سألني بلا مقدمات.. أنت تتحدث مع نفسك دائما.. أجبته: لا.. أحيانا لا أجدها.. ولا أعرف ماذا أفعل حين تكون نفسي في العمل أو في المقهى.. تصوّر.. كنت ذات مرّة أبحث عن نفسي في الشارع الكبير بالعاصمة.. وهل وجدتها؟ لا.. هي التي وجدتني.. وضعنا هذا الحديث بين قوسين وعدنا الى الموضوع.. ماذا يحدث في العالم العربي؟ كان السؤال مرفوقا بابتسامة ونقطة تعجّب ولكن جواب الصديق كان غريبا.. وعجيبا.. قال: في السابق كان الناس يصطفّون أمام المخبزة في طابور طويل لشراء الخبز.. قاطعته: والآن ماذا يجري؟ الحكومات العربية هي التي تقف الآن في الطابور. لشراء الخبز؟ لاقتطاع.. تذكرة.. وهل أحضرت الصّرف؟ لا أعرف.. ولماذا تكثر من الأسئلة؟ العمل يا صديقي.. الصحافي يسأل والمسؤول يقدم الجواب.. لنقلب الآية.. هناك صحافيون يقدمون الأجوبة. هم مسؤولون.. أو يقومون بدور المسؤول.. أو ينتحلون صفته.. أو هم مفوضون للتحدث باسم المسؤولين.. هناك احتمالات أخرى.. لا أبدا.. كل الاحتمالات واحد أو إثنان.. أو قاطع ومقطوع.. أقصد علامة «إكس» التي لم يجد العرب الى الآن كلمة قصيرة.. لتعريبها والتي يرفضون احتضانها.. دع هذا الموضوع «يذهب» الى حال سبيله.. هل رأيت ميدان التحرير في القاهرة أمس؟ أنا كنت هناك.. كنت قريبا من الإمام.. لا أنا أمزح.. كنت قرب التلفزيون وسمعت الخطبة والنشيد الوطني المصري.. بلادي بلادي من ألحان سيد درويش.. هل تعرف ذلك؟ أعرف.. ولا أظنه (سيد درويش) كان يتوقع أن يؤدي مليون مصري معا.. ذاك النشيد الذي ألّفه في مقهى.. كانت المقاهي نواد ثقافية.. أتعرف.. أنا أتذكر الى الآن عازف القانون الذي كان في مطلع ثمانينات القرن الماضي يجلس قرب المسرح البلدي بالعاصمة.. القانون منعه من العزف على القانون.. هكذا قالوا.. كان عليه أن يعزف على «البندير».. لنعد الى موضوعنا.. من بعد مصر؟.. لا أعرف.. المطلوب إجراء عملية قرعة.. ولكننا لن نتدخل في شؤون الجامعة العربية بأجهزتها ومجالسها المختلفة. أتظنّ أنه ستكون هناك قمة عربية في الربيع.. القمة انعقدت.. في ميدان التحرير.. كانوا كلهم يراقبون الأحداث.. ويراقبون موقف الجيش المصري.. لا يعرفون ماذا يفعلون.. ومع أي طرف يقفون. وهل تظنهم فهموا الدرس؟ ليس المطلوب أن يفهموا الدرس.. بل ان «يفهموا أنفسهم» وهم الآن بين المطرقة.. والسندان. وهل تعتقد أنهم سيفعلون ذلك ويذهبون «من هناك الى هناك».. لا أظنّ.. التظاهرات (وحتى الأعراس) المدنية الهادئة قليلة في العالم العربي والجميع يريد «الزيطة» والمزمار و«الطبل».. والمسألة.. حسابات وشعارات وديمقراطيات..