التقت «الشروق» مجموعة من سجناء سجن المسعدين الذين فرّوا مؤخرا لنقل شهاداتهم ومعاناتهم لإنارة الرأي العام عما حدث خلال عملية فرارهم.. أول من حدثنا كان السجين «جلال شعبان» وقد ورد في روايته للأحداث أن رئيس جناح الموقوفين المسمى محمود بوعلي شهر «الروج» أعلمنا صباح السبت بأن النظام انتهى وأننا أحرار وقد تقرّر اطلاق سراحنا وأمر السجين سمير بوعبيد بكسر الأبواب لنتمكّن من الخروج فحاولت تهدئة المساجين لأني أحسست أن في الأمر سرّا ففرقة مقاومة الشغب التي كان دور ها الأساسي التدخل لتهدئة الأجواء باستعمال الكلاب والقنابل المسيلة للدموع لم تتدخل. خرج الجميع في فرحة عارمة وبقيت صحبة سجين مغربي يدعى عبد الواحد شلّح وكنا آخر المغادرين وقد أمرنا الرائد من فوق سطح السجن بالتوجه نحو الادارة وفي نفس الوقت رأينا جناح النسوة خارجات بنفس الكيفية، اجتمعنا أمام المبنى ما بين 600 الى 800 سجين وكانت المفاجأة المرعبة حيث وجدنا الحراس والضباط فوق سطح السجن مصوّبين أسلحتهم نحونا.. قلت للمدير لقد خرجنا بأمر من رئيس الجناح لأخذ أمتعتنا وأموالنا ووثائقنا وهواتفنا الجوالة ومدخرات المساجين فما راعني إلا أن قال لي حرفيا «نحن في وضع غير عادي ويزيد تهريبكم..اتبعوا التعليمات ستجدون أدوات للحفر عند الجدار الخلفي للسجن أين توجد ساحة كبيرة.. وتحت حراستهم وقع فتح ثغرة في الجدار وأثناء الخروج كانت بيننا سجينة تحمل رضيعا فطلبت من الزملاء إخراج المرأة ذات الأولوية وما إن خرجت حتى فتحت علينا أبواب جهنّم.. طلقات نارية من الداخل ومن الخارج.. واستمر الطلق الناري المكثف والعشوائي مخلّفا فوضى عارمة وكأن هدفهم كان إخراجنا للتشفّي.. وفجأة توقف الطلق الناري لبرهة من زمن ثم اندفعت مجموعة من الحراس تطلق النار علينا وتأمرنا بالانبطاح أرضا.. كانوا يسيرون فوق ظهورنا ويدوسوننا باستهزاء وسخرية قائلين «حصلتو» وكان بجانبي سجين يدعى ياسين يشكو من ضيق في التنفس داس عليه أحد الأعوان قائلا «موت وإلا أقضي عليك» فزحفت نحوه وساعدته في عملية التنفس «من الفم الى الفم» وفجأة سمعنا صوت مروحية تحلق في علو منخفض وأمرنا بالعودة ناحية الادارة أين جثونا واضعين أيدينا فوق رؤوسنا وكانت قربي حمّالة فوقها سجين من مساكن يدعى «الزين» كان ينزف أمام الجميع لم يتدخل أحد لإسعافه.. وخرج علينا المدير قائلا «حاولتم الهروب وأشعلتم النار في الغرف.. سترون» عندها أدركت حجم المؤامرة فقلت لرئيس الجناح ألم تأمرنا بالخروج؟ فركلني وأمرني بالصمت.. تنحى العقيد جانبا وأجرى مكالمة عبر جواله لمدة طويلة ثم عاد إلينا قائلا «أمامكم خياران إما الموت داخل السجن أو الموت خارجه.. أنتم في وضع يسمح لي بأن لا أترك واحدا منكم على قيد الحياة ولكن سأكون «أرجل منكم».. ها قد اتفقت مع الجيش ليبقى أمام الباب الرئيسي ونحن سنخرجكم من الثغرة التي حاولتم الخروج منها في أول الأمر.. كانت الساعة ما بين 17:30 و18:00 كنت آخر المغادرين وقد قضيت الليلة عند لجان أحياء قصيبة سوسة ولما علمت بما حدث في تونس وبأمر منع الجولان فهمت كنه إصرارهم على إخراجنا وفي ذلك التوقيت بالذات. إن الفرار المنظم كان سيناريو مسبق الإعداد باعتبار توقيته وتزامنه مع منع الجولان لرمي كل الجرائم والتجاوزات التي وقع الاعداد لها على ظهر السجناء الفارّين الذين تبيّن أن أغلبهم انضمّ الى لجان حماية الأحياء ولم يسقطوا في الفخ. ثاني من أخذ الكلمة هو السجين علية عمر بلقاسم مسعود وهو كهل في التاسعة والخمسين من العمر، قضى منها 25 سنة سجنا وقد طاف العديد من السجون ولم يبق له إلا أشهرا معدودة ليستعيد حريته.. تدخل علية ووافق زميله جلال شعبان في روايته للأحداث ولكنه أصرّ على افادتنا ببعض المعلومات الخطيرة عما يحدث في سجون تونس «التغيير».. قال علية: «لقد سبق لمدير السجن أن قتل سجينا من معتمدية الرجيش ولاية المهدية وهو شقيق المسمى «فؤاد جاب اللّه»، لقد ركله الى أن انفجرت كليتاه وذلك بسجن برج الرومي ببنزرت. .. وقد عذب صحفيا من جريدة «الموقف» بأن جرّده من ملابسه وشدّ وثاقه بالحديد تحت الشمس الحارقة لأنه قام باستجواب السجين الذي عذّبه مدير السجن وداس على مصحفه. المساجين لهم مدّخرات وأموال عند إدارة السجن، أنا شخصيا عندما أدخلت السجن كان معي مبلغ 30 ألف دينار، بالاضافة الى مدخراتي الأخرى، ولم أتمكن من إخراج تلك الأموال من السجن لتقديمها لعائلتي.. لم يكن مسموحا لي باخراج سوى مبلغ 150 دينارا شهريا كمصروف لعائلتي و200 دينارا أحيانا لابنتي الطالبة بصفاقس.. ولما طلبنا أموالنا قبل الخروج ادّعوا أن كل شيء أتلف.. أنا شخصيا لست فارا وقد اتصلت بالثكنة وقابلت العميد معبّرا عن استعدادي للعودة ولكن ليس لسجن المسعدين. أنا مستعد للعودة ولكن ليس في هذه الظروف، فقد مات أمامي المرحوم عامر ماني أصيل الساحلين بسبب التهاون وعدم النجدة وعرف السجين محمد الصادق من معتمدية كركر نفس المصير وقد تهاونوا في انقاذه الى أن أسلم الروح أمام عيني المسؤول عن الصحة. لقد حاولنا الاستغاثة فلم يسمعنا أحد وأنا شخصيا حاولت الحديث مع المدير العام للاصلاح والسجون الذي جاء لزيارة سجن المسعدين فنلت شهرين و25 يوما من السجن الانفرادي وفي الأثناء جاء الوزير فأخرجوني لليلة واحدة ثم أعادوني بتهمة ملفقة الى السجن الانفرادي مكبّلا من اليدين والرجلين بالسلاسل الحديدية.. كنا نعيش في عذاب.