من حقّ الشّعب التّونسي وحده لأنّه هو الذي أطاح بمفرده بديكتاتورية هي من أبشع الأنظمة بطشا واستبدادا في العصور الحديثة، من حقّه وحده أن يختار ممثّليه، ولا حقّ لأي كان في أن يدّعي شرف تمثيله أو ينصّب نفسه وصيّا عليه. إنّ واجب كلّ وطنيّ اليوم هو الإنتباه لكافّة محاولات الإلتفاف على الإنجاز التّاريخي العظيم الذي حقّقه الشّعب التّونسي، وأوّل حقوقه هو حقّه في وضع دستور جديد تتولاّه جمعيّة وطنيّة تأسيسيّة منتخبة انتخابا عامّا حرّا مباشرا سرّيا. فانتخابات رئاسية في ظلّ دستور أثبت التّاريخ أنّه لم يؤدّ إلاّ إلى الاستبداد وقمع الحرّيات وحوّل تونس على مدى أكثر من نصف قرن إلى ما يشبه المعتقل هو استخفاف بإرادة الشّعب التّونسيّ. وأمّا الوعد بتعديل هذا الدّستور إثر تنظيم انتخابات رئاسيّة وتشريعيّة سوف تحكمها محُاصّات حزبيّة وتحالفات مشبوهة بدأت تظهر دوافعها وأغراضها فلا تعدو أيضا أن تكون سوى محاولة لمصادرة إرادة الشّعب في التخلّص النّهائي من الإذلال والاستبداد. تقتضي الثّورة التّونسية العظيمة اليوم وضع حدّ لمؤسّسات دستورية صارت فاقدة لكلّ مشروعيّة ، تقتضي الإنتقال من شرعيّة وهميّة مازال البعض يصرّ على التمسّك بها إلى مشروعيّة صنعها الشّعب التّونسي ولم يصنعها غيره. لم يعد هناك أيّ مجال لتدخّل سلطة تشريعيّة فاقدة لأيّ تمثيليّة ولا لأيّ مؤسّسة دستوريّة أخرى فقدت بدورها أيّ مبرّر مشروع لوجودها. يقتضي الوضع اليوم تنظيما مؤقّتا للسّلط العموميّة تكون أهمّ مؤسسّة فيه حكومة تتولّى تصريف الأعمال كما حصل ذلك إثر إعلان الجمهورية سنة 1957 حتى يتمّ وضع دستور جديد. ولن يكون هذا الدّستور الجديد تعبيرا صادقا عن إرادة الشّعب إلاّ بواسطة جمعيّة وطنيّة تأسيسيّة تمثّل إرادة النّاخبين والنّاخبات ، وتُمَكّنُ فيها جميع الحركات والقُوى السّياسيّة دون أيّ إقصاء من تقديم مرشّحيها ومترشّحاتها لعضويتها ومن عرض تصوّراتها واختياراتها ، والكلمة الفصل بين الجميع تكون للشّعب وحده عن طريق صناديق الإقتراع. ويمكن أن تتولّى هذه الجمعيّة الوطنيّة التّأسيسيّة التّشريع في عدد من الميادين الهامّة كالقانون الانتخابي أو القانون المتعلق بالأحزاب السياسية التي تقتضي تدخّل نوّاب الشّعب إلى جانب عملها التّأسيسي المتمثّل في وضع دستور جديد. كما يمكن أن تتحوّل نفس هذه الجمعيّة ، إثر وضع هذا الدّستور، إلى هيئة تشريعيّة تستمرّ في عملها إلى حين انتهاء مدّتها حسب الأحكام الدّستوريّة الجديدة. أمّا الإنتخابات الرّئاسيّة ، فلا تنظّم إلاّ بعد الإختيار على طبيعة النّظام السّياسي الجديد في ظلّ هذا الدّستور الجديد. بهذا الإختيار فقط ، يمكن أن تتحقّق إرادة الشّعب التّونسيّ المتطلّع للحرّية والكرامة ولحياة ديمقراطيّة حقيقيّة دون إقصاء لأحد ودون وصاية من أحد. قيس سعيّد (كلّية العلوم القانونيّة والسّياسيّة والإجتماعيّة بتونس)