انتهت «جمعة الرحيل»، ولم يرحل مبارك، كما لم تخل ساحة ميدان التحرير من المعتصمين في مشهد تؤكد كل ملامحه أن كل طرف متمسك بموقفه، ويبدو أن كلا منهما يراهن على الزمن لانهاك الآخر، لكن لا أحد يمكنه في الوقت الراهن الجزم بأن هذا الطرف أو ذاك هو من سيبادر بالمغادرة. وقد أرسل حسني مبارك أمس إشارات واضحة بأنه غير مستعد للرحيل بالشكل الذي تطالب به أطياف في المعارضة وغالبية المعتصمين من الشباب الثائر، كما ليس من الوارد على الأقل في الوقت الراهن أن يفوض الرئيس صلاحياته لنائبه عمر سليمان. وقد ظهر مبارك أمس في اجتماع وزاري مصغر لبحث الأوضاع الاقتصادية بعد 10 أيام من الشلل المؤسساتي على جميع الأصعدة. ويبدو الاجتماع رسالة قوية للمحتجين مفادها أنه لا يزال على موقفه الأول أي أنه لن يغادر منصبه إلا في تاريخ انتهاء ولايته الرئاسية. ويدور السؤال الآن عما يجعل الطرفين متشبثين بمواقفهما ومن أين يستمد كل منهما ثقته بنفسه بأنه قادر على الصمود في معركة عض أصابع ربما قد تطول أياما وأسابيع وربما أشهر. ويأتي الجواب بأنه الزمن الذي يراهن كل طرف على أنه سيكسبه النصر في النهاية. فبعد «جمعة الرحيل» التي أرادها ملايين المحتجين والتي مددوها الآن الى «أسبوع الصمود» لاستمرار الضغوط على مبارك، يراهن نظام مبارك أيضا على صموده وعلى أن طول فترة الاحتجاجات كفيلة بأن توهن من عزيمة المتظاهرين وتجبرهم على الرحيل من ميدان التحرير ومن شوارع المدن الأخرى. وفي حين أن نظام مبارك يراهن على أن الأغلبية الصامتة وخاصة الطبقة الوسطى سوف تراعي بالتالي مصالحها الاقتصادية ومخاوفها من الانهيار الأمني وتقف الى جانبه، تسعى المعارضة الى انهاك النظام ودق اسفين بين أطرافه المختلفة وخاصة بين الجيش والحزب الحاكم والنخب السياسية والبيروقراطية القريبة منه. ويراهن النظام المصري من جهته على انصياع المعارضة لمقترحه الوحيد بالقبول ببقاء مبارك حتى نهاية ولايته في الخريف القادم على انقسامها وعدم وجود قيادة أو برنامج موحد لديها ومخاوف بعضها، وخاصة أحزاب المعارضة الرسمية من بروز الحركات الشبابية التي تقود المظاهرات وصعودها سياسيا واجتماعيا على حسابها مما يمكن أن يطيل من أمد المعركة. جدل دستوري وتشير التطورات المتلاحقة أن المحتجين فقدوا الثقة في الحكومة الحالية رغم تعهد رئيس الوزراء بالمضي قدما في الاصلاحات السياسية التي أعلنها مبارك في أول مسعى له لاحتواء غضب الشارع لكن الوضع الآن يتجه الى جدل دستوري من شأنه جعل حلّ الأزمة بعيدا. وتنص المادة 82 من الدستور المصري على أنه «اذا قام مانع مؤقت يحول دون مباشرة رئيس الجمهورية لاختصاصاته أناب عنه نائب رئيس الجمهورية أو رئيس مجلس الوزراء عند عدم وجود نائب لرئيس الجمهورية أو تعذر نيابته عنه ولا يجوز لمن ينوب عن رئيس الجمهورية طلب تعديل الدستور أو حل مجلس الشعب أو مجلس الشورى أو إقالة الوزارة». كما هو واضح فإن هذه المادة تقيد أيدي سليمان من اتخاذ الخطوات اللازمة التي تطالب بها المعارضة مما يضع البلاد في مأزق دستوري إذا ما انتقلت إليه السلطة دون حل البرلمان الذي يعتبره المعارضون غير شرعي ومزيف وبالتالي غير قادر على إجراء التعديلات الدستورية التي اقترحها مبارك لاجراء انتخابات رئاسية جديدة. ويزداد الوضع تعقيدا مع استمرار الجدل الدستوري بين طرح وآخر ، ينتهي في كل مرة الى اشكال سياسي أعمق بالنتيجة تبدو الحلول المطروحة سياسيا ودستوريا وكأنها تدور في حلقة مفرغة مما يثير سؤالا عما يمكن فعله للخروج من الأزمة التي يهدد طول أمدها بعواقب أمنية وسياسية واقتصادية كبيرة. ومع استمرار الأزمة تتجه بعض الأنظار صوب المؤسسة العسكرية كمخرج محتمل لانقاذ البلاد ممّا هي سائرة إليه، لكن في الوقت الراهن يبدو دخول الجيش على خط السياسة مستبعد الى حين، ولكن سيناريو توليه السلطة يبقى قائما الى أن يأتي ما يخالف ذلك.