50 شخصية من بينهم نزيهة زرّوق وكمال الحاج ساسي وفائزة الكافي وغيرهم...).
وقد استدعيتُ بهذه المناسبة وبمبادرة شخصية كل من سهام بن سدرين والمنصف المرزوقي ووضعت على ذمتهم سيارة السفير لإيصالهم إلى مقرات سكناهم.
وفي سنة 1991 أجريت حوارا مع Jeune Afrique بمناسبة ذكرى التغيير وهو ما جعل الحبيب بولعراس (وزير الخارجية آنذاك) يعلمني بإقالتي من أجل ذلك.
وبعد 15 يوما يتصل بي محمد الجري (مدير الديوان الرئاسي) ليعلمني بمواصلة العمل والبقاء بفيينا.
وفي إطار مواصلة الضغط والتشفي مني تعرضت سنة 1991 إلى محاولة قتل وتصفية جسدية من طرف عناصر مجهولة وملثّمة (جُرح خلالها طبّاخ السفارة).
وعلى إثر الحادثة اتصلت بوزير الداخلية النمساوي الذي أكد لي بأنني مستهدف ومنحني رخصة خاصة لحمل السلاح لحمايتي الشخصية عند الحاجة وهو إجراء خاص واستثنائي على الصعيد الدبلوماسي. وفي سنة 1992 تعرض منزلي بسكرة إلى الحرق في محاولة لإتلاف التجهيزات والأثاث الخاص بابنتي وهي على أبواب الزواج ولم تتدخل الحماية لإطفاء الحريق مما يثبت تعمد حرق المنزل.
وكان أبنائي الباقون بتونس عُرضة دائما لمضايقات مختلفة ومتعددة.
العودة إلى تونس من جديد
ثم تمّ سنة 1997 تعييني كوزير للمواصلات وكانت الوزارة في وضع سيء للغاية، وإنجازات أقل من سنتين شاهدة على ما قمنا به: (البريد السريع إعداد خدمات الهاتف الجوال وانترنات بعث ديواني البريد والاتصالات البريد الجوي Aéropostale المركز الطبي والاجتماعي تحسين الأوضاع المهنية والاجتماعية للأعوان). كنتُ حريصا على النجاح في المهمة الموكلة لي.
وفي الأثناء وفي إطار الصفقات العمومية للاتصالات (GSM) تعرضت إلى ضغوطات كبيرة من أجل التنازل في هذه الصفقة لفائدة مؤسسة ALCATEL بإيعاز من «سليم شيبوب».
وقد قابلت ذلك بالرفض والتمسك بالقانون في درس الملف وعرضه خلال الاجتماع برئيس الديوان «الحاج قلاعي» والكاتب العام للوزارة «المنصف جعفر» والمدير العام ل«اتصالات تونس» «الحسومي زيتون» من أجل التقيّد بالاجراءات القانونية في تناول هذا الملف ولم ينل شيبوب حينها مبتغاه، وكان ذلك من أسباب إقالتي من الوزارة في جانفي 1997 بعد سنتين من العمل أدّت الى الارتفاع بالوزارة الى مستوى عصري (بشهادة كافة العاملين بالقطاع).
وبعد ذلك تمّت الاحالة مباشرة على التقاعد بإيعاز من الرئيس بن علي نفسه الذي لم يكن يرغب في أن يعترض أحد على مطامع أقربائه وأصهاره ، ولاحقا تمّت دعوتي للإشراف على الألعاب المتوسطية (تونس 2001)، حيث تمّ تعييني على رأس اللجنة الخاصة بتنظيم الألعاب على إثر وفاة زميلي وصديقي المرحوم «عبد الحميد الشيخ» خلفا له في هذه المهمة، وفي هذه المحطة تعرّضت الى تحالف كل من سليم شيبوب وعبد الحميد سلامة بهدف تعطيل نجاح الألعاب (Sabotage) ومن ذلك تحريض بعض الجماهير الموالية على التشويش بمناسبة كلمتي الافتتاحية، وبالرغم من النجاح الباهر للألعاب لم تقع مكافأتي بأي شكل من الأشكال ولم أقابل الرئيس بل أكثر من ذلك تمّ تهميش ما قمنا به في صلب اللجنة ونسب ذلك الى وزارة الشباب والرياضة. ولاحقا تمّ تكليف لجنة مراقبة لمدة 3 أشهر على خلفية اتهامي بسوء التصرف ولم نتوصل من خلال أبحاثها المعمّقة الى ما يفيد ذلك بل أثبتت براءتي من كل الشبهات وذلك عن طريق السيد «صلاح الدين الشريف» الكاتب العام للرئاسة آنذاك.
وفي ماي 2003 تمّت تسميتي على رأس اللجنة القارة المكلفة بالاعداد المادي والتنظيمي للقمة العالمية حول مجتمع المعلومات «تونس 2005».
وقد كانت بالنسبة لي أهم وأصعب مهمة باعتبار أن صورة تونس مرتبطة ارتباطا وثيقا بنجاح هذه التظاهرة العالمية.
وفي مسألة الاقامة والإعاشة الخاصة بالوفود الأجنبية المشاركة تدخل «بلحسن الطرابلسي» شخصيا للاستحواذ على الصفقة الخاصة بالطبخ (Restauration) وقد عارضت ذلك بشدة مما أثار غضبه وأدى الى دعوتي الى رئاسة الجمهورية ضمن اجتماع عقد للغرض برئاسة «عياض الودرني» وبحضور عدد من الوزراء المعنيين والمستشارين بالرئاسة (علي السرياطي محمد قديش عبد الحميد سلامة صلاح الدين الشريف..) وقد أدليت برأيي في ذلك الاجتماع موضحا موقفي الرافض لمطلب «بلحسن الطرابلسي» وهو الشيء الذي لم يرق للسيد «عياض الودرني» الذي طالبني بعدم ذكر الأسماء.
وفي الافتتاح الرسمي للقمة انزعج بن علي من الثناء والتقدير الذي نالني في الكلمة الترحيبية للكاتب العام للاتحاد الدولي للاتصالات (uit) وأعطى تعليماته بحذف اسمي من الفقرة المصورة بالتلفزة والخاصة بتلك التظاهرة.
وخلال المدة التي تلت انعقاد SMSI اتهمني بن علي بربط علاقة مشبوهة بالسفير الايطالي وهي تهمة مزعومة لا أساس لها من الصحة مما أدى به الى تجريدي من كل مسؤولية وفقدان أي شكل من الامتيازات (السيارة والسائق إلخ..) وهي تعليمات بلغتني عن طريق السيد «زهير المظفّر» وأوصى بن علي رئيس مجلس المستشارين «عبد الله القلال» بمنعي من أخذ الكلمة خلال الجلسات العامة.
وأصررت على أخذ الكلمة بمناسبة الجلسة العامة ليوم 13 جانفي (أي يومين قبل الثورة) احساسا مني بدقة الظرف كمواطن تونسي ناضل منذ الصغر من أجل الوطن وقد اتصلت بعبد الله القلال بمكتبه بحضور نزيهة زروق والمكي العلوي لتأكيد طلبي لأخذ الكلمة ومما قلته في تلك الكلمة ضرورة تشكيل دوريات مشتركة من قوات الأمن والجيش ومتطوعين عن كل الأحزاب السياسية والمنظمات الوطنية كما اقترحت حث المؤسسات لتسخير سيارات للقيام بهذه الدوريات لأنه كان من رأيي ان مجهودات قوات الأمن لوحدها لا تكفي كما أكدت أن اصلاح الوضع لا يمكن ان يكون الا بمشاركة فاعلة من كل الأطراف وكل الأحزاب ومكونات مجتمعنا بالعمل اليه في اليد لبناء مستقبل أفضل على أسس وقواعد جديدة.
هناك اليوم حقائق عديدة حول فساد العائلة الحاكمة بشكل واسع وكبير هل لكم ما تشهدون به في هذا المجال?
ربما ما أشهد به أن الفساد من قبل العائلة والمقربين بدأ منذ سنة 1988 وخاصة من قبل سليم شيبوب وكان تعيين المسؤولين في الحرس والديوانة والأمن موالين لهم من قبيل مصطفى بدر الدين (الحرس) وابراهيم جمال الدين (الديوانة)
وبدأ من تلك التعيينات الفساد ينتشر.
ما هي معلوماتكم بخصوص طريقة تعارف بن علي وليلى الطرابلسي?
تعرف عليها بمفرده لكن لما عارضت أخوتها وأخواتها في بعض المشاريع حكمت علي بالابعاد التام.
ولم أكن أرغب في ان أتدخل في أموره الخاصة كما أنه كان غيورا ولا يريد من يتدخل في أموره الخاصة
كيف تتصورون نظرة الرئيس المخلوغ اليكم?
كان دائما له تخوفات مني ولذلك فعل كل ما في وسعه لاحقا لكي لا أكسب شيئا حتى أكون رهينة له وكان أبنائي يتعرضون لمضايقات وأكبر مضايقة (سنة 2010) كانت مع «اتصالات تونس» حيث أراد أبنائي بيع بطاقات الشحن(موزع) حينها وبعد تقديم المطلب الذي كان مستوفي كل الروابط القانونية فوجئنا بالرفض الى حد هذا التاريخ واعطاه صخر الماطري وآخرين من المقربين وكان منتصر وايلي يماطل ويطمئنني وعلمت أنه لا يمكن له الاستجابة لهذا المطلب دون موافقة الرئاسة وللتاريخ فان سي الهادي البكوش أراد الالتزام ببيان 7 نوفمبر وكان لديه توجه لاحترامه كاملا لأنه مرجع.
وما أؤكده أن بن علي كان متوجسا مني كثير لأنه يعرف صراحتي وصدقي بكل الأمور حيث كنت أقول كلمتي بكل شجاعة.
وما أذكره كذلك أنني قررت بمحض إرادتي وكان معي كمال سياسي ( رئيس ديواني) افراغ السجون من المساجين السياسيين والعودة الى الديمقراطية والحرية واحترام حقوق الانسان ولم أدخل يوما الى أي سجن أو زنزانة من زنزانات التعذيب وأتحدى أيا كان أن يثبت تورطي في عمليات ايقاف أو تعذيب أو زرت أي وحدة سجنية أو غرفة تعذيب.
هدفي كان السعي الى تطوير العمل بالوزارة وأساليبها وهو ما كان من مشمولاتي مع إعادة هيكلة الوزارة بفصلها عن إدارة الأمن الوطني وتحديث طرق العمل.
كيف تقدّرون طريقة خروج بن علي من السلطة؟
أعتبر طريقة الخروج نوعا من الخيانة اضافة الى أنها دليل ضعف وخوف وكنت أتلمس فيه هذا الأمر، ولهذا كان يحتكر وينفرد بالسلطة لتأمين نفسه وحماية سلطته وعائلته.
وقد فوجئت ككل التونسيين واستغربت وتأسفت لأن عملية الهروب هي خيانة للوطن ودليل على أن بن علي كان أنانيا وجبانا.
لو اعترف بأخطائه وبعمليات النهب التي قامت بها العائلة وحاكم كل الذين ارتكبوا الجرائم لكان أفضل له وأصلح للبلاد، لكن لا ينفع العقار في ما أفسده الدهر،ولم ينل بن علي إلا جزاء ما اقترفت يداه.
في الختام، ماذا لك أن تضيف؟
إنّ كل المسؤوليات التي تحملتها أدّيتها بكل تفان واخلاص وفي كنف التضحية وأحيانا واجهت الموت (في صحراء الأردن أحداث أيلول الأسود)، وإبّان أحداث قفصة 1979 وليلة 7 نوفمبر 1987 حيث أشهر في وجهي أعوان الحرس الرئاسي أسلحتهم ولكن تقدمت بشجاعة ورفضت أن يتدخل العقيد محمد المحمودي (آمر سرية الطلائع في الحرس الوطني) لردّ الفعل وهو الشخص الذي أبعده في فترة لاحقة علي السرياطي.
وللشهادة فإن العقيد المحمودي وهو لا يزال على قيد الحياة إنسان وطني وغيور جدا.
ولقد نجحت في كل المهام التي أنيطت بعهدتي وهي الجيش الوطني والحرس الوطني ووزارة الداخلية وسفارة تونس بالنمسا ووزارة المواصلات والألعاب المتوسطية تونس 2001 والقمة العالمية لمجتمع المعلومات 2005.
وما شعرت به أن نيّة بن علي حينما كان يُوكل إليّ بمسؤولياتي كانت البحث عن توريطي وهي تمثل تحديات بالنسبة لي، لذلك عملت ما في وسعي للنجاح وتفادي ما كان بن علي حريصا عليه في افشالي وتوريطي وابراز عجزي وهو ما لم يقع والحمد للّه وأنا مرتاح الضمير وما فعلت شيئا في غير خدمة وطني.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.