من أبرز الملفات التي رافقت ثورة 14 جانفي ملف الأحداث التي عرفتها السجون التونسية والتي انتهت إلى مغادرة ما يزيد عن 11 ألفا من المساجين. الأحداث ما تزال غامضة وهي تحتاج إلى تحقيق مستقل يكشف حقيقة ما جرى من أحداث في علاقة بكيفية تمكن المساجين من الخروج والصيغ التي تم بها إلحاق أضرار بشرية كبيرة (العديد من الضحايا والمصابين) وأضرار مادية بغرف وتجهيزات السجون. «الشروق» وايمانا منها بدورها الإعلامي في التقصي والبحث عن الحقائق تحولت في زيارة خاصة جدا إلى السجن المدني ببرج العامري (غرب العاصمة)، وتنقل لقرائها هذا الريبورتاج. نقل وصور : خالد الحداد الوضع العام داخل السجن المدني ببرج العامري وخارجه يوحي بما يشبه الصدمة، وكأن كابوسا مرعبا مر من هذا المكان، كثافة للحيطة الأمنية وحراسة متقدمة من قوات الجيش على مستوى المفترق المؤدي إلى البوابة الخارجية للسجن وأنت تستمع إلى أحاديث متعددة من جهات مختلفة (أعوان سجون ومساجين) تلحظ الهول الذي حدث في الليلة الفاصلة بين 14 و15 جانفي وما يليها إلى حدود الثامنة من مساء السبت 15 جانفي حيث وجد المساجين أنفسهم خارج السجن. بين المغادرة والبقاء المعلومات التي حصلت عليها «الشروق» تفيد بأن السجن المدني ببرج العامري يتواجد به قبل الأحداث ما يزيد عن 2600 سجين أمكن ل2300 منهم مغادرة السجن مساء السبت 15 جانفي. «الشروق» تحدثت إلى بعض المساجين الذين قالوا إنهم خيروا عدم المغادرة والبقاء داخل السجن، السيد م.س : (محكوم ب7 سنوات) يوم الخميس كانت الأمور عادية... ولكن بعد خطاب الرئيس الهارب أصبح هناك حديث وتحريض من قبل بعض المساجين لتحطيم الأبواب، ويوم الجمعة ومع تواتر الأخبار عن ما يجري في الخارج ازدادت حالة الهيجان والفوضى وقد ازدادت تلك الحالة بعد رؤية مشاهد عما جرى في سجن المهدية». ويواصل السيد م.س : «كنا في الجناح الثاني بالسجن وسمعنا التكسير والفوضى في جناح «الكراكة» (المساجين ذوي الأحكام الطويلة) ويوم السبت مساء كان ما يزيد عن 1300 سجين من سجناء الجناح الأول خارج الغرف ووسط الساحة الداخلية للسجن... وقد التحقوا بنا في غرفنا وطلب منا البعض الالتحاق وخلع الأبواب من أجل تنفيذ الهروب الجماعي لكل المساجين». العصابات الملثمة من جهته أشار السجين س.ض (محكوم ب20 سنة قضى منها 19 سنة) إلى أنه لم تكن لديه رغبة في الهروب لأنه لم يأت ما يؤكد خبر العفو التشريعي، وواصل المتحدث : «الأنباء والأحاديث التي كانت تصلنا عبر التلفاز عن وجود عصابات للنهب والتخريب والهجوم على المنازل والممتلكات في مختلف الأحياء والمدن أججت الفوضى داخل السجن وأوجدت اصرارا لدى عدد مهم من المساجين للخروج وذلك خوفا على عائلاتهم وممتلكاتهم». ضجيج وخلع للأبواب السيد محمد (وهو يقول بأنه أحد ضحايا عائلة الطرابلسي) ويقول : «يوم السبت وفي حدود 7س و15 دقيقة ومع مشاهدة المساجين لما جرى في سجن المنستير سمعنا ضجيجا خارج البيوت وتم خلع البيوت المجاورة لنا (1 و4) وتم قطع التيار الكهربائي وهناك رائحة للدخان والحرائق، وقد تمكنا من الخروج من غرفتنا بعد تزايد الدخان وروائح القنابل المسيلة للدموع وذلك على الساعة 8 و45 دقيقة ليلا وقد فتح لنا البعض من زملائنا الباب بعد مجهودات كبيرة..». ويواصل محمد : «حاولنا انقاذ شخص مسن كان في حالة اختناق في باب الغرفة ولكن لم نتمكن من اسعافه برغم التحاق أعوان من السجن لاحقا حيث توفي رحمه ا&». ويقول السيد م.م : «ما أؤكده أن هناك تأثيرا كبيرا لأخبار العصابات الملثمة التي تهاجم الأحياء وتنهب الممتلكات على تأجيج الوضع داخل السجن مما أدى إلى محاولات جدية من المساجين لخلع الأبواب والبحث عن طرق ووسائل للخروج والالتحاق بعائلاتهم لحمايتها». ويضيف السجين م.م : «جاءنا زملاء بتعليمات من إدارة السجن لفكنا من داخل الغرف وانقاذنا من حالة الاختناق... وعندما خرجنا لاحظنا حالة تدافع وهجوم على الباب الخارجي للسجن...». حرائق وأبواب مخلوعة ويواصل : «علمنا أنه لم يكن هناك عفو تشريعي فخيرنا البقاء داخل السجن.. لقد خرجت شخصيا إلى خارج باب السجن بأمتار ولاحظت تفرقا للمساجين في كل الاتجاهات... وعاينت لاحقا الأبواب المخلوعة وحرائق في عدد من الغرف، وقد أقنعت زملائي في الغرفة بالبقاء ولكن ما أشهد عليه أن هناك من خرج اضطرارا بعد رؤية الحالة التي أصبح عليها السجن حيث لا مرافق ولا أي شيء فقد تم اتلاف المشرب وتهشيم أجهزة التلفزة والعديد من التجهيزات الأخرى إضافة لانقطاع التيار الكهربائي». أحد أعوان السجن المدني ببرج العامري تحدث إلينا بألم كبير وقال : «كان الوضع جد حرج وكنا بعض عشرات من الأعوان فقط (حوالي 40 عونا) وطلبنا التعزيزات منذ مساء الجمعة ولكن لم يصلنا أي تعزيز نظرا لحالة الطوارئ ومنع الجولان... وقد تعرضت سيارات تابعة للسجن لطلق ناري من وجهات مختلفة وهي في طريقها للسجن (وقد عاينت «الشروق» آثار الرصاص على بعض السيارات التابعة للسجن...) في ظل الأوضاع المتداخلة والغامضة خاصة يوم السبت». أحداث متسارعة وواصل محدثنا : «لقد حاولنا اقناع المساجين بأنه لا وجود لعفو تشريعي وذلك منذ مساء الجمعة 14 جانفي، ولكن مع الساعة 11 ليلا بدأت الأحداث في التسارع بشكل رهيب ومخيف خلع للأبواب وتكسير وحرق للغرف (11 غرفة) وبداية من منتصف نهار يوم السبت الموالي بدأت محاولة الفرار الجماعي وقد استبسل الأعوان في الحماية واعادة المساجين وقد تم اطلاق القنابل المسيلة للدموع... وتم اطلاق الرصاص في الهواء للتخويف فقط ولكن ذلك لم يعالج الوضع، ومع الساعة السابعة مساء وبعد مشاهدة أخبار بقية السجون في التلفزة تم اقتحام الفضاء الخارجي للسجن (ساحة السجن) من طرف المساجين الثائرين مدججين بأدوات حادة والحجارة وهاجموا الأعوان في رغبة لافتكاك الباب الخارجي وفي النهاية كانت الغلبة لهم لأنهم كانوا عاقدين العزم على الخروج مهما كانت التكاليف.. وأمكن لهم ذلك في حدود الثامنة ليلا». وقال عون سجون آخر : «حاولنا تخفيف الأوضاع وفكرنا في قطع البث التلفزي ولكن تلقينا تهديدات من المساجين في صورة ما إذا نفّذنا ذلك». لم نطلق الرصاص وواصل حديثه : «فعلنا ما في وسعنا ولم نطلق الرصاص... ونحن حاليا متأثرون جدا لفرار المساجين الذين من بينهم من يمثل خطرا على المجتمع...». ولاحظ محدثنا أن 800 سجين عادوا للسجن بعد الفرار والهروب... منهم 500 سجين عن طريق قوات الجيش الوطني والبقية منهم عادوا إما بصفة إرادية أو بحكم إحالة عدلية جديدة لارتكاب مخالفات جديدة». وانتهى أعوان السجون الذين تحدثت إليهم «الشروق» إلى أنهم تصرفوا بصفة إرادية ولم يتلقوا أية تعليمات بإخلاء السجن وأنهم لا انتماء سياسي لهم ويخدمون الوطن لا الأشخاص.. وأكدوا أنهم تعرضوا لخطر حقيقي وأنهم واجهوا فعلا خطر الموت نتيجة ما حدث من هيجان وثورة للمساجين». تحقيق مستقل ومن المؤكد أن التحقيق المستقل في ما حدث بهذا السجن وغيره من السجون سيقدم معطيات أخرى عن حقيقة ما جرى.