التعيينات التي أجرتها الحكومة المؤقتة مؤخرا في ما يتعلق باللجان الثلاث وتلك الخاصة بسلك الولاة أثارت حفيظة قطاع واسع من المجتمع من جمعيات ومنظمات وأحزاب ونخب وشباب وإعلاميين وحتى من بعض الأطراف المشاركة في ذات الحكومة. وما من شكّ في أنّ نقاط استفهام تطرح في مثل هذه الحالة حول المغزى من تعيينات لم تُوجد إلا البلبلة ولم تحقّق الاستقرار في أكثر من ولاية ، ومن المهم أن تبادر الحكومة إلى توضيح المقاييس المخولة لمثل هذه التعيينات وأن تضع في حسبانها أن المعلومة اليوم«حول أي فرد أو ملف أو قضية» أصبحت متداولة على أكثر من صعيد وبسرعة قياسية ، والكثير من تلك المعلومات المنقولة تثير فزع الناس ورهبتهم وخوفهم من عودة البعض من صور الماضي المؤلمة والمظلمة ناهيك وأنّ حجم الإشاعات والأقاويل والأقاويل المُضادّة اتسع على نطاق كبير وسط تداخل الفوضى وتواصل حالة الانفلات الأمني والاعتداء لا فقط على أملاك الناس بل على أرواحهم الطاهرة مثلما تكرّر ذلك نهاية الأسبوع المنقضي في كل من سيدي بوزيد والكاف وقبلي. إن الحكومة مطالبة أكثر من أي فترة سابقة أو لاحقة من توخي قدر كبير من الحيطة واليقظة والتروي مع الاستعداد الدائم لُمعالجات سريعة وناجزة تتلاءم مع طلبات المواطنين وتطلعاتهم في رؤية الأشياء تسير في مسارها الإصلاحي الثابت دون رجعة أو تلكؤ أو استكانة. فمن حق الناس وفي كل المواقع والجهات أن يُطالبوا بقدر مُتزايد من الوضوح والشفافيّة خاصة وأنّ الحكومة الحالية فاقدة للشرعية الشعبيّة والإجماع الشعبي الواسع ، في ظل تواصل الاحتجاجات ومطالب إقالتها ، فهي بكل المقاييس ليست إلا حكومة انتقالية لتصريف شؤون البلاد إلى حين الانتخابات القادمة. هناك العديد من التساؤلات التي تخامر الناس حول طريقة اشتغال الحكومة المؤقتة ، وهي تساؤلات مشروعة وجائزة، فالوضع الذي تعرفه البلاد اليوم في اتجاه الانتقال إلى واقع جديد من العدالة والديمقراطية والحرية والمساواة لم يأت من فراغ ، كما أنّه لم يأت هبة من أحد في الداخل والخارج بل جاء بدماء الشهداء وتضحيات ونضالات كلّ الجهات والفئات بثورة شعبية حقيقية انبهر لها العالم حينما وضع كلّ الشعب التونسي اليد في اليد وفرضوا الإطاحة بالنظام السابق وفتحوا الطريق نحو التأسيس لبناء نظام جديد. وفي تقدير العديد من المراقبين فإن الحكومة الحالية الوقتية وكأنها لا تعي دقّة الظرف الأمني والسياسي وما يستوجبه ذلك الظرف من ضرورة الحذر والحيطة والتروي وعدم التسرع ومعرفة نبض الشارع والتفاعل معه برصانة وحنكة ، وإلا لتأكد ما يقال بأن هم البعض من المشاركين في هذه الحكومة هو التمسك بالكراسي وربح الوقت لولائم انتخابية وأجندات سياسية قادمة. صحيح أن هناك ضغطا للوقت وتوقا من الجميع لوضع القاطرة الوطنية على سكة استعادة الأوضاع ونسق الحياة المعتاد إقتصاديا واجتماعيا وتربويا لكن ذلك لا يبرر في شيء التمادي في الأخطاء وتكرار نفس المطبّات التي ما تزال تؤجج الأوضاع ، وما من عيب في أن تستمع الحكومة المؤقتة على الأقل إلى آراء مختلف الأحزاب والبعض من الخبراء والمختصين في العلوم السياسية والاجتماعية واستشارتهم قبل الإعلان عن خطواتها ومبادراتها ، اللهم إلا إذا كانت هناك نوايا غير البحث عن تحقيق ما يُطالب به الشعب.